العاقلُ النّاجح، يُفكِّر قبل انّ يتكلَّم، امّا الأَحمق الفاشل فهو الذي يتكلّم ثم يفكِّر!.
ولقد لخَّص أَميرُ المؤمنين (ع) الفكرة بقولهِ {وَإنَّ لِسَانَ الْمُؤْمِنِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ، وَإنَّ قَلْبَ الْمُنَافِقِ مِنْ وَرَاءِ لِسَانِهِ: لاِنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بَكَلاَم تَدَبَّرَهُ فِي نَفْسِهِ، فَإنْ كَانَ خَيْراً أَبْدَاهُ، وَإنْ كَانَ شَرّاً وَارَاهُ، وَإنَّ الْمُنَافِقَ يَتَكَلَّمُ بِمَا أَتَى عَلَى لِسَانِهِ لاَ يَدْرِي مَاذَا لَهُ، وَمَاذَا عَلَيْهِ}.
ومثَلُ ذلك مثَلُ الذي يبني داراً بلا خريطة، ليكتشف فيما بعد انّ في داره الجديدة مطبخان وليس فيها حمّام!.
هذا ينطبقُ على كلّ النّاسِ وعلى مُختلفِ الاصعِدةِ.
فعلى صعيد الكتابة مثلاً أَو الخطابة، فالنّاسُ على نوعَين، الأَوّل هو الذي يفكِّر ويبحث ويخطِّط ويهيِّء ويتهيَّأ قبل ان يكتب سطراً واحِداً او يرتقي المِنبر! أَمّا الثّاني فيكتب أَو يخطب ثمَّ يسأَل مَن حولهُ؛ كيف كان حديثي أَو مقالي؟!.
المسؤولون والسياسيّون بشَكلٍ عام كذلك على نوعَين؛ الاوّل الذي يخطِّط ويحسب لكلِّ شيء حسابهُ قبل انّ يتبنّى مشروعاً ولذلك يكون الأَقرب الى النّجاح، والذي من علاماتهِ الوضوح والثّبات والاستقامة والاصرار والمُثابرة والاستعداد وتهيئة الارضيّة والادوات والوسائِل وفريق العمل المُنسجم، أَمّا الثّاني فيتبنى مشروعاً بجهلٍ قبل ان يحسِب للأُمور حسابها ويُباشر قبل انّ يحسِب للمتغيِّرات والاحتمالات موقعها، ويبدأ ويُطلق الشّعارات الفارغة والخطابات الانشائيّة قبل انّ يخطِّط ولذلك فهو للفشلِ أَقربُ مِنْهُ للنّجاح، ومن علامات ذلك التخبُّط وانعدام الرُّؤية والتّضحية بلا ثمن او نتيجة والتّراجع أَمام أَبسط التّحدّيات وتغيير الاولويّات بلا تروّي! له في كلِّ يومٍ ميثاقُ شرفٍ ووثيقة وتسوية وإِتّفاقات والنّتيجة صفرٌ على الشِّمال!.
وهي مشكلتُنا اليوم، ولذلك نُلاحظ كلّ هذا التَّخبُّط والفوضى في السّياسات والمشاريع وعلى مُختلفِ الاصعِدةِ، فعلى صعيد المشاريع الوطنيّة بين الفُرقاء والشُّركاء السياسيّين في العمليّة السياسيّة هناك تخبُّطٌ واضحٌ نتيجتهُ كلّ هذه الأَزمات السّياسية الخانقة بينهم والتي شلَّت الكثير من مؤسّسات الدَّولة التي لا تنسجم حركتها وإنجازاتها وتقدُّمها مع عنصر الزَّمن والحاجة أَبداً.
على صعيد السِّياسة الخارجيّة هناك تخبطٌ واضحٌ جدّاً وفوضى شاملة، حتّى لم يعُد الآخرين يعرفون ما الذي نريدهُ ومَن هو صديقنا ومن هو عدوّنا ليبنوا سياساتهُم معنا على أساسِهِ.
امّا على صعيد التَّربية والتّعليم وأَزمة المدارس والسَّكن والعمل والدَّولة الرَّيعيَّة والتّجارة والزّراعة والاقتصاد والصّحة وغيرِها الكثير فحدِّث عنها ولا حرج.
كلّ ذلك سببهُ إِنعدام الرُّؤية الوطنيّة والاستراتيجيّة التي تأخذ بنظرِ الاعتبار كلّ الأُمور ومن مُختلفِ الزّوايا قبل التّخطيط!.
إِذن، المشكلة هي انّ (المسؤولين) في البلد لا يحسبون جيِّداً!.
ولقد كان يُمْكِنُ تجاوز هذه المشكلة اذا كان هناك من يُحاسب المسؤولين، ففي كلّ دول العالم المتحضِّر هناك مؤسَّسات عريقة مسؤوليّتها المُراقبة والمُحاسبة وتسليط الضّوء على الخطأ ومتابعة النَّقص في الخطّة مثلاً وكذلك إِثارةِ التّساؤلات والاحتمالات بما يُجبر المسؤول على إِعادة النّظر ودراسة التّحدّيات التي تواجه الخُطَّة والثَّغرات الموجودة فيها والتي لم ينتبه لها عندما أَمضاها وتبنّاها.
أَمّا عندنا فلقد غابَ هذا الشَّيء لأسبابٍ عدّة، لعلَّ من أَبرزها المُحاصصة التي أَسقطت المسؤوليّة عن الجميع وساوت بين النّاجح والفاشل وبين النّزيه والفاسد وبين صاحب الخِبرة والكفاءة والآخر الأُمّي الذي لا يمتلك شيئاً منها ولا يفقه في الأُمورِ!.
فضلاً عن شخصيّة المسؤول والسّياسي عندنا والتي تُحبُّ انّ تسمع المديح والثّناء حتّى اذا كانَ فضائيّاً {وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} أَمّا النَّقد والمحاسبة فهي أَكره الأشياء عندهُ، فدونها كاتم الصَّوت!.
كما انَّ الدَّمج السّياسي الحاصل بين مُختلفِ مؤسَّسات الدَّولة، من جهةٍ وبينها وبين منظَّمات المجتمع المدني والمؤسّسات غير الحكوميَّة بشَكلٍ عام، أَضاع مبدأ المُحاسبة والرَّقابة والمُساءلة كمُشاركةٍ ومُساهمةٍ في دعمِ الخُطط والاستراتيجيّات لإصلاحها ومن أَجْلِ تكاملها.
وبذلك يكون الأَمران قد غابا عن الواقع ما كرَّس ظاهرة الفوضى والتخبُّط والتردُّد والتَّراجع حتّى عن الاستراتيجيّات!.
مقالات اخرى للكاتب