خرج الفرنسيون والبلجيكيون والهولنديون عن بكرة أبيهم في حملات تفتيشية مكثفة بذريعة التحري عن أوكار الإرهابيين والقضاء عليهم، فنصبوا الكمائن البوليسية، وأحكموا سيطرتهم على منافذهم الحدودية، ثم عقدوا اجتماعاتهم الأمنية المتلاحقة لدراسة الأوضاع الباريسية المربكة، فتبنوا سلسلة من الإجراءات الاحترازية لمعالجة التداعيات المخيفة، وكأنهم لا يعلمون شيئاً عن الأقطار التي وضعت ثقلها كله من أجل توفير أقصى درجات الدعم والإسناد لمعظم المنظمات الظلامية، أو كأنهم لم يشاهدوا الفضائيات العربية المئوية التي ما انفكت تتفاخر (عيني عينك) بوقوفها مع الدواعش، أو كأن أوربا لا تدري بحجم الدعم اللوجستي الذي تقدمه قطر (مكمن الخطر) لكل التنظيمات الضالعة بهذه الجرائم المروعة، أو كأن فرنسا لم تسمع بعد بتصريحات البرلمانيين الخليجيين، الذين قادوا العصابات المسلحة، وشاركوا في مذابح سوريا ومجازر العراق، وكأن قادة الأطلسي لم يسمعوا بفتاوى شيوخ التكفير والفتنة، الذين رفعوا عقيرتهم بالصياح والنواح، وظلوا حتى يومنا هذا يمارسون التحريض الطائفي العلني ضد أبناء الجنس البشري كافة. بل الأغرب من ذلك كله أن القارة الأوربية تتظاهر بجهلها بضلوع واشنطن في تأسيس هذه المنظمات الشيطانية المتوحشة، ابتداءً بالقاعدة، ومروراً بعصابات بوكو حرام، وانتهاءً بداعش، التي وفرت لها أمريكا الغطاء المالي واللوجستي والتعبوي، وأرسلت طائراتها لفك الحصار الذي فرضته عليها الحشود الوطنية في ليبيا وسوريا والعراق.
ثم أن أوربا تعلم علم اليقين بما تورطت به حكومة أنقرة، التي فتحت مطاراتها للترحيب بالدواعش القادمين إليها من كل حدب وصوب، وكيف سمحت لهم بالتسلل إلى سوريا والعراق، وهي التي سهلت لهم إجراءات الوصول إلى الأراضي الفرنسية، فمن غير المعقول أن يكون رؤساء وكالات المخابرات الأوربية بهذا المستوى من السذاجة ؟، ومن غير المعقول أن تجري الأحداث امام أعينهم من دون أن ينتبهوا لهذا الكم الهائل من المعلومات والبيانات، التي يعلم بها الصغار والكبار ؟، ويراها القاصي والداني.
أغلب الظن أن أوربا تضحك على نفسها، وربما تسخر من شعوبها، باعتبارها غارقة حتى رأسها في تدعيم أركان هذه الخلايا الإرهابية السرطانية المنتشرة في أرجاء الوطن العربي، وهكذا انقلب السحر على الساحر، وتمرد قطيع الضباع على مربي الأفاعي في هذا الغابة المعتمة، المتشابكة الأغصان والجذور.
مقالات اخرى للكاتب