Editor in Chief: Ismael  Alwaely

Editorial secretary: Samer  Al-Saedi

Journalist: Makram   Salih

Journalist: Saif  Alwaely

Journalist: Ibnyan   Azeezalqassab

Editor: Aboalhassan   Alwaely

Reporter: Abdulhameed   Alismaeel

مقالات وأبحاث
الاثنين, أيار 1, 2023
الثلاثاء, نيسان 25, 2023
الأربعاء, نيسان 19, 2023
السبت, نيسان 15, 2023
الجمعة, نيسان 1, 2022
الأحد, آذار 13, 2022
الأربعاء, شباط 16, 2022
الثلاثاء, شباط 15, 2022
السبت, حزيران 3, 2017
السبت, أيار 20, 2017
السبت, أيار 13, 2017
الجمعة, أيار 12, 2017
الاثنين, أيار 1, 2017
1
2
3
4
5
6
   
الإمام إدريس الحسني...بصمة على الذاكرة المغربية
السبت, شباط 21, 2015
جليلة مفتوح

 

في زمن ينهش فيه غول الطائفية أحشاء الأوطان, نأنف من حتى المساس بمواضيع مريضة عن مذهبية هذه الدولة أو تلك وتشيع هذا وتسنن ذاك, يكفي نتحدث بعيدا ما أمكننا عن الخرافة والأسطورة في شخصية رجل  هو إدريس ابن عبدالله الملقب عند المغاربة بإدريس الأكبر أو الأزهر,رجل أصبح مع الوقت هو وذريته الممتزجين بدم أهل البلاد الأصلية , نقشا لا يمحى من الذاكرة الإنسانية والوجدان الروحي المغربي كما العبور السياسي لتاريخ شعب عظيم كالمغرب.بعيدا أيضا عن سجالات سياسية أو سياسة رمزية الأضرحة، مثل ضريح  إدريس الأول والثاني، وطريقة توظيفهما , بسبب أنه كانت لأضرحة الأدارسة وظائفُ مكثفة في عهد الدولة العلوية، حيث اعتُبرت زيارة السلطان لضريح المولى إدريس ذات دلالات رمزية قوية، إذ هي بمثابة وصل الحاضر بالماضي. فلا علم حفريات وجد ليثبت أو ينفي ولا أهمية لسجالات لا تغير ما رسخ في الوجدان الشعبي بالخصوص..

المغاربة خلال تاريخهم الطويل عرفوا  بالتشبث بالوحدة والحرية والكرامة  ورفض  كل أنواع الهيمنة والاحتلال والاستعمار ومن هنا جاءت تسميتهم "بالامازيغ" أي الأحرار.وقد كانت بلادهم مستهدفة من طرف الدول والشعوب منذ أقدم العصور لموقعها الاستراتيجي بين قارتين كبيرتين : أروبا وإفريقيا، وعلى امتداد بحرين عظيمين، المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، ولما تحتويه الأرض من خصب وخير وجمال طبيعة. ومن أشهر تلك الدول : الفينيقيون والرومان والوندال.وقد كان المغاربة دائمي المواجهة لهم فلم يمتزجوا بهم ولم يستطع المحتلون  تجاوز الشواطيء والسهول القريبة بالمغامرة داخل البلاد...

وكان الفتح الإسلامي للمغرب من أطول الفتوحات وأصعبها لمناعة البلاد وشدة مراس أهلها  فاشتهر زناتة على الخصوص بالفروسية..

وخلدت زرهون المغربية من بقاع مكناسة أولى المدن الأمازيغية التي أتخذت كأول عاصمة إسلامية في شمال إفريقيا أرخ لها بجدية على الصعيد الرسمي والشعبي, بضريح المولى إدريس الأكبر وموسمه السنوي الشهير, ذكرى وتخليد لمن اتخذها  عاصمة لدولته بعد سنة 788 ميلادية، لتمثل بذلك هذه المدينة الصغيرة بحجمها، والكبيرة بتاريخها مرحلة من مراحل تاريخية لا تنسى. وتجاور هده المدينة مدينة وليلي الأثرية والتي كانت عاصمة لقرون قبل الإسلام. كانت كلها مكناس أي المحارب بالأمازيغية قبل أن تبنى المدينة الكبرى على بعد كيلومترات قليلة فتسمى الصغيرة بالجبل حولها وتختص الكبرى بالإسم في عصرها الذهبي على عهد المولى إسماعيل من الأسرة العلوية.

احتفظت بعض المصادر بوثيقة مهمة، يرجع الفضل في نشرها إلى علال الفاسي الذي نقلها عن مخطوط يمني. وهي عبارة عن نداء وجهه إدريس إلى المغاربة. هذه فقرة منه..

  (وقد خانت جبابرة في الآفاق شرقا وغربا، وأظهروا الفساد وامتلأت الأرض ظلماً وجوراً. فليس للناس ملجأ ولا لهم عند أعدائهم حسن رجاء. فعسى أن تكونوا معاشر إخواننا من البربر اليد الحاصدة للظلم والجور، وأنصار الكتاب والسنة، القائمين بحق المظلومين من ذرية النبيين. فكونوا عند الله بمنزلة من جاهد مع المرسلين ونصر الله مع النبيين. واعلموا معاشر البربر أني أتيتكم، وأنا المظلوم الملهوف، الطريد الشريد، الخائف الموتور الذي كثر واتره وقل ناصره، وقتل إخوته وأبوه وجده وأهلوه فأجيبوا داعي الله. فقد دعاكم إلى الله.")   إدريس بن عبد الله.

كيف نحكي عن هذا الوافذ من بلاد الشرق هاربا من أشهر مذابح العلويين آنذاك, رجل قتل غالبية أهله أمامه والبقية منها شاردة في بلاد الله  لولا قدرة ربانية سخرت معجزة النجاة والمجد بين يدي مخلص من محبيه , عمل حتى لا مس المستحيل ليوصله عند أهله في قبيلة أوربة الأمازيغية حيث الأمان ولم لا الدعوة لآل البيت النبوي في بلد أهواؤه منذ مقتل الحسين متعاطفة مع بنيه وأقاربه, مقتل الحسين الذي جاب الآفاق كلها من الشرق إلى الغرب كأول فاجعة هزت الوجدان الإسلامي والإنساني ككل وعبر كل البقاع وفي كل القلوب النابضة.

هذا الرجل العلوي الطالبي الذي دخل تاريخ المغرب من أوسع أبوابه بتشجيع ودعم من صاحبه راشد الأمازيغي الأوربي والذي هو مدفون بجانبه بكل هالة الروحانية وعبق التاريخ العريق..

 منذ قيام الدولة العباسية بدعم العلويين وأهل خراسان كان طبيعيا أن يغدر الحكام الجدد بمن أجلسوهم على عرش الحكم ابتداء بأبي مسلم وأتباعه وانتهاء بأبناء عمومتهم العلويين، الذين أحسوا بالخيبة والقهر لاستفراد بني العباس بالحكم والتضييق عليهم فاعتبروهم غاصبين لحقهم في الأسبقية والاستحقاق لتولي حكم المسلمين فتحينوا كل فرصة للثورة عليهم.

كان أول من تزعم الحركة محمد بن عبد الله بن الحسن، المدعو النفس الزكية الذي ثار بالمدينة، لكن الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور قضى على ثورته سنة 145 هـ/ 762 كما قضى على الثورة الموازية لها التي قادها أخوه إبراهيم بالبصرة في نفس السنة، وكان محمد النفس الزكية فكر في تبليغ الدعوة إلى كل الأقاليم الإسلامية شرقا وغربا، آملا في كسب المزيد من الأنصار للقضية، فوجه بعض إخوته إلى بلدان إسلامية مختلفة.

وبعد مرور أربع وعشرين سنة على هاته الثورة أي في سنة 169 هـ/ 786، قامت ثورة أخرى بقيادة الحسين بن علي بن الحسن المثلث في  واد بنواحي مكة . ولم تنجح هاته الثورة أيضا حيث قضى عليها الخليفة الهادي في معركةا شرسة  قتل فيها كثير من العلويين, وكان مع الحسين من بني عمومته إدريس وسليمان ابنا عبد الله الكامل ساندا وشاركا في الثورة والحرب ونجا أحدهما واستشهد الآخر. وموقعة فخ  وقعت بالقرب من واد نواحي مكة يسمى فخ. 

بعد فشل الثورة الحسينية عسكريا و مقتل الإمام الحسين بن على بن أبي طالب ابن بنت رسول الله في معركة كربلاء، وفشل ثورة محمد (النفس الزكية) بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط وفشل ثورة أخيه إبراهيم بن عبد الله الكامل؛ قامت حركات لبعض العلويين في اليمن وخراسان، لكنها لم تلقَ نجاحًا، وأصابها مثل ما أصاب ما قبلها من ثورات، وعاش من بقي من آل البيت العلوي في هدوء، وربما استخفوا حتى يتمكنوا من إعداد العدة للخروج وهم مكتملوا القوة والعدد، وظلت الأمور على هذا النحو من التربص والانتظار حتى حدث نزاع صغير بين والي المدينة المنورة وبعض رجال من آل البيت أساء معاملتهم وأهانهم، فحرك ذلك مكامن الثورة في نفوسهم، فثار العلويون في المدينة بقيادة الحسين بن علي بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى العلوي، وانتقلت الثورة إلى مكة بعد أن أعلن الحسين البيعة لنفسه، وأقبل الناس عليه يبايعونه..

ولما انتهى خبر هذه الثورة إلى الخليفة العباسي موسى الهادي، أرسل جيشًا على وجه السرعة للقضاء على الثورة، قبل أن يمتد لهيبها إلى مناطق أخرى؛ فيعجز عن إيقافها، فتحرك الجيش العباسي إلى مكة، والتقى بالثائرين في (8 من ذي الحجة 169هـ = 11 من يونيو 786م)  وانتهت المعركة بهزيمة جيش الحسين، ومقتله هو وجماعة من أصحابه..

تلك النتائج السلبية بدمويتها كانت شرارة انطلاق فيما بعد لأول دولة إسلامية بشمال إفريقيا مستقلة عن الشرق يؤرخ لها تاريخيا وروحيا, فتحكم الأقدار  أن ينجو من تلك المجزرة إدريس وأخوه يحيى الذي يمم شطر الشرق بينما اختار إدريس طريق المغرب بتشجيع ودعم من صاحبه ورفيقه المخلص راشد الأوربي فالمشرق عباسي الولاء ، ولا تنجح فيه ثورة ناهيك عن قربه من دار الخلافة بغداد، فلا بد من اختيار مكان آخر فكان المغرب بعيد عن الحكومة المركزية، شبه مستقل عن أية سلطة مركزية  سواء كانت في الشرق أم في الأندلس، كأنه مهيأ لاستقبال هاشمي يحمل عبق النبوة ليولوه أمور دينهم ودنياهم

 

كان  راشد الأوربي من أهل النجدة والشجاعة والحزم والقوة والعقل والدين والنصيح لآل البيت. و برز إخلاصه بطوليا  لإدريس في محنته، فعندما جد الهادي في طلب العلويين، بث  عيونه على الطرقات والمعابر يحققون ويقتلون على الشك والشبهة كل علوي أو موال لهم. فجنب راشد إدريس هذه الصعوبات بذكائه الباهر معتمدا على أسلوب التمويه فألبسه ثيابًا رثة مسبغا عليه دور الخادم يأمره وينهاه,و على هذه الهيئة غادر إدريس الحجاز بعد أن ترك أهله وماله في المدينة، مندسا بين  حجاج مصر وإفريقيا أثناء عودتهم  متخفيا مع راشد. وركبا الاثنان البحر من ميناء ينبع إلى بلاد النوبة, ومنها تابعا السير حتى دخلا مصر.

في مصر كان للعلويين أنصار وعلى رأسهم صاحب بريدها واضح مولى صالح بن أبي جعفر المنصور , فبادر إدريس إلى التواصل معه فبادر إلى لقائه حيث أختبأ, وهنالك عمل على إخراجه خشية عليه من عيون ورصاد بني العباس والوالي سليمان بن علي ,ناقلا إياه  مع قافلة البريد إلى خارج حدود مصر لأن القافلة معفية من التفتيش ومن التدقيق بهوية موظفيها لأنهم من الأشخاص المخلصين للخليفة. وهكذا استغل واضح مركزه لإنقاذ إدريس وراشد. ولما أصبحا بمأمن من مصالح التفتيش انفصلا عن قافلة البريد . وسارا حتى دخلا القيروان..

 أقاما بها مدة زمن واليها يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب. كانت القيروان لا تزال على ولائها للعباسيين، وواليها يخضع مباشرة للخليفة في بغداد . فخاف إدريس وقرر الرحيل إلى بلد تتلاشى فيه سلطة بغداد فسارا متخفيين حتى حلا بتلمسان. فاستراحا أيامًا ثم غادراها إلى طنجة، فاجتاز وادي ملوية ودخلا السوس الأدنى.وفي طنجة التي رغم خروجها عن سلطة بغداد، لإلا أنها كانت المركز الرئيسي للعبور إلى الأندلس تعج بالعديد من الناس ذوي الاتجاهات المتباينة الذين لا يمكن الوثوق بهم والاعتماد عليهم، وهي أيضا مهددة من دولة الأمويين في الأندلس،فيمما شطر جبل زرهون حيث تقيم قبيلة راشد الأوربي، فوصلا إلى مدينة وليلي قاعدة زرهون في غرة ربيع الأول 172 هـــ / 9 آب 788 م. وهي مدينة متوسطة كثيرة المياه والزيتون محاطة بسور عظيم وحلا ضيفين على أميرها إسحاق بن محمد بن عبد الحميد الأوروبي.

كان راشد يحتفظ بعادات الأمازيغ . فقدم إدريس  إلى نسيبه الذي رحب بضيفه وأكرمه. وكان إسحق رجلا مستنيرًا. فأقام إدريس في ضيافته ستة أشهر أمن فيها واطمأن بانت خلالها شمائله الحميدة . فكان حليمًا كريمًا حسن الطوية صادق النية متواضعًا بليغًا متفقهًا في الإسلام. أكب على تثقيف مضيفه وتعليمه أصول الإسلام وأحكامه، فازداد تعلق إسحق بإدريس لما رأى هذه الصفات فبايعه بالإمامة. واغتنم مناسبة حلول شهر رمضان من ذلك العام فجمع أقاربه الأوربيين وقدم إليهم الإمام إدريس سليل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين لهم حلمه وعلمه وكمال دينه. . فبايعوه بمدينة وليلي يوم الجمعة 4 رمضان 172 هـــ / 6 شباط 789 م على السمع والطاعة والقيام بأمره والاقتداء به في صلواتهم وغزواتهم وسائر أحكامهم. كانت قبيلة أوربة وفيرة العدد قوية الشكيمة تفرض سيطرتها على منطقة مكناس حيث القبائل الكبرى وجبال الأطلس فاجتمعت كلها حول الإمام إدريس، كان اعتماده على الإقناع في دعوته للإسلام أكثر من  توكله على الجانب العسكري حتى بعد أن تقوى بالقبائل ذات السطوة في ربوع المغرب.

كانت أنظار العلويين أثناء وضعهم الموسوم بالاضطهاد ، تتجه بالخصوص إلى حيث الأمن على أرواحهم والأمان من قتلتهم، فلم يجدوا غير بلاد المغرب ملجأ لبعده و لاشتهاره برفع راية العصيان والمعارضة لتلك الخلافة. وقبل العلويين اتجهت أنظار الخوارج لنفس المنطقة. وأمكنهم أن يؤسسوا بها دولتين مشهورتين في تاهرت وسجلماسة، مما يدل على أن البلاد كانت خصبة لأية بذرة معارضة للحكم المشرقي و بركان يغلي ثورة عليه وقيام خلافة مستقلة عن الخلافة العباسية.

كانت أول خطبه ليلة بايعته قبيلة أوربة ومن معها خطبة مختصرة معبرة. نص الخطبة: وبعد حمد الله والصلاة على نبيه وآله قال: أيها الناس لا تمدوا الأعناق إلى غيرنا فإن الذي تجدونه عندنا من الحق، ولا تجدونه عند غيرنا.

أفصحت هذه الخطبة على إيجازها عن أهداف إدريس الذي يرى الخلافة في آل البيت حقًا. ولما انتشر نبأ مبايعة الإمام إدريس في وليلي وفدت عليه بواسطة راشد وأمير أوربة مبايعة قبائل زناتة وزواغة وسدراته وغياثة ومكناسة وغمارة وكافة الأمازيغ  في المغرب الأقصى. وبعد أن بايعته هذه الجموع الغفيرة انطلق يجاهد لنشر الإسلام ومحاربة البدع الخارجية فجسد جيشًا من الأمازيغ وخرج ينشر دعوته.

حصلت الدعوة والاتصالات على نتائج مذهلة في أمد قصير، مما يدل على ذكاء إدريس ودهاء  راشد. وهكذا لبت جملة من قبائل الأمازيغ القوية  الدعوة و التفت حول إدريس. ولا شك أن انتماءه للأسرة النبوية كان له أثر قوي في هذا الإقبال، سيما والعلويون يومئذ كانوا يمثلون العنصر الثائر والمعارض والمظلوم الذي يجب مناصرته في أعراف القبائل الأمازيغية. وكون ظاهرة العصبية  القبلية أيضا كان  تأثير ها خطيرا على المستوى السياسي. فالارتباط بدعوة إدريس معناه التحرر من كل تبعية للخلافة العباسية وضمان الاستقلال السياسي للمغرب كما الأمن الروحي لانتمائه للبيت النبوي. كما نقف بالتحديد عند عرف أمازيغي بامتياز

فالمصاهرة كانت من بديهيات الانصهار للقبائل الأمازيغية مع الوافدين ,وقد تنوعت الحكايات والمصادر عن كنزة زوجة إدريس ابن عبد الله بين أمة وجارية وغيرها و هناك من نسبها إلى قبيلة نفزة الأمازغية , لكن العارف لأمور القبائل يعرف أن رجلا كهذا ولوه أشجع وأكرم القبائل أمرهم كان جليا أن يزوجوه إحدى أميراتهم فيظل الحدث القطعي أنها ابنة عبد الحميد أو إسحاق بن عبد الحميد الأوربي، زعيم قبيلة أوربة التي احتضنت إدريس الأول.

قال المؤرخ المغربي البارز عبد الهادي التازي : «مولاي إدريس كان قويا وإنّ دولته بلغت من القوة درجة كبيرة، يدلّ على ذلك فتحته تلمسان وإنشاؤه مسجدا ضُربت على حيطانه نقوشٌ تؤدي معنى السيادة..» 

وحتى لا نخوض في تفاصيل حربية لهذا الرجل الذي حرسته العين الإلاهية ومكنت له الأمن والقوة والإمامة, هذه الشخصية التي لمعت حيث آمنت واحتمت فتقوت  ستنتهي بعد أن أثار تقدم المولى إدريس نحو الشرق مخاوف هارون الرشيد واعتبر ذلك تهديدا، فقرر التخلص منه. تقول الروايات الرسمية إنه استشار جعفر البرمكي فتبيّنت له صعوبة ارسال العسكر من بغداد إلى وليلي للقضاء على إدريس، فقرر اللجوء إلى أسلوب الاغتيال على يد رجل من الدهاة ماهر في الكذب  والجاسوسية اسمه سليمان بن جرير الشماخ حسب الروايات المتداولة بمساعدة إبراهيم بن الأغلب، الذي تولى بعد ذلك الولاية على تونس,فأدخله الإمام في خدمته رغم تحذيرات راشد ومن حوله من أي قادم من الشرق مهما بدا مضطهدا وهاربا, لكن تمثيلية ابن جرير نجحت ربما لحنين للموطن أورغبة في أنصار هناك لتوسعة الدعوة ,المهم  تودد إلى المولى ادريس وأصبح من مقربيه خاصة جاء متبرئا من الدعوة العباسية منتحلا للدعوة الطالبية  ، وكان الشماخ ذا ظرف وأدب وبلاغة , عارفا بصناعة الجدل فكان إذا جلس الإمام إدريس إلى البربر و وجوه القبائل تكلم الشماخ فذكر فضل أهل البيت وعظيم بركتهم على الأمة ويقرر ذلك ويحتج لإمامة إدريس وأنه الإمام الحق دون غيره فكان يعجب إدريس ويقع منه الموقع فاستولى الشماخ عليه حتى صار من ملازميه ولا يأكل إلا معه، وكان راشد ملازما له أيضا قلما ينفرد عنه لأنه كان يخاف عليه، من مثل ما وقع فيه لكثرة أعداء آل البيت يومئذ وكان الشماخ يترصد الغرة من راشد ويترقب الفرصة في إدريس إلى أن غلب راشد ذات يوم في بعض حاجاته  فتحين فرصته الذهبية وأعطاه طيبا قيل إنه بمجرد ما استنشقه، خر صريعا وقيل في سواك أو عنب , وفر هاربا فوجده راشد صريعا يحتضر وقيل لا حقه الأمازيغيون ليلتهم إلى الصباح فلحقه راشد بوادي ملويةوقتلوه.

تنبّه هارون الرشيد إلى ما يمكن أن ينجم عن تأسيس دولة علوية في المغرب. وفاعتقد هارون الرشيد بعد تدبير اغتيال إدريس الأول سنة 177ه / 793 م، بأن نسل الأدارسة انقطع من المغرب، لكن كنزة كانت حاملا في شهورها الأولى، ليقفز بها اغتيال زوجها من الظل إلى النور. فانتظر  راشد ومن حوله من الأمازيغ المولود المنتظر، فإن كان ذكرا ولوه مكان أبيه وإلا اختاروا لأنفسهم ما يليق بهم، وحالف الحظ الأسرة العلوية، إذ وضعت كنزة ولدا ذكرا في 3 رجب 177 / 14 أكتوبر 793، ضمن للأسرة الإدريسية بقاءها.

 

 لم ينس المغاربة إدريس الأول الذي أصبح شخصا مقدسا عند المغاربة له ضريح كبير ، يقام له فيه موسم كبير في كل سنة , فقد بنيت أول قبة على قبر المولى إدريس عام١٠٨٠هجرية١٦٦٠م من طرف نقيب الشرفاء سيدي عبد القادر بن عبو ثم لما اعتلى المولى إسماعيل العرش المغربي أصدر أوامره لبناء ضريح يليق بعظمة دفينه المولى إدريس ، وذلك عام ١١١٠هجرية ١٦٩٩م فجاء تحفة معمارية تشمل جميع المرافق الضرورية. كما تم تشييد قبة فوق قبر المولى والرفيق  راشد. وقد حُفّ الضريح بالمنشآت اللازمة للحياة الحضرية، وتسهيل الزيارة والعبادة في هذا الضريح الأنور. وهكذا قدم حفدة المولى إدريس من مكناس واستوطنوا حول ضريح جدهم.

وقد اعتاد الملوك العلويين الاعتناء بالضريح وبحفدة المولى إدريس وبسائر سكان المدينة وخاصة فقرائها يتجلى فيما يقدمونه لهم في أيام المواسم التي كانوا  يترأسونها بأنفسهم أو ينيبون عنهم الخليفة السلطاني بفاس والذي ترافقه الهيئة المخزنية من القصر الملكي , كما تعودوا عند زياراتهم للضريح الإدريسي التوجه أولا إلى ضريح المولى راشد مارين بالمسجد الأعظم حيث يؤدون تحية المسجد ثم يقصدون الضريح الراشدي فيترحمون على روح المولى راشد ويتفقدون ضريحه ثم يتوجهون إلى قبة الضريح الإدريسي للترحم على المولى إدريس.

 خلود البعض من عدم وهذا لا ييسر إلا للميزين على الأرض. والمغرب يظل هذه الفسيفساء الجميلة بتاريخها وروافدها تصبح مشوهة لو انتزعت إحداها, كما كان حضنا وملاذا لكل بني الإنسان..

 

 

مقالات اخرى للكاتب

 
أضف تعليق
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
الاسم :

عنوان التعليق :

البريد الالكتروني :

نص التعليق :

1500 حرف المتبقية
أدخل الرقم من الصورة . اذا لم تستطع القراءة , تستطيع أن تحدث الصورة.
Page Generation: 0.44519
Total : 101