تشير المعلومات الواردة من جبهات القتال بالعراق إلى تحقيق انتصارات طيبة ومستمرة للقوات المسلحة العراقية وقوات الپيشمرگة، التي تقاتل عصابات داعش المسلحة، التي احتلت مناطق واسعة من العراق، قدرت في حينها بثلث العراق، والتي اقتربت من بغداد وأربيل، وهددت العاصمتين العراقية والكردستانية في آن واحد، وتحميل هذه العصابات خسائر بشرية فادحة جداً، ولكنها ما تزال تمتلك قدرات تساعدها على الاستمرار في القتال لفترة لاحقة، إذ أن هناك من يمدها بالمال والمرتزقة. ولا شك في أن الضربات الجوية لقوات التحالف الدولي والقوات الجوية العراقية تلعب دوراً مهماً في تصفية الكثير من مواقع وقوى هذه العصابات ومنابع مواردها المالية المتأتية من تصدير النفط الخام إلى تركيا ومنها صوب بقية دول العالم المستوردة للنفط العراقي.
إن هذه الانتصارات تثلج صدور كل العراقيات والعراقيين وتنشر البسمة والفرحة على محيا الجميع، وفي مقدمتهم الجماهير التي أجبرت على النزوح والهجرة في مخيمات لا تتوفر فيها أقل مما هو ضروري لعيش الإنسان، أو في بلدان لا يرحب الكثير من سكانها بالمهاجرين من دول الشرق الأوسط على نحو خاص. إنها الفرحة المحتملة بالخلاص الفعلي من الكابوس الثقيل، الذي ما يزال يرهق كاهل الشعب العراقي كله، وبخاصة كاهل النازحين والمهاجرين، بسبب استمرار وجود الاحتلال في الموصل والحويجة وبعض مناطق في محافظتي صلاح الدين والأنبار.
ولكن الشعب العراقي يدرك بأن الكابوس الثقيل الذي تعرض له ثلث العراق ونسبة مهمة من بنات وأبناء الشعب العراقي، وما يزال قائماً في مناطق منه، لم يكن ليحصل لولا عوامل مركزية لعبت دورها في تأمين ذلك الاجتياح المخزي وفرض الاحتلال على أبنا وبنات وطننا الحبيب والمستباح، أبرزها:
1. وجود نظام سياسي طائفي ومحاصصة طائفية أثنية بالعراق سمحت بنشوب الصراعات والنزاعات الدموية بين الأحزاب السياسية التي تقود وتشارك في هذا الحكم المفرغ كلية من الديمقراطية وحقوق الإنسان والمشبع بالاستبداد الفردي والحزبي وفرض الإيديولوجية الإسلامية السياسية على المجتمع واعتبار الإسلام دين الدولة، في حين أن الدولة شخصية اعتبارية لا دين ولا مذهب لها.
2. وجود تشكيلات شبه عسكرية، ميليشيات طائفية مسلحة، خارج الشرعية الدستورية، تساهم في قيادة الصراعات والنزاعات الدموية وتهجر وتسبي وتقتل الإنسان على هويته الدينية والمذهبية والفكرية والسياسية، ومن ثم القومية أيضاً.
3. ممارسة نهج وسياسات التمييز الديني والمذهبي والفكري والسياسي والقومي من القوى الإسلامية السياسية الحاكمة، سواء أكانت شيعية أم سنية، علماً بأن القيادة حالياً بيد الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية، التي تثير بنهجها وسياساتها الكراهية والأحقاد في المجتمع العراقي وعبر مواقف الحكم ذاته.
4. والعامل المساعد والمؤجج للخلافات الداخلية، تلك التدخلات المستمرة بكثافة شديدة من جانب دول الجوار، إيران والسعودية وتركيا وقطر.. الخ، في الشأن العراقي، وتحت واجهات مذهبية كاذبة، وفي حقيقتها رغبة الهيمنة على العراق والصراع على قيادة المنطقة التي تجلب الكوارث للشعب العراقي، ولكنها، كما هو عليه الحال في منطقة الشرق الأوسط حالياً، تجلب الكوارث لشعوب تلك البلدان وغيرها، كما هو واقع اليمن وسوريا وليبيا والحبل على الجرار.. لقد كان وما يزال الدين والمذهب والقومية تلعب كأدوات مرعبة بيد المستبدين من حكام منطقة الشرق الأوسط، وكلهم مستبدون دون استثناء، دوراً تدميرياً لمجتمعات ودول المنطقة وشعوبها بكافة قومياتها وأتباع دياناتها ومذاهبها واتجاهاتها الفكرية والفلسفية والسياسية. وعلى المحلل السياسي ألا يبعد، وبأي حال، دور الدول الكبرى السلبي " التي تعمل على تعزيز مواقع "نفوذها الحيوي" في المنطقة"، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا الاتحادية، من حلبة الصراع والنزاع والتأثير على مصير هذه البلدان وشعوبها، بأمل تقسيم مناطق النفوذ مجدداً بعد احتمال انهيار فعلي لاتفاقية سايكس-بيكو عام 1916 (اتفاقية سرية بريطانية فرنسي وبمصادقة الإمبراطورية الروسية التي فضحتها ثورة أكتوبر الاشتراكية عام 1917)، أي بعد مرور مئة عام على تلك الاتفاقية الاستعمارية.
إن فرحة انتصارات القوات المسلحة العراقية والپيشمرگاتية كبيرة حقا، وينبغي أن تكون كذلك، ولكن هذه الفرحة ستكون معرضة للانكسار الحتمي المبرمج منذ الآن، بسبب استمرار وجود النظام الطائفي السياسي القائم ومحاصصاته المذلة للشعب والوطن وميليشياته الطائفية المسلحة الناشرة للكراهية والأحقاد والموت، في حين إن الانتصار الأكبر للشعب بكل قومياته والوطن، يتم حين يتخلص الشعب من النظام السياسي الذي كان وما يزال وراء سبب كل تلك الكوارث، بما فيها وموت وجرح وتعويق ما يقرب من مليون إنسان منذ الحرب الأخيرة في العام 2003 حتى الآن، وتدمير الاقتصاد العراقي وبنيته التحتية وفرض الاحتلال الأمريكي أولاً، ومن ثم الاحتلال الداعشي، الذي حصل برعاية ودعم ومساعدات هائلة من السعودية وقطر وتركيا، وبمعرفة تامة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. إن التغيير والإصلاح الجذري هو المصير الذي يفترض أن ينتهي إليه الوضع بالعراق، إنه الطريق الوحيد للانتصار والفرحة الكبرى لكل الشعب بكل قومياته وأتباع دياناته ومذاهبه واتجاهاته الفكرية والفلسفية والسياسية الديمقراطية. وإلى ذلك يفترض أن يعمل العب العراقي كله وأن يوحد جهوده وأن تتطور الحركة المدنية الشعبية وكل الحركات التي لا تريد استمرار وجود نظام الكراهية وإثارة الأحقاد بين القوميات العراقية واتباع دياناته ومذاهبه واتجاهاته الفكرية والسياسية الديمقراطية.
مقالات اخرى للكاتب