العراق تايمز: وكالات
الملوحة الآتية من البحر والمختلطة بالمياه العذبة داخل المدن الساحلية، لها أضرار لا تحصى، ولعل أهمها شح مياه الشرب وإتلاف المحاصيل، زد على ذلك جعل الأراضي "صبخة" غير صالحة للزراعة، وهي ظاهرة تعصف بمدينة البصرة منذ قرون، لكن ثمة بصيص آمل من الممكن أن يحل معاناة أهالي المدينة في حال تطبيق تجارب ناجحة مقتبسة من بلدان أخرى.
بكلفة تتراوح ما بين 100 – 200 مليون دولار أقامت دول حوض نهر السنغال، موريتانيا ومالي والسنغال"، سد "دياما" عام 1986 في مدنية سانت لويس على الحدود بين السنغال وموريتنايا، لحجب مياه المحيط الاطلسي المالحة عن مجرى النهر ومنع كارثة ملوحة موسمية طالما أرقت هذه الدول وقطعت أرزاق ملايين البشر، الأمر الذي ينطبق تماما على مدينة البصرة، مع فارق استمرار معاناة الثانية.
إجراء جعل النهر ثميناً
وفق ذلك، يقول منسق مشروع تسيير المياه في حوض نهر السنغال محمد فوزي بدر الدين لـ السومرية نيوز، إن "مياه المحيط الأطلسي كانت في السابق تدخل مصب نهر السنغال وتصل إلى عمق 250 كم في الأراضي السنغالية والموريتانية في موسم الصيف، وتقضي على الزراعة تماما وتشح مياه الشرب"، مبينا أن "دول حوض النهر قررت في بداية السبعينيات تكوين منظمة للاهتمام بالنهر، من أجل حل مشكلة التصحر الشديد والجفاف".
محمد فوزي بدر الدين
ويوضح بدر الدين، أن "تلك الدول أيقنت قيمة النهر الثمينة وأهمية استغلاله، لذلك قررت إقامة سدين، الأول هو سد "داياما" الذي صمم لإيقاف الماء المالح الأتي من المحيط ومنعه من الدخول إلى عمق الأراضي، والثاني على بعد نحو 1000 كم بهدف حجز المياه والاستفادة منها في توليد الكهرباء وإرواء الأراضي الزراعية".
ويذهب بدر الدين إلى أن فكرة السد الأول الحاجب للملوحة بسيطة جداً، ويمكن تطبيقها في البصرة من أجل حل مشكلة الملوحة المستفحلة فيها، مبينا أنه "عبارة عن سد عائم فيه سبعة حواجز حديدية، وأقيم في نقطة درست بعناية، ويجري غلقها عند مجيء المياه المالحة التي تم تحديد موعد دخولها بدقة، وبالتالي منع توغلها".
ويضيف، أن "أبواب السد السبعة يجري فتحها وإعادة جريان النهر إلى وضعه الطبيعي في حال كانت هناك أمطار وغزارة في المياه، بينما تغلق في الصيف"، موضحا أن "السدين يخضعان لإدارة مشتركة من قبل الدول المستفيدة وهي،
مالي وموريتانيا والسنغال".
ويعود بدر الدين ليلفت إلى أن "المشروع فيه جانب استثماري، إذ يولد الكهرباء ويتم بيعها، وهي طاقة نظيفة، كما يتم عبره بيع المياه للفلاحين بكلفة بسيطة جدا"، مؤكدا أن "المشروع نفذ بتمويل أوربي ومن دول إسلامية، فضلا عن الصندوق الكويتي، وتمت الاستعانة بخبرات شركات فرنسية، ومنها (سوغريا) و (كوين آفليي)".
سلام واستفادة
وتعد هذه المشاريع مثالا حيا على تحويل المياه من مصدر للنزاع إلى أداة للسلام وتشجيع دول الشرق الأوسط على التعاون لإدارة مواردها المائية المشتركة والاستفادة من تجارب الغير، وبالذات في تركيا ولبنان والعراق والأردن، والغاية خلق مجلس تعاون مائي مستقبلا، بدعم من الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (SDC) ووزارتي الخارجية السويسرية والسويدية، وبتمويل من البنك الدولي والدول العربية والوكالة الفرنسية للتنمية.
وتحوّل سد "دياما" إلى أهم مصدر للطاقة في دول "منظمة استثمار نهر السنغال"، حيث تعتمد عليه نواكشوط ودكار لتأمين قسم كبير من حاجتهما للكهرباء، في المقابل، ينتج سدّ ماننتالي نحو 800 ميغاواط سنوياً من الطاقة الكهربائية، فضلاً عن توفيره المياه لري الأراضي الزراعية وضمان الملاحة في النهر على مدار السنة.
"المعاناة والألم اللذين تسبب بهما الجفاف في غرب أفريقيا دفع دول النهر إلى التعاون"، هكذا يقول رئيس وزراء غينيا السابق والمفوض السامي لمنظمة تنمية حوض نهر السنغال كاباني كومارا.
كاباني كومارا
ويوضح كومارا، أن "منطقة حوض السنغال شهدت دورات جفاف وفيضانات، فمياه أمطار أقل يعني زيادة نسبة الملوحة في الأنهار، وما زاد الطين بلّة دخول مياه الأطلسي إلى نهر السنغال"، مشددا على أن "المناخ القاسي قلل إمكانية زراعة الأراضي، ما دفعنا إلى بناء السدود والعمل معا لتقليص الفقر".
ملوحة قاتلة
خير مثال حي على فداحة المشكلة في البصرة هو قضاء الملوحة على زراعة الحناء في الفاو، بحسب مدير الزراعة في المحافظة عامر سلمان عبد الحسين، إذا يقول لـ السومرية نيوز، إن "قضاء الفاو الذي طالما كان يشتهر بزراعة الحناء لم يعد صالحا لزراعة هذا النوع من الأشجار بسبب موجات الملوحة المتكررة منذ عام 2009، والتي قضت تماما على زراعة الحناء في الفاو".
ويلفت عبد الحسين إلى أن "الفاو أصبحت شبه خالية من أشجار الحناء، إذ أن معظمها هلكت في غضون الأعوام القليلة الماضية، وما تبقى منها قضت عليه موجة الملوحة التي تضرب القضاء منذ مطلع فصل الصيف الحالي"، مضيفا أن "المزارعين في الفاو تكبدوا خسائر فادحة بسبب ملوحة مياه شط العرب".
ويشير مدير الزراعة إلى أن "مديرية الزراعة كانت تمتلك محطة كبيرة لزراعة الحناء في الفاو، لكنها قررت إغلاقها بشكل مبكر لعدم إمكانية الحفاظ على مزروعاتها"، موضحا أن "بعض أمهات الحناء تم نقلها عند إغلاق المحطة إلى مزرعة حكومية تقع في ناحية الهارثة الواقعة شمال المحافظة لغرض الحفاظ عليها والاستفادة منها لاحقا في إعادة إكثار أشجار الحناء بعد معالجة أزمة ملوحة المياه، والمزرعة تمتد على مساحة دونمين وتضم مئات الأشجار".
وكان مجلس محافظة البصرة أصدر خلال جلسة استثنائية عقدها، الاثنين (3 آب 2015)، توصية تقضي بالتعاقد مع شركة متخصصة في قطاع الموارد المائية لرفد الحكومة المحلية باستشارات بشأن سبل مواجهة أزمة ملوحة وشح المياه في المحافظة، كما قرر تبني خطة قصيرة الأمد تهدف إلى الحد من ظاهرة ملوحة المياه.
المصدر: السومرية نيوز