العراق تايمز: كتب الخبير البحري كاظم فنجان الحمامي..
هذه هي الحلقة الأخيرة من حلقات العتاب التي سيطويها النسيان، ولن تضيف شيئاً لخارطة التهميش التي ظلت تتجاهل البصرة وتستبعدها منذ عام 2003 وحتى هذه الساعة، ثم ما فائدة العتاب بعدما فقدت البصرة استحقاقاتها كلها بفضل بركات الديمقراطية المزعومة، وبفضل برامج التكنوقراط التي اختارت أثنين من الوزراء من قرية نائية من قرى صلاح الدين، وعلى وجه التحديد من قرية (الحجاج). اختارتهم من شارع واحد، ومن عشيرة واحدة، ومن رقعة صغيرة لا تزيد مساحتها على مساحة ساحة الرمل في الزبير.
وزيران من أسرة واحدة، هما وزير البيئة ووزير الدولة لشؤون المحافظات، وتم تنصيب ابن خالتهما: الطبيب (رائد إبراهيم) محافظاً لصلاح الدين. قرية صغيرة واحدة خرج منها وزراء ونواب وسفراء وقناصل وقادة.
بينما البصرة التي تزيد مساحتها على مساحة دولة (قطر) بعشر مرات، وأكبر من مساحة مملكة البحرين بخمسين مرة، وتساوي أربعة أضعاف مساحة الكويت، وفيها أكبر وأقدم موانئ الشرق، وأوسع المنافذ البرية المتصلة بثلاث دول من دول الجوار، وفيها من الكفاءات والطاقات ما يفوق الكفاءات الموازية لها في أكثر من دولة عربية، لكنها لم ولن تنال استحقاقها، ولن تستطيع أن توصل صوتها، ولن يسمعها أحد.
هل تذكرون كيف سقط العراق كله بيد الأمريكان في الأيام التي ظلت فيها البصرة تذود بالدفاع عن حدودنا البرية والبحرية، ولم تسقط أسوار البصرة حتى آخر نفس. هل تذكرون كيف كانت مدينة أم قصر تقاتل وحدها بصمت، ولم تتراجع حتى اليوم الذي سقطت فيه مدينة زاخو في أقصى الشمال. هذه هي البصرة وهذا هو وجهها الحقيقي.
في البصرة قصبات مساحتها أكبر من مساحة بعض دول الجوار، ومواردها النفطية والزراعية والمينائية أكبر من موارد الأقطار الاسكندينافية، وفي البصرة رجال ظلوا يحملون شعلة الوطنية، ويحلقون في فضاءات العفة والنزاهة والاستقامة، لكنهم متهمون دائماً، ومهمشون دائماً، ومُستبعدون دائماً، لأنهم ليسوا على المرام.
المضحك المبكي أن البصرة التي يدافع أبناؤها الآن عن شمال العراق ليس عندها شهيد واحد من شهداء مجزرة (سبايكر)، أتدرون لماذا ؟. لأنهم لا يمتلكون تأشيرات الانخراط بدورات الضباط والطيارين أسوة بأبناء المحافظات الوسطى والشمالية.
تصوروا. حتى (سبايكر) حرموا أبنائنا منها حتى لا يمنحونهم فرصة واحدة لنيل شرف الاستشهاد. لكننا سنواصل الجهاد والبناء بطريقنا الخاصة، وكنا أول من لبى نداء الجهاد لحماية الموصل وصلاح الدين من الغارات الهمجية، وسنحمي عرضنا وأرضنا بطريقتنا البصراوية المعهودة، التي لا تعرف الطائفية، ولن تؤمن بها، والتي لا تعرف التواطؤ ولا التخاذل ولا الانبطاح، ولا تجيد الرقص فوق حبال السيرك السياسي.
نحن باختصار لا نعرف الذل ولا نعرف التزلف. وسنعيش هكذا بكرامتنا تحت سقف هذه المدينة الفيحاء وفي ربوعها وبين بساتينها الوارفة الظلال، لا فوارق تفصلنا عن بعضنا البعض، وسنبقى موحدين منسجمين متوافقين بكل أطيافنا وألواننا. سنة وشيعة وصابئة ومسيحيون وعرب وأكراد. تجمعنا الروح الوطنية الشفافة في هذه المدينة العريقة، التي ظلت تحمل صولجان العلوم والفنون والآداب حتى يومنا هذا. وستظل توقد فنارات الانتماء للعراق العظيم حتى قيام الساعة.
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين