همسات على سرير العشق .. لوحة حكائية ملوّنة / قراءة نقدية ...بقلم / حامد عبدالحسين
لم تكن همساته التي اطلقها إلا زفيراً بل بوحاً ذاتياً ، تتجلّى فيه مكنونات تتسع كلما ضاقت حدقات قوافيه .. من ذلك البوح يتآلف نسيج عشقه البلوري المرصّع بنصفه الاخر الذي يمثل كياناً ملتصقاً به .. فلا مناص من ذلك الكمّ المتراكم من العواطف الجياشة التي يحاول ان يضعها في دائرة حدودها تنتمي له ... انه ( شينوار ابراهيم ) الشاعر الذي عشق نصفاً حياتياً غاصاً بعمق الوجدان .. في قصيدته ( همسات على سرير العشق ) أجد انساناً ضاجاً بالهدوء النفسي / متزناً يحمل وفاءه على اكتافه / معلناً ان لا طعم للحياة بلا امرأة تشاطره خوالجه المتخمة بتناقضات ومتقاربات ... لم يكن إلا ذلك الموج الهادر الوضّاء ...
ان ( السرير ) يمثل رمزاً للذة لكنها لذة مؤقتة ، تشكل اندماجاً موحداً لما بين ( المرأة والرجل ) في اطار علاقة ليست فردية ، بل هي مشتبكة بتجليات حياتية متضخمة بالصراعات .
فـ ( شينوار ابراهيم ) لم يصوّر( السرير / الجسد ) مثلما يصوره بعض الشعراء ، لكنه صوره بمنظر حسي رمزي بأسطورة تتلاشى امامه كل المشاهد البصرية .... نقرأ له :-
استيقظت
من حدائق
العشق
فراشة
بحجم حروف
قصائدي
من قلب نجمة
اضاءت
سماء قلبي
بحيرات
امواجها
تتراقص
بين اصابع
تشايكوفسكي
نغمات
سيمفونية
بحيرة البجع
لقد استطاع ( شينوار ابراهيم ) ان يحشد مفرداته في ترنيمات تداعب مشاعره ، مستخدماً كل ما يوفر له من الانسجام الروحي مع من تشاركه سعادته وحزنه ، افراحه واتراحه ، باعثاً صورة حالمة وكأنه يستيقظ من نومه الذي غصّ بجمالية الروح المتفائلة / ليجد كائنا ً يجسّ مخيلته تلكم الـ ( فراشة ) التي تحمل في خبايا روحه دفقة أمل وتفاؤل ، هي لم تكن إلا بحجم ما يحشده من القريض / هي ذلك البصيص من الضوء الذي يضيء حياته .. ثم نقرأ له :
لتحتضن الرمال جسدي
على الشاطئ
تعيد الحياة
الى اجفاني .....
....
اساطير ترسم جداول
جنوني
في لوحات
فرانتس مارك
بين زخات مطر
ثرثرات ريح
تغني
لولادة ربيع
في قلب الشتاء
نائمة
لغة الألوان ....
لقد هيّأ ( شينوار ابراهيم ) أدواته في تدرجات فعلية متناسقة ذات حمولات تتحول الى خطابية المفردة والتركيب ( استيقظت / اضاءت / تتراقص / تحتضن / تعيد / ترسم / تغني ) انه نشاط يشعرنا بولادة الحياة حيث انها مثلت انبعاثات داخلية متراصة / متناسقة في سلسلة تكاد انها تعطينا مسوغاً في الولوج الى فهم مدلولات المفردة والتركيب الذي يميل اليه هذا الشاعر / حيث انه ينقلنا الى عالمه .. بكل هدوء .. فلا نجد لديه الا لوحات مرسومة بفنية عالية / فكم من شاعر استطاع ان يحول مفرداته وتراكيبه الى لوحة حكائية ملوّنة في لغة اختلفت نوعا ما عما هو سائد ، اذ انها تسرد لنا ذلك الهوس الباطني ..
همسات
تحكي للشمس
عن فاتنة
نزلت
من ابراج العشق
تقرع اجراس
الصباح
تقرأ فنجان العصر
تفتح
نوافذ الحب
تذوب دورب
الانتظار .....
في هذا المقطع يفصح الشاعر ( شينوار ابراهيم ) عن تلكم الانسانة التي تتراكم فيها مدرجات حياتية كبرى فهي ( همسات / فاتنة / ابراج العشق / اجراس الصباح / فنجان العصر / نوافذ الحب / دروب الانتظار ) وبذلك استطاع ان يجمع صور متعددة في امرأة واحدة كانت وما تزال تشكل في عمقه الانساني تمثالاً يعج بالدفء والحنان ، بنعومة ذلك العطف الانثوي المكنون في مراقص الانتظار ، ثم يقول :
فعيناك
يا سيدتي
يسجد لها البحر ...
حتى فينوس تخجل
ان تشرق بنورها
تنام على انغام
جمال اللؤلؤة
تصمت
يقف
لها البشر ...
تسحر
كل حواس العشق
ان ( شينوار ابراهيم ) ينظر بشاعريته الفذّة .. الى محبوبته / الى عشقه الابدي ليس كعقدة متأزمة بل متأملاً فيها ليراها كـ (البحر / فينوس / انغام جمال اللؤلؤة / حواس العشق ) في تدرجات وتنسيقات فعلية رائعة ومتناغمة مع احساسه الباطني مطلقاً جوانح قصيدته في ( يسجد / تخجل / تشرق / تصمت / تسحر ) لتعبّر عن خطابيات متواصلة لا انقطاع لها في تطريز كلامي له حضوره المميز ، حين يقول :
ابحث ..
احلق ...
ابحر
مع السحب
الى وطن
القمر ...
انادي ...
تعالي
يا اميرتي
نعانق
عودة الفجر ...
نلمس
وجه الليل
نسمع لحن
الحُب
في سريرالعشق
فكل ذكرياتي
لا تحوي
إلا انت ....
ان جدلية ( الوطن والمرأة ) لدى الشاعر مثلت دلالة بارزة حيث كونت لنا صورة مترابطة ما بينهما ( الوطن ) / ( المرأة ) رمزان احدهما يكمل الاخر ... لذا نجد أن ( شينوار ابراهيم ) يعبئ كل حمولاته في لغة شفافة تنساب ضمن خواص شعورية / هيأ بـ ( ابحث / احلق / ابحر / انادي ) فطغيان المتكلم اعطى له مشروعية الانا التي كانت محور قصيدته ، ليدل على أنه متمسك بمن عشقها تمسكاً لا نظير له ، ثم يوجه خطابه المباشر لمحبوبته حين يستخدم الفعل ( تعالي ) مهيّئاً لها ( نعانق / نلمس / نسمع ) صيغة الجمع ما بينهما وحدهما ، لانهما يمثلان قمة الاندماج والامتزاج الروحي .. ليطلق عنان صوته لذلك الحب المملوء بذكريات جوهرها ( أنت ) بإشارة اليها وحدها دون سواهاً لقد استحوذت على قلبه وشغاف روحه لتحول ( الشاعر ) هنا الى رمز التفاني والإخلاص .
اقرأ ايضاً