اسمعوا هذه الحكاية المؤلمة والغنية في معانيها والتي حدثت قبل اسابيع في سويسرا.
حدثتنا صديقة طبيبة تعمل في مصحة نفسانية خاصة بالاغنياء تطل على بحيرة جنيف. يأتونها من انحاء العالم ليتعالجوا من صدمات الحياة مثل الادمان والطلاق وفقدان الاحبة..
وخلال عدة سنوات ظلت سيدة سويسرية شابة وجميلة تأتي الى المصحة كل بضعة اشهر، لتمضى اسبوعا او اكثر تعالج من معاناتها بسبب زوجها القاسي الذي يهينها ويضربها.
وحين كنا نسألها: لماذا لا تطلبي الطلاق؟
كان تبكي وتقول: اين اذهب لو تطلقت.. انا من عائلة فقيرة وليس لدي اية مهنة، وهو الذي انقذني من فقري، وساضطر ان اعود الى حياتي السابقة التعسة وعملي كبائعة.
وذات مرة وبينما كانت في المصحة استلمت رسالة من احد المحامين، يخبرها بانها ورثت اموال طائلة من احد قريباتها.
فرحنا لهذا الخبر وباركنا السيدة لقرب تحررها من عبودية زوجها وطلب الطلاق.
لكن هذه السيدة ظلت صامتة مبهوتة ليومين، ثم امضت اليوم الثالث بالبكاء والعويل بحرقة دون ان تنطق بالسبب.
وفي فجر اليوم الرابع اصابتنا الصدمة الفاجعة عندما وجدناها ميتة منتحرة بالحبوب المنومة، وفي يدها ورقة مجعلكة كتبت عليها عبارة واحدة:
وداعا وعذرا.. لم اعد اتحمل الحياة..
وحينها فقط ادركنا متأخرين مأزقها الحياتي الكبير:
بالحقيقة انها كانت في اعماقها راضية بعبوديتها وتعذيبها من قبل زوجها، وكان فقرها حجة مقبولة لديها ولدى المجتمع.
ولكنها حينما فقدت هذه الحجة واصبحت غنية قادرة على امتلاك حياتها وحريتها، احست بالعار من نفسها ومن مجتمعها لانها ادركت بأنها مازوخية تتلذذ بالعبودية والاذلال.
لهذا فضلت الموت على مواجهة حريتها.
لان الحرية والكرامة بالنسبة لبعض الناس مسؤوليتها اثقل بكثير من العبودية والاذلال.
هذا هو حال بعض الجماعات والشعوب في بعض الحقب من تاريخها:
لا تتحمل الحياة الا في ظل الجلادين والفاسدين، وحتى عندما تفقدهم فأنها تجاهد لكي تصنع امثالهم!!
مقالات اخرى للكاتب