منذ استبعاد المالكي عن السلطة و الناس جميعا في ترقب لما يحصل، انهم متاملين النتيجة المرجوة لما يهم حياتهم العامة و خاصة الناس البسطاء المخلصين، و بالاخص من الناحية الاقتصادية التي بدورها تؤثر بشكل مباشر على حياتهم الاجتماعية ومعيشتهم و نظرتهم الى الحياة، و هم على امل ان يتنفسوا ولو مدة قصيرة الصعداء و ينتقلوا الى مرحلة استراحة مقاتل و هو في الجبهات طوال هذه المدة ولم يجد نفسه الا و دامت حربه عقودا طويلة .
بعد التغيير و اسقاط الدكتاتورية، كانت الناس تنتظر حدوث تغيير عارم و لم تتوقع الاسوا مما كانوا فيه، و لكن وصلت حالهم الى ما يمكن ان نعتبره فوضى حدثت بعد الخروج من عنق الزجاجة و الانتقال من مرحلة الكبت الى الحرية المطلقة بجرعة واحدة، و لم يدم الا و التقى بمسببات و عوامل ذاتية نبعت من ذات الحال و عوامل موضوعية داخلية و خارجية هدمت اركان البلد يمكن ان نقول بشكل كامل، و حدث ما يمكن ان نسميه انعدام كامل للنظام او الانفلات المطلق بمعنى الكلمة .
كما قلناه من قبل و اثناء حكمه و بكل صراحه وكما يقول المثيل و هو اي الدكتاتور السابق كان يلين الحيدي وهو بارد من خلال مقاومتنا و تنظيماتنا كبيشمركة ، وبعد السقوط لم نسكت عن الخطا وكنا مرفوع الهامة و انتقدنا المالكي و هو في عز سلطته، و لم ننحن عند عتبة باب قصره و اليوم لا نريد ان نتشمت به على تخوم قبره ، فالتمثيل بالقتلى حرام في كل النظم و العقائد و الفلسفات و احترام العرف و التقاليد فانه يدخل ضمن الاخلاقيات ، الا ان السيد المالكي اضفى على مآسي الشعب العراقي مما يستحق ان يسحب منه الحصانة و يُعرض امام محكمة عادلة كي يعتبر الاخرون منه في هذا الزمن الغدار .
ان المدة الطبيعية الممنوحة للحاكم الجديد في اية دولة متقدمة هو مئة يوم لينفذ نسبة معينة من برنامجه و خططه و يلمس الناس اختلافه و خطواته الجديدة التي يوعد بها المتنافسين على تسلم السلطة، و لكن ما نحن فيه، في العراق من الظروف الاجتماعية الاقتصادية السياسية الخاصة، و كما يمكن ان نقول انه ينطبق على كافة دول الشرق الاوسط، يمكن ان يَمنح الشعب مدة سنة كاملة كاقصى حد للحاكم الجديد ليوضح و يبين نتاجه و نسبة تحقيق برنامجه و وعوده عمليا للشعب، و يمكن ان تقدر الناس الظروف الاستثنائية للعراق من حرب داعش و الازمة الاقتصادية و ما تأن من تحته الحكومة الجديدة من تركة المالكي الثقيلة ايضا، فيمكن للشعب العراقي ان يحتمل و يصبر لمدة اضافية اذا احس ان خطوات السيد العبادي مبينة و واضحة و ثبت مصداقيته، واثبت للناس انه يختلف في رؤيته و تعامله مع القضايا و يمكن ان يستبشر خيرا منه، و ان احساس الشعب من افضل و ادق المقاييس لتقييم الحكومات مهما كانت تركيبتها و شكلها، و من الاحساس العام يمكن ان ينبثق الراي العام المؤثر و الضاغط على اية حكومة .
فان تاكد الشعب ان توجه القيادة و السلطة الجديدة التي تحترم نفسها و تعمل وفق نظام مناسب و نيتها صادقة و تسير وفق خطط تسخر كل ما تحت يديها من الامكانية السياسية و الاقتصادية من اجل خدمة مواطنيها و هي تحترم شعبها عمليا و ليس لفظيا فقط، و لم تعمل على فرض الذات على الشعب و لم تضغط من اجل تسخير الناس لخدمة السلطة، اي لم تتقدم على عكس المطلوب منها، فان ثقة الناس تزداد بها و تحتمل الضيم اكبر فترة ممكنة و تصبر و تدعم القيادة بكل ما يملك طالما بقت على ثقتها بها .
اننا نتاكد يوما بعد اخر ان المنفذ اصبح ضيقا، و لا يمكن ان يعتقد اي متابع ان الفرص يمكن ان تتكرر لاعادة القطار الى سكتها الخاصة بها، و لا يمكن ان تمتد الثقة لمدة طويلة ان لم تلمس الناس ما يتحقق على الارض و لم يحس بان هناك منقذ يعمل على تخليصهم من ما هم فيه، فاننا بعد فقدان الثقة يمكن ان ننتظر اسوء الاحتمالات و عندئذ لا يمكن ضمان الاحسن و يمكن ان نعتقد ان الفوضى ستعم و الانفلاتات تزداد يتدخل المتربصين و يمكن ان تصل الحال الى اقصى احتمال و حتى ان وصلت لحد اندلاع ثورة شاملة .
الان باعتلاء العبادي سدة الحكم بعد ضيق وقت و ظروف ماسآوية لما خلقها سلفه، يعتبر رئيس الوزراء و هو صاحب اكبر صلاحيات وفق الدستور منقذا و السلطة في هذه المرحلة منفذا للانتقال الشعب الى المرحلة المقبلة التي يجب ان تكون افضل من السابقة مهما كانت المعوقات الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية، فان الناس في انتظار و هم احتملوا الكثير و سيصبرون و لكن ليس الى ما لا نهاية .
مقالات اخرى للكاتب