قال لي الرجل الوالد علي , ارجوك دكتور ساعدني , قلت يا مهندس بكر لن اتخلى عن انسانية مهنتي ورغم ماهو به لكنه ابتسم .. أدركت سبب الابتسامة فانه مهندس ومازال يعمل في احدى وزارات بلدي ... فابتسمت انا الاخر واستطردت قائلا ان قسمي مختلف تماما ... قال الرجل .. عسى ان لايكون قسم وزراء هذه الايام .. استطردت قائلا قلت لك سأبذل جهدي لكن حدثني عن ولدك علي .
قال علي ولدي طفل في الصف الخامس الابتدائي وديعا مسالما وامه مربية ومدرسة كنت اضطر الى اصطحابه معي عند خروجنا انا ووالدته اخذ يسال عن كل شئ فهو حريص على المعرفة ... قلت هذا شيء جميل ... قال الرجل لكن هذا سبب بلائي وسبب مجئ اليك .. قلت كيف ؟ قال .. علي يسال عن الاسلاك الشائكة وعن الزحام القاتل للعجلات عند المضايق التي تصنعها نقاط التفتيش يسال لماذا كل هذا التقطيع ؟ ولماذا كل هذه الحواجز الكونكريتية ... ولماذا لا ندخل من هنا ... ولماذا .. ولماذا ؟
قلت نعم انه حب الاستطلاع لدى الاطفال انه امر لابد منه ... قال المهندس بكر صادفني اكثر من مرة ان اكون في الصف الاول من السيارات التي يجب ان تتوقف ولا تقترب فسألني علي قائلا . بابا لماذا يمنعونا .. قلت يخافون منا .. ضحك علي وقال من يخاف من من . ها نحن نخاف ولا نسير والشارع مفتوح .. قلت يا علي يا بابا هل تقرأ ... قال نعم اني اقرا جيدا .. قلت اقرا .. ما مكتوب بلون الاحمر قرأ علي ... (( لا تقترب تقتل )) ثم اخذ علي يقرا في كل مرة (( القوات مرخصة بالقتل )) واستمر علي يقرا كل كلمات وجمل العسكرة والقتل والحذر والممنوع واقترب رافع يديك ولا تقترب واخذ يكثر السؤال خاصة عن تلك السيارات المدنية التي تصرخ ورجال شاهرون بنادقهم ومسدساتهم من نوافذها ... لا بل اخذ يسمع اطلاقاتهم النارية فسألني هؤلاء ليس بعسكر ان سياراتهم تشبه سيارتنا .. فأصدقه القول واقول له مثلا انها سيارات دولة او امن او موكب الوزير او مدير عام او شركات امنية او اعضاء برلمان او رؤساء احزاب ... لكنه كان يؤكد على القتل فيقول لي وهم ايضا يقتلون ؟ قاطعته سائلا بماذا تجيبه ؟ ... قال اصدقه القول ليعرف النظام العسكري الجديد حرصا عليه وليتعلم .. قلت نعم اكمل حديثك .. لقد تغير علي يقول المهندس وما عاد يكترث بدراسته وامسى كثير السؤال ... قلت مثل ماذا ؟... قال يسال اسئلة مركزة وذكية لماذا اخذوا كل الشوراع ؟ لماذا الحرس على ابواب مدرستي حاملين سلاحهم ..لماذا نخافهم من اين جاءوا ولماذا ؟ ماهذا الذي اراه في التلفزيون عندما ارى واسمع الاخبار ... قوات تغزو مدينة او حيا بكامله .. ماهذه الخيوط البيضاء ... لماذا يشدون وثاقهم جميعا .. ماهذه الاكياس التي في رؤوسهم .. قلت انها اسئلة كثيرة واعتقد يكررها دوما .. قال نعم ولكي اختصر واقطع الطريق على وابل الاسئلة التي اخذت اضيق بها ذرعا قلت له انها القوة انها البندقية والمدفع والصاروخ والطائرات والقاذفات القاتلات كفى ياعلي ارجوك انا ايضا متعب مثقل انا ايضا مكسور مهزوم مذلول .
قلت نعم وبعد ذلك ... قال الوالد بكر .. انقطع علي عن الاسئلة الا ما ندر .. قلت اذا سيتحول الى .. قاطعني قائلا نعم تغير كثير .. قلت لقد انقلب 180 درجة لابد انه اخذ يكبت رفضه ويسقطه بتعابير وصور ومظاهر اخرى ولا بد انها ستكون مقترنة بالعنف .. قال نعم لقد ترك كل اللعب المدنية والالكترونية حتى الشطرنج الذي كنت العبه معه واخذ في خروجه مع والدته يلح عليها بل يطلب باصرار على شراء اللعب العسكرية .. فهذا مسدس .. وتلك دبابة .. وهذه بندقية .. ولكل نوع من هذه الاليات العسكرية نظام .. قلت يستخدمها داخل البيت .. قال نعم .. قلت اتحول الى العنف .. قال نعم .. قلت اخذ يعتدي .. يتحدى .. يحطم شيء من اثاث البيت .. قال نعم . قلت وماذا عن تصرفاته مع اخوته .. قال بكر ...
1- لي مع علي الكبير عمر طالب في السادس علمي ولي بنت في الاول متوسط فقط قلت .. لا بد اخذ يركز على عمر .. قال كيف عرفت ذلك ...
قلت لانه الكبير وتحديه والاعتداء عليه والتمرد على قرارته تشبع اسقاطاته النفسية قال نعم لكن اخاه يحتويه ولا يضربه .. قلت وبعد يوم او اكثر اصبح اكثر عنفا .. قال نعم وادركت خطورة الامر .. وها انا استمع لتوجيهاتك ... قلت انها حالة مرضية صعبة وعلي ان اراه .. فاتفقنا .
علي طفل جميل جدا في الصف الخامس الابتدائي وديع هادئ يتطلع الى العلم كل دفاتره ورسوماته والعابه واوراقه حتى نظام طعامه اطلعت عليه قبل تحوله الى العنف والتمرد انها في غاية الجمال والنظام طفل يحب الحياة يعشق برسوماته الطبيعة وبألعابه يعشق العلم والتكنولوجية انه صعب ومحارب عنيد في لعبة الشطرنج يعرف كيف يضع الخطط ويقتنص الفرص كان بعيدا كل البعد عن الفوضوية بل كان مثالا لاخيه واخته في حبه للسلام والجمال والنظام اول لقاء تعارف لي معه مددت يدي لاصافحه فوقف ناظراً لي متفحصا وصافحني بقوة ويده تهز يدي منو انت ؟ شسوي بيتنا ؟ انت مو صديقنا ... انا مشايفك من قبل , ثم ذهب غير بعيد شاهرا علي احدى ( مسدساته ) وكان ليزريا وفاجأني بقوله ( هسه احبسك ) .
تبسمرت ناظرا لهذا الطفل الذي اعتبرته في تلك اللحظات من الخسائر ان لم يصبح مجرما او قائداً لاحدى العصابات او احدى المافيات وخطر في خاطري سؤال وجهته لوالده بعد ان تدخل وفض النزاع وامر اخيه الكبير ان ياخذه لاتحدث مع السيد الوالد . سألته .. هل تنقل بعض ما تتعرض له من ارهاصات ومتاعب نفسية وامنية الى البيت وتتحدث بها امامه ... قال نعم غير اني انقطعت عندما تغير ولدي علي .. قلت مثل ماذا ؟ قال يوما نسيت نفسي وانا اتكلم في ( الموبايل ) عند وصولي الى ( نقطة التفتيش ) ولم يكن امامي احد واسترسلت في الحديث واذا بصرخة مدوية ( قف راح نكتلك ) فطنت على نفسي وهم يسحبوني من ياقتي ( كالخروف) وبعد جهود كبيرة اخذت كثير من صحتي النفسية والعقلية والجسدية لاثبات هويتي تركوني بالوعيد بعدم تكرار ذلك واليقضة والحذر وانا في الشارع تصورت نفسي يومها قد كفرت بكل المقدسات وعند الكعبة ا واني اخترقت البيت الابيض متسللا.. قلت له ماكان عليك ان تذكر ا وان تتحدث بهذا امام الاطفال قال هذا كان قبل ما حدث من تغير على ولدي علي ... قلت له عليك ان تعلم ان لدى الاطفال قدرات لا نتصورها في خزن المعلومات عندهم في اللاوعي . قطع حديثي علي داخلا يهرول قلت علي ماذا تعمل ؟ قال .. اتدرب لاكون قوياً .. قلت تعال واخبرني ما لديك من العاب .. حدثني علي عن العابه ( ترسانة اسلحته ) ثم ذهب راكضا الى احدى الغرف .. قال المهندس .. ذهب ليجلب لك تلك الالعاب .. وماهي الا دقائق وحضر علي يجر ورائه حاوية من كارتون فأخرجها لي قطعة قطعة مع اعطائي درسا في كيفية استعالمها . ومما ادهشني اني رأيت العابا عسكرية ماكنت اتصور ابد ان يسمح بها اولي الامر في الدولة بدخولها الى العراق ... رأيت قاذفة وهي تعمل لكنها لعبة ورأيت عقود صغيرة تشبه اصابع اليد لها اصوات قد تفوق في سماعها صوت الطلقة الحقيقية والغريب الغريب اني رأيت ( عدة كاملة ) فيها ما يسمى ( الكلبجة ) لتقيد اليدين وكذلك النظارات السوداء وكذلك غطاء الرأس . الحقيقة كان المشهد مثيرا مقززا مستقزا لي لي واردت ان افقد شيء من اعصابي وكاد الغضب ان يأخذ مني مأخذه غير اني تمالكت نفسي عندما نظرت الى والده وهو يقلب كفيه وعيونه تتكلم لا بل قد دمعت فلا حول له المسكين و لا قوة فقد تعسكر هذا الطفل وتمرد وذهب الى امتلاك اسباب القوة العسكرية من اجل الدمار والخراب .
2- وقتل الانسان وتذكرت الدراسات الاجتماعية الخاصة بالظواهر كما تذكرت استاذي الدكتور حاتم الكعبي وكتابه ( المودة ) والحديث عن خرجت من مجموعة التفاعلات والاضطرابات التي اعتل جبها صدري ونفسي وفكري فوجهت سؤالا الى الطفل علي انت تعلب بها في البيت فقط ؟ فانا اعلم من ابيك انك لاتخرج الى الشارع . قال علي ليس في البيت فقط في المدرسة ايضا ... واه عجباه كيف في المدرسة ؟ ... وضح لي بالتفصيل يا علي .
قال بانهم ياخذون المسدسات الليزرية ( الضوئية ) وينقسمون الى مجموعتين احدهما جيش المهدي والاخرى جيش عمر فيتقاتلون ومن يقع عليه الضوء يجب ان يسقط ثم يسحبون الخسائر .. بادرته بسؤال لي به مأرب اخرى .. وانت دوما في مجموعة واحدة قال لا يوما اكون في جيش المهدي .. ويوما في جيش عمر .. قلت وكل زملائك كذلك .. قال نعم .. نحن نكون فريقين ثم نطلق التسمية ... قلت في نفسي الحمد لله .. قلت ياعلي ممارسات اخرى كيف تكون في المدرسة . قال طلبة الصف الخامس من الصف الرابع نجتمع والمعركة تكون مع الامريكان ... قلت ومن هم الامريكان ؟ قال مجموعة من طلبة الصفوف السادسة وهنا ادركت تماما ما يدور وما ينتقل الى الاذهان وادركت ان الاطفال يدركون وبصورة عفوية .
طبيعة الصراع بين الاقوى والاضعف ( الفوقية والتحتية ) فطلبة الصف السادس الاكبر والاقوى في تصوراتهم فهم الامريكيون وهم الاضعف العراقيين .. قلت لعلي وجيوشكم تتوحد قال نعم هذه مع الامريكان " كلنا عليهم " ونحن نصعد الى سطح المدرسة وناخذ مواقع ونضربهم .. قلت الفرصة قصيرة وهذا يحتاج الى وقت .. قال علي في دروس الرياضة والرسم .. ياللهول يا للويل والثبور والدمار فلقد تحولت النشاطات الراقية الى حرب وقلت ... قلت ياعلي , المعلمون والادارة كيف يسمحون لكم قال الطفل " عمي يا معلمين يا ادراة ذولة معليهم يخافون " .
لو ذهبنا الى مايسمى " الميثولوجيا " ونقبنا في التاريخ عن مثل هذه الاساطير لم نجدها . وتذكرت المدارس في الاربعينات والخمسينات والستينات من القرن الماضي وكيف كانت وتأسفت كثيراً وندمت لاني تعلمت وتمنيت ان يباع الغباء لاذهب واشتري انه الخراب والدمار ومسخ ثقافتنا بأبشع ما يجب ان يكون .
كان هذا لقائي الاول الذي قضيته مع علي , الحالة السايكلوجية والعقلية الصعبة جدا واستغرق اكثر من ساعتين وابلغت والده ان الوضع خطير , وسالته هل لديه سلاح .. قال نعم .. لايوجد اليوم بيت في العراق الا ما ندر لا يوجد فيه سلاح من اجل الدفاع عن النفس وانت تعلم ما يجري وما يدور ... قلت احذر ان يقع بين يدي علي .. قال ادركت هذا واني متحفظ عليه جدا .
استمر عملي مع الطفل علي جلستين في الاسبوع الى ان وقعت الواقعة .
حصلت الكارثة او المجزرة او الفاجعة التي انتهت بها هذه الاسرة في الاشهر الاخيرة من عام 2007 .
3- كانت القوات المتعددة الفنون في الارهاب والقتل الترويع والقمع قد دخلت حارة بيت علي في وقت كان النهار يسحب ويلملم اخر ذيوله واخذ الليل يوسق بغداد , سمع الناس اصوات يتصورها انها منبثقة من هاونات او اطلاق ناري ولا يعلمون انها من قبلهم , انها تكنلوجية الارهاب والموت .
اصوات استفزازية مرعبة يخيل لاهل القانون انهم ضربوا وعليهم ان يردوا , وحال سماع علي لهذه الاصوات قفز الى اعلى النافذة ينظر واذا بقوات واليات تكفي لاحتلال مدينة وقتل سكانها اذن جاء دوره وهو احد افراد جيش المهدي مرة واخرى جيش عمر .
انها ساعة الوحدة لضرب العدو المحتل وتخيل ان جميع رفاق السلاح العراقي من اصدقائه الان في خندق واحد لقد وصلت ( القوات الفوقية ) طلبت الصف السادس اذا من سيهزم من , ولا نصر ولا هزيمة دون فعل .
وبصورة غير ادراية ركض علي الى غرفته واخرج ترسانة اسلحته توشح ببعضها وحمل الاخرى صاعداً الى السطح وضع ذلك السلم الحديدي الصغير فأرتقى قمة الدار فأخذ موضعاً عسكرياً وكانه مقاتلاً مجرب وضرب الاعداء ببندقية الليزرية قم استعمل القاذفة كان يحتاج الى صوت ليقول لهم اني هنا ارفضكم , اقاتلكم , ادافع عن داري وذاتي , فرماهم بالعابه النارية ذات الاصوات والمفرقعات وارتاح نفسيا عندما وجهت الاله العسكرية للقوات المتعددة الرذيلة وابل غضبها الى داره لكنه لم يصاب فهم الاعلى المتحصن ودرب في المدرسة .. كانت في سماء المنطقة تحلق طائرات الموت المروحية فمالت احداهما صوب الدار وصوب الارهاب الذي جاء باسم والقانون والامم المتحدة غضبه الناري الى جسد الطفل وتركه جثة هامدة مخضبة بالدماء ... ادرك المهندس ما يدور وشعر وبغريزة الابوة ان علي في خطر وسأل عمر اين علي ؟ قال لاادري . عندها توقف المخيخ المسؤول عن الادراك والتميز وبفكرة مسيطرة تدفعه الى الدفاع عن ولده وداره وعرضه توقف ثلاثة ارباع الدماغ على اعطاء القرار الصائب واصدر الامر الى عمر ان يأتي اليه بالبندقية تسلح صاعدا الى السطح وامر عمر ان يحمل بندقيته ويخرج الى الحديقة وهو يصرخ , علي علي ولدي ولدي وعندما وصله فقد بقية عقله وتحول الى الة تسيطر عليها كل الاعراف والقوانين كل الاديان والشرائع التي توجب علينا الدفاع عن انفسنا فما كان عليه الى ان وجه بندقيته واخذ يرمي وبعشوائية الى الاعلى تارة والى الاسفل اخرى وجثة علي هامدة بين قدميه فمالت الطائرة الاخرى وغطى جسده جسد ولده واختلطت الدماء واقتحمت القوات الدار واستطاع عمر ان يقتل واحد منهم قبل ان يسقط شهيدا واقتيدت المراة التي كانت تلف ابنتها بذراعيها منزويه في الدار غير بعيد وادخلت في جوف الاله العسكرية مقيدة وابنتها اليدين لابستا الكيسين متحفظين عليها بأمر القائد لانها ارهابية .