العراق تايمز: كتب الدكتور مؤيد عبد الستار..
نازاره ميرزا ، سيدة كانت تعيش في محلة القشل ببغداد منذ سنين طويلة ، بارعة في حياكة السجاد لدرجة ان أحد اغنياء الكرد الفيليين طلب منها حياكة سجادة عليها صورة الزعيم عبد الكريم قاسم ، فحاكتها وطرزت الصورة أجمل تطريز .
كانت تحوك السجاد في بيتها حتى اليوم الذي هجرهم فيه النظام الصدامي الى ايران . مازالت حية ترزق تعيش حاليا في عيلام .
حياكة السجاد من أقدم الصناعات التي مارستها المرأة الكردية ، و اشتهرت المرأة العيلامية الكردية في غزل الصوف وحياكة السجاد وبرعت في النقوش والالوان التي رسمتها على السجاد ، حتى اصبحت المناطق المختلفة تعرف باسلوب صناعتها للسجاد والوانه المصنوعة من الاعشاب والزهور والزخارف المستمدة من اشكال الحيوانات والنباتات والطيور والزهور .
ومن اقدم الاثار ما رأيناه في متحف اللوفر تمثال امرأة من عيلام ، مدينة سوسة الكردية ، امرأة جالسة على كرسي في استراحة ، تغزل الصوف وامامها إناء فيه سمكة وطعام وفاكهة ،ما يدل على انها امرأة ثرية او امرأة تعيش في القصر الملكي .
تقف خلف المراة الجالسة فتاة في يدها مروحة من الخوص ، ما يدل على ان الفصل صيف او ان الطقس حار – هذه المروحة المصنوعة من القش تسمى في جنوب العراق مهفة ، ما زالت مستخدمة في وسط وجنوب العراق وعيلام .
المرأة جالسة في محفل خاص وليس ضمن مشهد احتفالي او ديني ، وانما في استراحة خاصة بها ، وبهيئة غير رسمية ، فهي تجلس واضعة احدى رجليها تحتها وبيدها مغزل تغزل به ، ونلاحظ الاساور في معصميها . وشكل اخر شبيه بالزهرة يظهر على يدها اليسرى .
بين يديها الخيط يمر على المغزل ، بينما لفة الغزل توازن المغزل ، والشكل المخروطي للمغزل والغزل يتناسبان في حفظ انسياب عملية الغزل ، هذه الاشكال تطورت بسبب تطور عملية الغزل ، كما نلاحظ عدم ظهور الصوف والغزل في اللوحة ، ربما لان النحات لم يرغب في ابراز عملية الغزل او التركيز عليها ، بل اراد اظهار عمل المرأة التي ربما ارادت اظهار عملها لرجل يقف على الجانب الاخر من المائدة التي امامها في اللوحة – المنحوتة .
ترتدي المرأة سترة قصيرة الاكمام وعصابة رأسها المطرزة لاتغطي رأسها ، بل تظهر شعرها الطويل كاملا ، ربما لانها تجلس بين الاهل والاقارب ، ويبدو على مظهرها الهدوء ، باسمة الوجه ، ممتلئة الجسم قصيرة .
اما الفتاة التي تقف خلفها فلا يزيد طولها على طول المرأة الجالسة ، ربما لان النحات اراد عدم ابرازها لانها خادمة لسيدتها ، او لانها فتاة صغيرة ، وهي ذات شعر كثيف اجعد طويل ، ترتدي سترة قصيرة الاكمام ايضا ، مزينة معصميها بالحلي ، تحمل بيدها مروحة – مهفة – مربعة الشكل من القش تهوّي سيدتها .
الكرسي الذي تجلس عليه المرأة له حواشي مزخرفة تخفي الجزء العلوي منه ، نحتت ارجل الكرسي على شكل مخالب اسد كثيف الشعر ، كما نرى النقش والتزيين على المائدة التي امام السيدة ، مثل هذا الاثاث الثمين نجده ايضا في منحوتات اشورية في خرساباد ونينوى ، معروضة في متحف اللوفر والمتحف البريطاني . ان صناعة التحف الثمينة من خصائص التحف الفنية لمدينة سوسة في عيلام .
كما اكتشفت اثار مشابهة في اوغاريت والنمرود – موجودة في متحف اللوفر – ومنحوتات اخرى شبيهة منحوته على العاج .
من الجدير بالذكر ان الملوك والالهة في الشرق القديم يمتلكون مثل هذا الاثاث الثمين ، اما عامة الناس والفقراء ، فيجلسون ويتناولون الطعام وينامون على الارض ، لذلك فهذا المشهد لا بد ان يكون في قصور سوسة في بلاط ملوك عيلام ، ويحتمل ان الشخص على يمين المنحوتة قد فقد لتعرض المنحوتة الى الكسر والتهشيم .
ان مادة الصخر الذي نحت منه هذا المشهد من صخور سوسة المتميزة ، من الحجر القيري ، من مشتقات الفحم الحجري ، من انواع الصخر الرسوبي الاسود ، المعروف في بلاد الرافدين وعيلام وعموم مناطق غرب ايران .
ولكن الحجر الصخري القيري الموجود في سوسة فريد في نوعه ، استخدم منذ الالف الرابع قبل الميلاد ، اي قبل ستة الاف عام ، وان النقش الدقيق والرائع على الحجر دلالة على المستوى الرفيع من المهارة في نقش الموضوع بتفصيل دقيق واضح .
ومن خصائص هذا النوع من الصخر اذا عولج بحرارة خفيفة يصلح للطلاء بالذهب او ورق الفضة.