أغلب الظن أن معظمكم يتابعون تصفيات أمم أوربا (يورو 2016)، التي تقام الآن في ملاعب العاصمة الفرنسية، وربما تعرفون أسماء نجوم اللعبة ومشاهيرها. بيد أن الملفت للانتباه في تشكيلة المنتخبات، أن معظم اللاعبين ينحدرون من أصول أفريقية أو عربية أو تركية، ولا ينتمون إلى السلالات الجرمانية أو السكسونية أو السلافية، فتجد العربي (سامي خضيرة)، والغاني (جيروم بواتينغ)، والتركي (مسعود أوزيل) يلعبون جنبا إلى جنب في صفوف المنتخب الألماني، وتجد الجامايكي (رحيم ستيرلنغ) في صفوف المنتخب الإنجليزي. لا أحد ينعتهم بنعوت عنصرية، ولا أحد يستفزهم بعبارات جارحة، فقد اختفت النعرات الفاشية، وتلاشت النزعات النازية، ولم يعد لها وجود إلا في ذاكرة الأيام التي طواها الزمن إلى غير رجعة، في حين ظل التنابز بالألقاب، وظل التهامز والتلامز متفشيا في ديارنا منذ العصر الجاهلي وحتى يومنا هذا، وظلت التصنيفات الطبقية المخالفة للشرائع والأعراف متسيدة على المواقف السياسية والاجتماعية، والأنكى من ذلك كله إن الحكاية اليتيمة الملفقة، التي رواها الطبري منذ أكثر من ألف عام عن سكان جنوب العراق، والتي زعم فيها إن (محمد القاسم) هو الذي جلبهم من الهند في القرن الأول الهجري مع قطعان الجاموس، على الرغم من ولادة محمد القاسم عام 691 للميلاد، وموته عام 714 عن عمر قصير ( 23 سنة)، بينما ولد الطبري عام 839 م، ومات عام 923 م. لكن تلك الرواية العتيقة البالية ظلت تشوه صورة عرب الأهوار، ثم تحولت إلى خناجر عنصرية حرمتهم من أبسط استحقاقاتهم، فكان من الطبيعي أن تترك رواسبها في عقول بعض السياسيين العراقيين، من أمثال (طه اللهيبي)، الذي التهبت مشاعره المعادية لهم متأثرة بنيران الطبري، فلا اللهيبي ولا الطبري، ولا أي مخلوق آخر من ذوي العقول المعطوبة يمتلك القدرة على فك رموز الألواح السومرية، التي يظهر فيها جلجامش، قبل ولادتهما بعشرات القرون، وهو يصارع الجاموس، آخذين بنظر الاعتبار إن (الثور المجنح) بقوائمه المطابقة لقوائم الجاموس المائي، هو الذي كان يمثل شعار الدولة العراقية في وادي الرافدين، لكنك ما أن تسمع ثرثرة الأغبياء ومهاتراتهم الفارغة، وتقارنها بحجم التحضر الإنساني الذي حققته الشعوب الناهضة، حتى تشعر بخطورة الأفكار التي توارثها الطائفيون والعنصريون وأصحاب العقول المتحجرة. فمتى يتعلم هؤلاء من الشعوب التي حققت العدالة الإنسانية بأروع صورها ؟، وما الانطباع الذي سيحمله الطبري لو شاهد المنتخب الوطني الفرنسي، الذي يضم الآن أفضل المهارات الكروية الأفريقية ؟، وما الذي سيقوله لو شاهد تضامن الفرنسيين، ووقوفهم خلف منتخبهم ذو الأصول الأفريقية ؟، وما الذي سيكتبه في سجلاته البالية لو علم إن الهنود يقفون الآن في طليعة البلدان المتميزة في العلوم والفنون والآداب ؟، ويشكلون 90% من حجم القوى العاملة في حوض الخليج الغربي ؟، أغلب الظن أنه سيرمي بنفسه من قمة برج إيفل، وربما يبدي اعتذاره وتأسفه، ولات حين مندم.
مقالات اخرى للكاتب