كتبت هذه الحلقة من الميراث قبل عامين تقريبا، هذا ما احسست بانه سيحدث اذا دخل العراقيون لاجئين لاحدى بلدان العالم المتقدم، وبالفعل حدث ذلك الان .. رغم ان اللاجئين لم يكونوا عراقيين فقط ..
الحلقة الثامنة عشرة
وصل قاربُ رجلٍ مستشرق من بلاد الغرب الى بصرة العراق ، ومكث فيها ثم انتقل الى الكوفة فواسط فسرَّ من رأى ، ثم الى نينوى فبغداد ، و بقي في بغداد عشراً اذهله فيها قبابها و تراثها و جمال و بساطةِ حياة اهلها ، فأعجب بسحرِ الشرق المنعكس على وجه دجلتها و قباب منطقتها الخضراء ، وكان المستشرق هذا قد جاء من البلاد التي يقال لها امير عكا ، نسبة للفاتح العربي الذي عبر اليها بذوات الصواري من السفن و فتحها على يده سنة الفٍ للهجرة فسمّيت باسمه " امير عكا " ، الا ان اهلها استصعبوا اسمها فاسموها " اميركا " ، مختصرين اسمها ، ومسهّلين نطقها .
ففكّر المستشرق الامير عكّي هذا بنقل واقع سحر الشرق و جمال حياة اهل بغداد الى بلاده ، وكانت تلك ايام اوج زهو حكم المعز لدين الله نوري المالكي .
فذهب الى بلاده راجعا و نزل عند اميرها " باراك بن الحسين الاوبامي " وسرد له ما رآه في بغداد بشغف ، وكان ذلك بمزرعة الامير في ارضٍ يقال لها لوس الجليس ، ثم اقترح الرجل المستشرق على اميره الاوبامي نقل التراث البغدادي الى اميركا ، وبعد مباحثة و مشور ، ولغوةٍ وثبور ، اتفقوا على مباحثة امير المؤمنين المعز لدين اللمبه المالكي بأن يرسل بضعة الاف اهل العراق ليعيشوا في اميركا فيضيفوا لمستهم التراثيه ، حاملين معهم سحر بلاد بغداد ، و جمالها الاخاذ ، الى بلاد امير عكا .
فلما ارسلوا الرسول ، وسمع منه المالكي ، اصابه الذهول ، بعد تفكير عميق ، وتمحيصٍ دقيق ، لقي الامر من المالكي القبول ، واجتمعت السفائن لحمل عشرة الاف عراقي من البصرة ، وقرعت لذلك الطبول ، ولتوديعهم ذبحت العجول ، فانطلقت الاساطيل ، الى بحر الظلمات ، ثم الى بلاد اميركا ، فنزلوا في سواحلها ، و دخلوا الى عاصمتها وسط الترحيب ، تفوح منهم رائحة الطعام الشرقي من الثريد و التشريب .
فلما دخلوا مدينة يقال لها واشنطن ، وبعد مرور عامين ، انقلب حال المدينة راسا على عقب ، فاصابها من العراقيين شر التغيير ، وساء فيها الحال و التدبير .
فقد حفر العراقيون الشوارع و اخرجوا منها انابيب مياه الابي ، وسحبوها الى منازلهم ، و حوّل اهل التزوير سور بيتها الابيض الى ساحة تزوير الجوازات ، و ختم الهويات ، حتى كتبوا على دار الشرطة و العسس " سكن عوائل " ، وتجازوا على الكهرباء ، و افاضوا بغسلهم دوابهم الشوارع بالماء ، و حين حانت الانتخابات ، شوهدت صورة المستنجد بالله ابراهيم الجعفري امام البيت الابيض وهو يرفع يديه كاتبا تحته " معكم معكم " ، واخرى رفعت امام الشاطئ للقائم بسنينة الله رافع العيساوي ونجمته الخضراء ، و اخرى للمعتصم بالله الطلباني وابتسامته البلهاء ، فانحدر الحال ببلاد امير عكا وامتلات الشوارع بالمتسولين ، و ساحاتها ببيوت المتجاوزين ، اصبح بنيانها المتطاول ينشر عليه الغسيل ، و تمر الدواب و الخرفان في دروبها كالرعيل .
فلم يسّر الحال اميرها الاوبامي ، فكتب للمالكي :
جائنا منك من الشرقِ بلا ...
فتقُنا لا ينغلق بالرَتَقِ ..
خذ عراقييك عني للفلا ..
ساعة السوده بأهلِ المشرقِ ..
فغضب المالكي ، و ردَّ عليه قائلا :
ما وجهُ نعمةَ انت يا اوبامي ..
ما فاد قربا فيك او تقريبا ..
ارسلتهم كي يطعموك ثريدةً ..
فرفضت منا الاكلَ و التشريبا ..
و ارسل وزيره الفاعل لخير الله هوشيار زيباري ليسوي الامور ، الا انه وجد الامير الاوبامي على غير حاله ، فقد ابيض رأسه و اشيبت قذاله ، و لم يتكلم لشدة عطاسه و سعاله ، فتركه على امره و حاله ، مقتربا من آجاله ، وعاد بالعراقيين الى بغداد تاركاً اميركا وراء اذياله ، عائدا بهم الى شواطئ البصرة ، فاستقبلهم هناك اهلها بالدفوف و الزنابير ، و اقيم لهم ما يسميه اهل العرا ق : عرس وعد عبيد !!
وزيباري حكومة ولا تحاجونه!
ميراث الاباء للابناء في عدل ولاة المنطقة الخضراء
لبديع الزمان رسلي المالكي
5-2-2013