أرادوا أن يجعلوا منها حكاية ورواية.. مول (متجر) افتتح حديثاً وفعل ما تفعله المتاجر في كل دول العالم، المتحضرة والمتخلفة، بما فيها ايران قبلتهم، بأن وضع على واجهته إعلانات مصورة عن البضائع المتوفرة، بينها صورة شابة للإعلام بوجود قسم للملابس النسائية.
لم تكن الصورة بالملابس الداخلية ولا بملابس البحر. مع ذلك ثارت ثائرتهم ورفعوا مرة واحدة رايات القيم والأخلاق والأعراف والدين والتقاليد، وهددوا بإعلانها داحس وغبراء جديدة، كما لو ان عاليها سينقلب سافلها مع ذلك الإعلان!
الفضائيات وشبكة الإنترنت متاح فيها على مدار الساعة برامج وأفلام وصور لا يمكن بأي حال مقارنة الصورة التي رفعت على واجهة "ماكس مول" في بغداد والنجف بها. والفضائيات والإنترنت ببرامجها وأفلامها وصورها، وبعضها فاضح وإباحي، موجودة حتى في بيوت من هددوا "ماكس مول" بالويل الثبور!
كيان دولتنا ونسيج مجتمعنا ومستقبل بلادنا كلها مهددة بأخطار جسيمة عديدة، ليس بينها بالتأكيد الصور المعروضة على واجهات المحال والمتاجر والدكاكين.. نحن مهددون بخطر الإرهاب، وخطر الطائفية السياسية، وخطر الفساد المالي والإداري، وخطر الفساد السياسي، وخطر التعصب الحزبي والعشائري، وخطر الفقر والامية والامراض، وخطر ضعف الروح الوطنية. هذه الاخطار هي ما تستحق إشعال نيران داحس الغبراء والبسوس في مواجهتها لوقف النزيف اليومي لدماء العراقيين وأرواحهم وأموالهم.
اذا كان فيكم خير تعالوا إلى هذا الملعب وارفعوا فيه رايات التنديد والاستنكار والغضب والتهديد في وجه الإرهابيين والمتواطئين معهم، وفي وجه الفسدة من سراق المال العام، وفي وجه السياسيين المتصارعين على المال والسلطة والنفوذ.
منذ ثلاثة ايام كشف وزير التعليم العالي والبحث العلمي عن ان أغلبية المتورطين في اعمال ارهابية ممن اعتقلتهم القوات الامنية هم من خريجي كليات الشريعة واصول الدين.. انه كشف متأخر جداً، فنحن نعرف ان الكليات والمدارس الدينية هي مفارخ للتطرف الديني والمذهبي وللمتعصبين دينياً ومذهبياً، وتستوي في هذا الكليات والمدارس السنية والشيعية .. في السعودية ودول الخليج اكتشفوا هذا منذ سنين وترددت دعوات قوية لإعادة النظر في مناهج التعليم برمتها لتطهيرها مما يزرع بذور التطرف والتكفير لدى التلامذة والطلبة.
قبل سنتين كان في بغداد محافظ ورئيس مجلس محافظة مصابون بحول، فلم يكلفا نفسيهما أي جهد وطاقة لتوفير ما يساعد على اقامة نظام أمني في بغداد يمكنه مكافحة الارهاب وملاحقة الإرهابيين بفعالية، حتى بعد أن انكشف للجميع ان اجهزة الكشف عن المتفجرات المستعملة في نقاط التفتيش مزيفة وعاطلة عن العمل.. المحافظ ورئيس مجلس المحافظة تركا أهل العاصمة يموتون يومياً بالتفجيرات الإرهابية وتفرّغا لشن حملة "ايمانية" شبيهة بحملة صدام حسين، فارسلا القوات لدهم النوادي الاجتماعية والبارات التي لم يحصل أبداً أن خرج منها شخص مخمور أو صاح ليفجر نفسه أو يفجر الآخرين كما يفعل بعض المتخرجين من كليات الشريعة واصول الدين!
أتحدّى رافعي رايات القيم والأخلاق والاعراف والتقاليد والدين والمذهب أمام المتاجر أن يفعلوا شيئاً للتنديد بالمجازر الإرهابية اليومية في بغداد وسواها، أو ان ينظموا تظاهرات لانقاذ الشباب من البطالة المزمنة والايتام والأرامل والشيوخ والعجائز من فقرهم المدقع.
مقالات اخرى للكاتب