فقه الأولويات الوطنية : إن فقه الأولويات في السياسة تعني معرفة المهم والأهم والأكثر أهمية بشكل دقيق، ثم تُرتب باقي القضايا على شكل مفردات وبنود، تبدأ [بالبند ((1 وتنتهي] بأقلها أهمية وحساسية.. لكي يصل هذا الفقه السياسي إلى مقاربات وطنية، تشكل بدورها قواسم مشتركة، تحدد بموجبها جميع الإشكالات القائمة الطائفية والوطنية أيضاً..علها تساهم في تشخيصها أولاً، وتساعد على تفكيكها ثانياً، وتشارك بحلها ثالثاً!! وهنا دعونا نتكلم بصدق وصراحة عن مآسينا التي نسميها (مشاكلنا)..فنحن وبسبب ما وصلنا إليه من تمزق وضياع، فأوصلنا معه إلى زوايا حرجة تهدد الجميع.. بينما وطننا في اللحظة ذاتها، يخوض معركة وطنية كبرى ستترتب عليها أوضاعاً في غاية الخطورة، وطنياً وإقليمياً ودولياً..معركة ضد الإرهاب ومخططيه ومموليه، والذين يعرفهم الجميع ويغضون الطرف عنهم!! ولهذا نحن لا نملك في ـ ظل ظرفنا الراهن ـ ترف تزويق الكلمات ولا تجميل العبارات..وعلينا أن نقول بصدق وصراحة للأعور أنت أعور في عينه، وللجيد أنت جيد وللمخطئ أنت مخطئ وللمسيء أنت سيء.. ومن الطرفين المتخاصمين!! والطرفان المقصودان هنا ليسوا حكومة ولا معارضة.. فلا توجد في العراق معارضة بالمعنى الدقيق لمفهوم المعارضة، وما موجود فيه هو أن جزءاً من الحكومة يعارض جزئها الآخر، لأسباب ومنافع شخصية ودعائية وانتخابية في جوهرها.. وهئولاء ـ ورغم أهمية مواقعهم التي يشغلونها ـ لا يمثلون إلا الوجه الخارجي للمشكلة العراقية، التي تمتد الأثداء المرضعة لها في الخارج إقليمياً ودولياً، وتتغذى محلياً على عقد التاريخ وخرافات الماضي وأساطيره البشرية على أيدي الحيتان الكبيرة، التي استولت على السلطة والمال وادعت تمثيل ما يسمى بــ (المكونات العراقية) وزاوجت بين أطراف هذا المثلث، في تحالف متين مرتبط بالخارج، لكن بيده مفردات اللعبة السياسية والقرار الحقيقي للبلاد.. ونحن هنا سنخاطب من خلال الحكومة العراقية أصحاب القرار الحقيقيين هئولاء، الذين بيدهم الحل والربط فعلاً، وهم الذين يشكلون السلطة الحقيقية في البلاد، بينما تشكل الحكومة العراقية بطرفيها المعارض والموافق، الوجه الخارجي لهم.. كما وأنهم يمثلون ـ زيفاً ـ القاعدة الاجتماعية التي مكنتهم من أن يكونوا هم أصحاب القرار الحقيقي في البلاد!! (1): المصالح الوطنية العليا: لكل بلد من بلدان الدنيا ولكل أمة وشعب ومجتمع مصالح وطنية عليا، تتجاوز بأهميتها ومصيريتها جميع المصالح الفئوية الضيقة وجميع الانتماءات الفرعية، وجميع الدعاوي الدينية والطائفية والمذهبية و [المكوناتية والمحصصاتية!!] التي قد تترتب في بعض الأحيان، كنتائج لظروف غير صحية وغير وطنية.. وهذا ممكن ومحتمل في أي بلد من بلدان العالم !! والاحتلال الأمريكي للعراق، قد ترتبت عليه نتائج خطيرة مثل هذه، وأصبحت بحكم مصالح وقوى داخلية وخارجية كثيرة قوية وراسخة فيه .. والمصلحة الوطنية العراقية العليا ـ في ظل الظروف الراهنة وحتى في الظروف العادية ـ تتطلب تجاوز نتائج ذلك الغزو الأمريكي للبلاد، والانطلاق من مفهوم جديد هو مفهوم المصلحة الوطنية العليا للبلاد، لحل جميع مشاكل العراق المستعصية!! والذين ينطلقون من هذا المفهوم، هم الذين سيشكلون المنهج الوطني وأصحاب (الحل الثالث) الذي يتجاوز بشموليته جميع الإشكالات الطائفية والوطنية في الحاضر والمستقبل.. وهو منهج يقوم على جملة حقائق بديهية، وبمقاربات ومخرجات وطنية تقوم على أساسها أعمدة وطنية عديدة، بإمكانها استيعاب كل تلك الإشكالات في إطار وطني.. ووفق الفهم الآتي: أولاً: إن الوضع القائم ـ وهذا معروف للجميع تقريباً ـ في العراق وفي عموم الوطن العربي هو وضع [مصنوع ومختلق] ونتيجة لأجندات ومشاريع أمريكية صهيونية غربية لمنطقتنا العربية!! وقد جزئ هذا المشروع إلى (قطع صغيرة) أعطيت ـ كمقاولات من الباطن ـ لقوى إقليمية تحيط بالعراق من الخارج، ولقوى دينية متطرفة في داخل وخارج العراق.. ولكل من هذه القوى أجنداتها ومشاريعها الخاصة أيضاً، لكن ضمن إطارر هذا المشروع الصهيوأمريكي الغربي العام . وهذا التحالف الثلاثي (الغربي الأمريكي الصهيوني) هو الذي يقود هذا المشروع في خطه الرئيسي العام، وهو الذي يضبط إيقاعه وحركته وحلقاته الإقليمية المتعددة، ويربطها مع بعضها في السياق العام للمشروع !! وهذا المشروع ـ وكما تدلل وقائع كثيرة ـ قديم وقديم جداً، لكن تنفيذه ابتدأ بغزو العراق عام 2003 ، وربما قبله قليلاً عند التحضير لهذه الغزو، وأمتد منه ـ أي من العراق ـ إلى باقي أجزاء الوطن العربي والعالم الإسلامي بطرق متعددة وبسمات متنوعة، تأخذ في كل بلد عربي ومسلم طبيعة المجتمع وتنويعاته الدينية والطائفية والاثنية، لتعمل على تفتيته وتمزيقه من الداخل بواسطتها!! ولكي لا يقع بعضنا في سوء التقدير أو الفهم الخاطئ لطبيعة هذا المشروع، فعلي جميع السياسيين والمشتغلين بالقضايا العامة (عراقيين وعرب) عدم التسرع في اتخاذ المواقف من كل القضايا المطروحة أو المتفاعلة على الساحتين العراقية والعربية في اللحظة الساخنة لوقوعها.. حتى لا يقعوا ـ دون علمهم ـ في المحذور ويصبحوا فريسة سهلة لهذا المشروع الجهنمي، وجزءاً من أدواته التنفيذية ـ دون علمهم أيضاً ـ ووسيلة من وسائله الإعلامية التي تغطي الأرض والسماء العربية والعالمية أيضاً !! ثانياً: إن وجود العراق كدولة ومجتمع و (مصالح وطنية عليا) هي المهددة اليوم، وليس شيئاً أقل منها، وهذا التهديد يمس مصير العراق كوطن وشعب وبلد ودولة وكيان وهوية.. ومستوى هذا التهديد لا يعرفه ـ بالتحديد وبالتفصيل ـ إلا من يعيش هموم العراق والعراقيين اليومية، وفي وسط ساحاته الملتهبة دائماً . وطبعاً لا يمكن أن يعرف هذا المستوى من التهديد الخطير، ذلك الجالس ـ عراقياً كان أو عربياً ـ في فنادق (خمس نجوم) ويقدم النصائح و(الآراء الثورية جداً) للذين يذبحّون ويحرّقون ويهجرّون وتسلب الحياة منهم بأشكال مختلفة، ومن كل فئات الشعب العراقي ـ وليس من فئة واحدةً منه فقط ـ كما يشيع إعلام هذا المشروع الصهيوأمريكي ووكلاءه الإقليميون والمحليون في المنطقة !! ثالثا: وإن هذه [المصالح الوطنية العليا] التي تشكل وجود العراق ذاته، لا يمكن صيانتها إلا بالقضاء على جميع قوى التطرف والإرهاب بكل أشكاله (من الجهتين الشيعية والسنية) وفي طليعتها داعش والقاعدة وبأية وسيلة كانت.. ومحاولة إعادة اللحمة الوطنية بين العراقيين جميعاً بإجراءات فعالة.. وليس بجمل إنشائية أو إجراءات ترقيعية وحذلقات سياسية . رابعاً: إن جميع العراقيين بمختلف أديانهم ومذاهبهم وإثنياتهم وطوائفهم ومناطقهم، هم الذين يتعرضون لهذا التهديد الوجودي وهذا الدمار الداعشي، وليست جهة واحدة منهم.. وهم جميعاً مسؤلون عن تحرير بلدهم العراق، من هذه الهجمة الهمجية البربرية الداعشية الوهابية، وبكل صفحاتها الفكرية والسياسية والسلوكية والاجتماعية والعسكرية، والتي تجري ملاحمها الآن على أرض نينوى الحبيبة!! ومعروف أن هذه الصفحات السوداء قد استلها المشروع الصهيوأمريكي، من مزابل تاريخنا وعقدنا وخلافاتنا وأوهامنا المذهبية والدينية، وأسماها بسميات كثيرة كان آخرها (داعــــــش!!) ليدمر بها العراق وأمته العربية وجميع المسلمين.. وتأتي في طليعة جميع هذه الصفحات الصفحة العسكرية، والتي تشكل الآن الهدف الاستراتيجي ـ والذي يعلو فوق كل خلاف ولأي سبب كان ـ لجميع العراقيين دون استثناء.. في هذه المرحلة الحرجة والمصيرية من تاريخ الوطن . خامساً: وما دام جميع العراقيين مسؤلون عن تحرير بلدهم.. فإن الذين يقاتلون داعش اليوم في جميع الجبهات وبمختلف مسمياتهم، هم الذين يحمون هذه [المصالح الوطنية العليا] للعراق، ويحمون وجوده ومصيره وهويته من الضياع.. وبصفتهم هذه فهم يمثلون جميع العراقيين ـ بكل مكوناتهم وأديانهم ومذاهبهم وعقائدهم ـ وهم طليعتهم المقاتلة . ولكن ـ وهذا ما يحدث دائماً ـ عند كل معركة كبرى مع داعــــش يخوضها العراقيون، تثار حولها شكوك وتخمينات وتكهنات مثبّطة للعزائم، يرافقها تهويلات إعلامية بشكل منسق تتشارك فيه عدة أطراف معروفة.. وتتسم هذه الحملاتدائماً بـ: بتشكيك أمريكي غربي، وتهويل تركي سعودي خليجي عبر "العربية والجزيرة" ومشتقاتهما المناصرة لداعش، وبدس إيراني ذكي لا يرى بالعيون والعقول المجردة.. لشق وحدة العراقيين واصطناع الخلافات الشديدة بينهم حول المعركة وأهدافها وأطرافها، لإفشالها في مهدها وحماية داعش ورعاتها من نتائجها.. إذا ما أنتصر فيها العراقيون!! سادساً: وفي هذه القضية المصيرية بالذات.. علينا أن نقول لأنفسنا أولاً وأخيرا ـ ولكل تلك الأصوات بالتبعية ـ إن طليعة العراقيين التي حررت محافظات ديالى ومناطق صلاح الدين ومدن الأنبار، وحمت بغداد من السقوط وجميع العراق من الانهيار، هي قوى وقوات وطنية عراقية أين كان أسمها وأين كانت منطقتها الجغرافية!! وهي تتمثّل اليوم بثلاث قوى قاتلت داعش على أرض ديالى وصلاح الدين والانبار، وهي التي تقاتلها الآن على أرض نينوى الحبيبة.. وهي: الجيش العراقي والقوات الأمنية.. الحشد الشعبي.. والحشد العشائري أو قوات العشائر العربية. وهئولاء هم الذين يقاتلون داعش الآن في المناطق التي احتلتها.. وقد استطاعوا فعلاً (متضامنين ومتكاتفين) من تغير معادلات المعركة على الأرض.. ولصالح العراق كشعب ووطن ودولة وهوية !!
وعلينا جميعاً أن نعرف ونعترف بهذه الحقيقة القائمة الآن.. ونعترف أيضاً بأننا كعراقيين ـ في هذه المرحلة الحرجة من وجودنا على الأقل ـ ليس لنا بديل عن هذه القوى الثلاث التي قاتلت وتقاتل (الآن) دفاعاً عن الأرض والعرض ووو.......الخ.. وإن البديل عن هذه القوى في ظل ظروف العراق الحالية، سوف لن يكون إلا داعش نفسها أو قوة مخبأ غيرها..أكثر منها همجية وبربرية!!
وداعش قد أثبتت لكل العراقيين وبالدليل القاطع في كل مكان وصلته ـ من العراق وسورية وليبيا وغيرها ـ بأنها لم ترحم أحد، وسوف لن ترحم أحداً منا، ومن أية طائفة أو دين أو مذهب كان.. وستأخذنا جميعاً جثثاً هامدة أو رهائن وسبايا عندها!! وسوف تقتّل الرجال وتذبّح الأطفال وتنتهك أعراض النساء، وتغتصبهن في مواخير "جهاد النكاح" أو تبيعهن في سوق النخاسة.. ولن تنفع أمريكا ولا تحالفها الدولي (الستيني) ولا "التحالف العربي أو التحالف الإسلامي" (السعودي) ولا أية جهة إقليمية أو دولية أخرى أحداً منا..وإن الذي سينفعنا حقاً، هي أنفسنا وتوافقنا وتكاتفنا وتكافلنا لبعضنا البعض فقط.. ولصالح وجودنا وحياتنا المشتركة وبقاء وطننا العراق.. واحداً موحداً ومتحداً!! *** وما دام الأمر هكذا.. فلنذهب جميعنا إلى كلمة سواء، نسوي بها أمورنا ونعالج بها مشاكلنا ونتفق على ما ينفعنا وندفع بها ما يضرنا.. ولنتعلم جميعنا (فقه الأولويات) فنقدم الأهم على المهم والأكثر أهمية على الأهم، ومن باب المصلحة الوطنية العليا الشاملة لمصالح جميع العراقيين..والتي تستبطن في داخلها مصالح جميع الفرقاء العراقيين، أفراد وفئات وجماعات وإذا شئتم أسموها (مكونات).. وبالتالي مصلحة الوطن ككل!! دعونا نقلب صفحة المفرد ونتكلم بصيغة الجمع والجماعة..دعونا من عبارة (أنا وأنت.. ولنستبدلها بكلمة نحن) ..دعونا نرفع من قاموسنا عبارة (حصتي وحصتك وطائفتي وطائفتك)..ونضع بدلاً منها كلمة الـــــوطــــن العزيز، بكل تاريخه وحضارته وثروته وشعبه العظيم.. وبكل طوائفه وأديانه وأعراقه ومذاهبه!! تعالوا نصل الجسور ببعضها، ونقرب المسافات بين هاتين الضفتين العراقيتين المتباعدتين بــ (مقاربات وطنية لجميع إشكالاتنا الطائفية) وخلافتنا السياسية ومصالحنا الفئوية.. تعالوا ننظر إلى مصالحنا بمنظار آخر، حتى ولو كان منظاراً نفعياً (برغماتياً) في جوهرة.. لكنه ـ وهذا هو المهم ـ وطني في نتائجه ومظهرة! فأمامنا غير معركة الموصل الحاسمة معارك طويلة غيرها.. على مختلف الجبهات الفكرية والعقلية والثقافية والإنسانية!!
مقالات اخرى للكاتب
أضف تعليق
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
اخبار العراق اليوم تصلكم بكل وضوح بواسطة العراق تايمز