رجالٌ في العراق اختلفوا ، فأختلف العراقيون !!!
التاريخ ؛ هذه الحقيقة الصادعة ، ما صدقت تصدق الأسفار.
عندما أوحى الله أن يعلن محمد بن عبدالله الرجل الأمّي .. الصادق الأمين بمكة نبوته في أمّة العرب القرشية ، فأثار أحقاد بني عمومته من آل أميّة المشركين .. ذوي النفوذ المكي ، ما جعل الأحقاد تلد جيلاً حاقداً بعد جيل . وما زاد الأحقادَ حقداً آخراً امتد إلى شيوخ قريش وأصحابه ؛ هو إعلانه (ص) بيعته لابن عمّه ووصيه علي بن أبي طالب (ع) يوم الغدير بُعَـيْدَ خطبة الوداع عام رحيله إلى بارئه (ص) سنة 10 هـ ، عندما أكمل الوحيُ بأمر الله تعالى مشروعَ الأنبياء على الأرض .. بالخطبة الحاسمة التي ألقاها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع يوم عرفة من جبل الرحمة ، وقد نزل فيه الوحي مبشراً أنه "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" (المائدة/3):
((الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير. أما بعد أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم فإني لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا. أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا – ألا هل بلغت اللهم فاشهد، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها. وإن ربا الجاهلية موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وقضى الله أنه لا ربا. وإن أول ربا أبدأ به عمي العباس بن عبد المطلب.وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية – ألا هل بلغت اللهم فاشهد. أما بعد أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحرقون من أعمالكم فاحذروه على دينكم، أيها الناس إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليوطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله. وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السماوات والأرض، منها أربعة حرم ثلاثة متواليات وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان – ألا هل بلغت اللهم فاشهد. أما بعد أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حق. لكم أن لا يواطئن فرشهم غيركم، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً – ألا هل بلغت....اللهم فاشهد. أيها الناس إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لامرئ مال لأخيه إلا عن طيب نفس منه – ألا هل بلغت اللهم فاشهد.فلا ترجعن بعدى كافراً يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه، ألا هل بلغت ... اللهم فاشهد. أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى – ألا هل بلغت....اللهم فاشهد قالوا نعم – قال فليبلغ الشاهد الغائب. أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا يجوز لوارث وصية، ولا يجوز وصية في أكثر من ثلث، والولد للفراش وللعاهر الحجر. من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل. والسلام عليكم(( .
والحالة هذه ؛ فقد يئس المندسون في الدين الجديد من كل آمالهم العريضة التي كانوا يرجون فيها سلطانهم الدنيوي على حساب سلطان السماء المطلق ، فراحوا يتحينون الفرص لأجل إسقاط مشروع خاتم الأنبياء (ص) وامتداده الرسالي بتعيين الوصاية على الدين من بعده لإدارة شؤون الأمّة الفقهية والعقائدية والتشريعية كافة.
الأمر الذي جعل أقرب القوم نسباً منه يتآمرون عليه .. بنو عمّه ؛ بنو أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، ومن بعدهم بنو عمّه العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وعلي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
فالملاحظ في تاريخ الأمّة الإسلامية ؛ إنَّ الخلاف عائلي ، نجم عن حسد لعلي بن أبي طالب(ع) الذي وصّى به النبي محمد (ص) خليفة من بعده على المسلمين . هذا الخلاف العائلي شجّع عليه وعززه رجالٌ حول رسول الله (ص) تضرروا اعتبارياً من نهاية الأحداث التي آلت إلى علي بن أبي طالب(ع) ولم تؤل إليهم . وكأنّ المسألة الرسالية المأمورة بإرادة السماء بواسطة الوحي المبين رهناً بمحمد بن عبدالله .. إبن عمهم ، لا بمحمد رسول الله(ص). ما جعل الحقد يولد حقاً ، والحسد يولد حسدا، آلَ بالأمّة الإسلامية إلى ما آلت إليه من محن ومصائب عبر التاريخ ، وما تمخض عن هذه كلها من أسباب أدّت إلى تكوّن المذاهب والفرق والأتباع ، حيث أن لكل رجالٍ رجالاً حولهم ، ولكل فرقة أباعها ، ولكل مذهب أنصاره ، ولكل مشربٍ مذهباً ومسار.
من هنا حصلت المأساة ، هذه المأساة ؛ امتدت نتائجها إلينا عبر السنين، فكنا الأخسرين حظاً بين بني الأمم .
وما أتبع من بعده من تذمّر من تلكم الاختلافات التي ربّما كانت سبباً جوهرياً شجّع على تعزيز الفكرة الوهابية السلفية التي تفاعلت مع عوامل تأسيسها المتعددة ، حيث آثرت أن تتنصل عن كل ماهو غير الله والقرآن تبعا .
ومن ويلات تلكم المآسي في تاريخ الأمّة هي حالة التمزق العقائدي والمذهبي الذي ترنّحت تحته الأمّة الإسلامية بجميع مذاهبها ، حتى أوشكت أغلبية الأمّة الإسلامية المتديّنة أن تنسى مذاهبها،وترى الإسلامَ الوهابي إسلامها حسب.وبقي المسلمون الشيعة ثابتون على ولائهم لعلي بن أبي طالب (ع) منذ بيعة الغدير عام 10هـ حتى يومنا هذا.
من هنا ؛ يتجلى أمامنا الموقف التاريخي الخطير الذي تكاد أن تعيشه أغلبية الأمّة الإسلامية اليوم ، بأنها أمّة ترى واهمة في الوهابية عنوان وحدتها وفي التشيّع اختلافها ورفضها ، حتى كفّرت التشيّع وأتباعه في كل مكان من العالم .
هذه التربية اللاإسلامية التي تربَّت عليها الأمّة الإسلامية أحدث ما نعيشه اليوم من كوارث وويلات داعشية وقاعدية .. تكفيرية وإقصائية .. تنافرية وتباعدية ، بتضاد يصعب التقريب فيما بينه على أرض الواقع .
حتى صار أهلُ السنة يشعرون ؛ إنّ الشيعة أعداؤهم ، ويرى الشيعة ؛ إنّ السنة أعداؤهم ، بسبب خلافات حصلت في صدر الإسلام وما بعده وما بعدعصر الخلافة الراشدة بين آل بيت رسول الله (ص) وأبناء عمومتهم .. شجّعت عليها أطراف قبلية من قريش، حسداً لمحمد بن عبدالله خاتم الأنبياء ومبير المشركين ومسقط نظرية الأوثان والأصنام بنظرية الإسلام على الأرض ، وبغضاً لعلي (ع) .. ثنائيّه المقرّب. فلو كانت الأمّة افسلامية قد اسلمت بالولاء والطاعة لما أسسه رسول الله (ص) من منهج واضح بقرار السماء ، لما تكوّنت المذاهب المختلفة في ديننا الإسلامي الحنيف ، ولكان الإسلام واحداً ، والمنهج الرسالي واضحاً في ضمير الأمّة وأجيالها المتعاقبة، دون عداء .. ذلك العداء الذي وصل إلى حد ذبح الطفل الرضيع من آل بيت رسول(ص) بسيف بني عمومتهم من آل أميّة ، وسمّ وقتل ومحاربة آل بيت المصطفى محمد(ص) من قبل آل العباس بن عبدالمطلب !!!؟ تلك الوسائل الحاكمية الدنيوية التي أرادوا بها إسقاط الوجود الرسالي الموصى به من النبي (ص) بقيادة أمّة المسلمين من بعده، وجعل الحاكمية لغير آل بيت رسول الله (ص) ، فذبحوهم ، وأسسوا بذلك سنة سيئة ، يلعن الله من يعمل بها إلى يوم القيامة .
اليوم ؛ يقود العملية السياسية في العراق رجالٌ سياسيون ، إن لم يعوا ما يعانيه العراق وشعبه من أزمات خطيرة ، وصلت إلى حد الذبح على الهوية والقتل على أساس المذهب ، بل الإسم الشيعي والإسم السني والمناطقي ، فإنَّ العراق يتجه إلى ما أتجهت إليه الأمّة الإسلامية بالأسباب والتداعيات الآنفه. تلكم التي حصلت بسبب المآرب الدنيوية السلطوية التي قتلت الأنبياء والأوصياء والأولياء بالأمس، هي ذات الأساليب القديمة المقنّعة بجلباب الحداثة السياسية التي يرجى بها غير وجه الله تعالى ورسوله (ص)، ما تمشدقت بآيات كتاب الله سبيلا.
فلو كانت الأمّة الإسلامية قد حملت عهد رسول الله (ص) مناراً ومشعلاً في خطبة الوداع وبيعة الغدير ، لما تداعت الأمّة الإسلامية إلى ما تداعت إليه من تصدّع وتهشّم وإنكسارات وانحرافات عبر تاريخها الطويل.
عليه ؛ فإنْ لم يحمل الشعب العراقي راية الوطنية الشريفة حسب ؛ سيدفع دائماً ضريبة إنضوائه حول رجال مختلفين ، وراياتٍ سوداءَ وحمراءَ وخضراءَ وبيضاء ، تماماً ؛ مثلما دفع المسلمون ضرائب إنضواءاتهم حول الرايات الأمويّة والعباسية والرايات العديدة المتفرقة ، التي أنبأ عنها القرآن في عهد رسول الله(ص) )) وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ــ آل عمران/144(( ، دون أن يجعلوا مصلحة الدين ومصلحة الأمّة ومصلحة الإنسانية نصب أعينهم ، كذلك نحن اليوم سنخلّف للأجيال من بعدنا ما خلّفه الأمويون والعباسيون من كوارث وويلات على الأمّة العربية والإسلامية جرّاء الحسد والطمع الدنيوي الغير مؤطر بنظرية السماء.
وإن التاريخ الذي لعن وعاظ السلاطين والملوك والخلفاء بالأمس،سيلعن غداً وعاظ وسلاطين الأجندات الإسلامية والسياسية التي تبث الموت والإرهاب والقتل والتهميش والإقصاء في الأمّة الإسلامية عامة ، وفي العراق خاصة .
أولئك رجالٌ اختلفوا على عهد رسول الله (ص) فاختلفت الأمّة الإسلامية من بعدهم ، وهؤلاءِ رجال في العراق يختلفون. والله من وراء القصد ؛؛؛