المد الطائفي نفسه يجتاح اليابسة التي بالكاد نشفت من الدماء، وها هي الآن تعود لتفيض مجددا، والفارق الوحيد أن الإعلام هذه المرة يتخذ موقفا سلبيا في إظهار أن البصرة حالياً تشهد عودة ظاهرة الاغتيالات والقتل على الهوية!
وحسب قاعدة (لكل فعل ردة فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتجاه) فإن:
ذبح العوائل الشيعية في اللطيفية وتهجيرهم من مناطق أخرى: فعل!
القتل على الهوية ضد السنة ومحاولة تهجيرهم من البصرة والناصرية: ردة فعل!
(فلاش باك : 2005 – 2006 المشهد نفسه!)
اللطيفية، من أكثر الحواضن التي تعشش فيها القاعدة وتفقس بيوض خلاياها المحليّة على نحو بلغ من السوء ما جعل الحكومة عاجزة عن إيقاف مفاوضة جرت مع السكان لتهجيرهم مؤخرا، بدلاً من تصفيتهم بالطريقة البشعة نفسها، التي راح ضحيتها عائلتان قتلوا أفرادها جميعا بما فيهم الأطفال.
إن الخطأ الفادح الذي ارتكبته الحكومة بهذا الصدد هو إعادة العوائل التي سبق وإن هُجرّت خلال عامي 2005 و2006 بضمان أمنهم وحمايتهم. لكنها سرعان ما تخلّت عنهم بداعي محاربة الإرهاب، لتشغل بضجيجها أماكن أخرى ستعود هي الأخرى لتؤهل بالقتلة. تاركة إياهم في حلق السبع كما يقال، نتفاً يجري مضغها بأنياب القاعدة المحلية.
هذا الفعل بدوره أيقض الأجنحة العسكرية لبعض الأحزاب في الجنوب، وخلاياها الغافية منذ عام 2008 لتكمل حملتها بتصفية السنة خصوصا في البصرة.
ثمة فرق وإن يكن ضئيلاً بين العنف الطائفي الأقليمي الذي تمارسه القاعدة بمعونة أنظمة وتمويل دول بعينها، وبين العنف الطائفي المحلي الذي عادة ما يأتي كردود أفعال. الصنف الأول يعمل بحس جهادي تكفيري بواسطة التفجيرات الكبيرة والاهداف البشرية النوعية، أما الصنف الثاني فيعمل بحس انتقامي وفق مبدأ العين بالعين، من خلال تصفية الافراد والعوائل والقتل على الهوية والسيطرات الوهمية واستهداف الأشخاص حسب الأسماء والإنتماء المذهبي.
نحن نعيش بداية حرب طائفية جديدة إذن! حرب يجري فيها تصفية الإنسان العراقي بشكل غير مسبوق. وهذه الحرب كان من المفترض أن تندلع مجددا منذ حادثة النخيب وعمليات الإبادة في طوز خورماتو، لكنها على ما يبدو انتظرت حتى اندلاع المماحكات السياسية بعد عزل العيساوي وبداية الاعتصامات والتحريض الطائفي من كلا الطرفين، علاوة على الخطط الفاشلة للحكومة عندما أعادت السكان المهجرين إلى مناطق سكناهم في اللطيفية، لتكون الضربة الموجعة على رأس الفتنة النائمة!
مقالات اخرى للكاتب