العراق تايمز: كتب جعفر عبد الأمير لبجة..
لم تزل كتب المذكرات من اهم مراجع تاريخنا الحديث، بل ان العديد مما انتجه أدب المذكرات في الفكر العراقي الحديث، اصبح مصدرا لايستغنى عنه في الدراسات التاريخية الحديثة. وتبدو اهمية ذلك في الوقت نفسه الذي شهد العراق نكبات متلاحقة لمراكز توثيق تاريخه، أدت الى فقدان الكثير من الوثائق الاصيلة، مما دفع الباحثين الى الاستعانة بمصادر اخرى،
في مقدمتها كتب المذكرات. ومن هذه الكتب، مذكرات احد العاملين في البلاط الملكي وهو السيد باقر الحسني الذي اشتهر بباقر بلاط لطول خدمته في البلاط، قريبا من الملك او وصيه، منذ تأسيس الدولة العراقية سنة 1921. وهذه المذكرات صدرت بعناية وإعداد الدكتور نزار الحسني، من مشاهير الأطباء العراقيين المحدثين.
والكتاب يحتوي اثني عشر فصلاً، جاء في الفصل الأول: دوافع تأليف الكتاب حيث يقول: كان من أوليات هواياتي مطالعة الكتب ومشاهدة الأفلام التي توثق تاريخ العراق الحديث، ولم يخطر ببالي أبداً أني سأكتب في هذا الموضوع، حيث أن جميع الكتب التي قمت بتأليفها والبحوث التي نشرتها كانت في الطب والجراحة، وهما مجال اختصاصي.
الفصل الثاني حوى السيرة الذاتية للسيد باقر أحمد الحسني، حيث ظهر أنه من مواليد الكاظمية 1894، ولما توج الملك فيصل الأول في 23/ 8/ 1921 اختاره الملك ضمن حاشيته الملكية كونه من أبناء عمومة الملك من السلالة الحسنية، وعين بوظيفة أمين البلاط مع ثلاثة من أقرانه وهم (داود الحيدري، وخير الدين العمري، وناصر محمود النقيب) على أن يحتفظ السيد باقر الحسني بزيّه الديني أي العمة الخضراء، والجبة الطويلة مع لقبه(سركشك) الذي يعني (رئيس المرشدين في العتبات المقدسة).
رافق الملك فيصل الأول في زيارته الرسمية إلى إيران، ومن حينها خلع زيه الديني ولبس اللباس المدني، وبقي في وظيفته مساعداً لرئيس التشريفات الملكية لغاية 28/ 7/ 1945 وكان موضع ثقة الأسرة المالكة. بعدها بعام عيّن مديراً عاماً للبرق والبريد، ثم مديراً عاماً للنفوس. في عام 1955 أحيل على التقاعد، أنتخب نائباً عن مدينة الكاظمية في مجلس النواب إلى 13/ 7/ 1958، أي حتى سقوط النظام الملكي وقيام الجمهورية.
في 5/ 8/ 1958 بعد ثلاثة أسابيع على ثورة تموز توفي بالسكتة القلبية، ودفن في مقبرة الأسرة في الصحن الكاظمي الشريف.
الفصل الثالث يتناول (الحسنيّون في التاريخ الحديث).عام 969 ميلادي استطاع (جعفر بن الحسن وهو من سلالة موسى الجون) أن يؤسس إمارة أطلق عليها (شرافة مكة) استمرت حتى عام 1925 ميلادي، حيث قضى عليها الملك عبدالعزيز آل سعود.إذاً تنتسب العائلة المالكة التي حكمت الحجاز والعراق والأردن إلى رميثه بن أبي نمي الأول، وتنتسب أسرة باقر الحسني صاحب السيرة إلى حميضة بن أبي نمي الأول، والعائلتان أبناء عمومة.
في الفصل الرابع يتناول المؤلف مدينة الكاظمية في النصف الأول من القرن العشرين (1900- 1950)، يذكر المؤلف أن عدد سكان الكاظمية أيام الاحتلال البريطاني بلغ (15000) خمسة عشر ألف نسمة، وعدد بيوتها (3000) ثلاثة آلاف دار، وعدد الخانات كنزل للزائرين (5) خانات، وعدد الحمامات (4). في الخمسينات توسعت المدينة، وارتبطت بها مدينة الحرية (الهادي) ومدينة الشعلة، قبلها كانت تتصل بالكرخ بواسطة ترام(كاري) يسير على سكة حديد يسحبه حصانان، أنشأه الوالي مدحت باشا عام (1870) أزيل هذا الترام في 1946/2/19.ترتبط الكاظمية بالأعظمية بجسر خشبي عائم على دوب، وبممر واحد أقيم هذا الجسر بآمر المشير هدايت باشا.
أول سيارة دخلت الكاظمية هي سيارة باقر الحسني، وهي من نوع فولرد وذلك عام (1928)، كانت بدون رقم، حيث كان يكتب بدل الرقم أسم مالك السيارة على لوحة الأرقام. برز من رجال الكاظمية (السيد محمد الصدر رئيس الوزراء، ومحمد فاضل الجمالي رئيس الوزراء، ووزراء وأعيان مثل هبة الدين الشهرستاني وعبدالحسين الجلبي وعبدالهادي الجلبي وعبدالكريم الأزري ورشدي الجلبي وعبدالرسول الخالصي وغيرهم كثير).
الفصل الخامس: ويتحدث فيه المؤلف عن عهد الاحتلال البريطاني 1914= 1921، نجح السيد علي البرزكان بتأسيس حزب حرس الاستقلال وضم إليه (محمد حسن كبه ومنير أفندي وجعفر الشبيبي وكاظم الدجيلي وجميل صدقي الزهاوي وأحمد الشيخ داود والسيد محمد الصدر وباقر الشبيبي وجعفر أبو التمن)، ثم تأسيس جمعية الشبيبة الجعفرية وكان من أعضائها (صادق البصام ومحمد الشماع وباقر سركشك وكاظم الشماع وعبد الرزاق الأزري وصادق حبه وجعفر حمندي وذيبان الغبان ورؤوف البحراني) وغيرهم، وكان من نشاطها لصق المنشورات الوطنية على أبواب المساجد وإقامة التجمعات لإلقاء الخطب والقصائد للتنديد بالاحتلال وتأليب الناس على الاحتلال.
يقول علي البازركان:(كنت كثير التردد على الكاظمية لزيارة محمد مهدي الصدر والشيخ عبدالحسين آل ياسين وغيرهم من علماء الكاظمية). إن السيد محمد مهدي الصدر قال للسيد علي البازركان: ان الشيخ محمد رضا نجل الشيخ محمد تقي الشيرازي جاء من سامراء إلى الكاظمية للاطلاع على تحضيرات الحركة الوطنية والاجتماع بزعماء الحركة والقائمين بها في اليوم التالي ذهب البازركان بصحبة السيد باقر السركشك إلى محمد رضا الشيرازي وتباحث معه سبل المواجهة والتحضير للثورة، ونقل لوالده تفاصيل التحضير للثورة إلى سامراء حيث مقره.
كتب الشيرازي رسالتين الأولى إلى السيد جعفر أبو التمن طالباً فيها استمرار القيام بالتظاهرات والرسالة الثانية موجهة إلى الشعب العراقي طالباً فيها القيام بالتظاهرات والاحتجاج على السلطة البريطانية مع المحافظة على الأمن والممتلكات العامة وحثهم على الوحدة وعدم التفرقة.
ترشيح فيصل لعرش العراق
بعد وصول (برسي كوكس) إلى بغداد في 11/ 10/ 1920 أمر بتشكيل حكومة عربية مؤقتة برئاسة عبدالرحمن النقيب نقيب أشراف بغداد ضمت تسعة وزراء أصليين منهم طالب النقيب وزيراً للداخلية وجعفر العسكري وزيراً للدفاع وساسون حزقيل وزيراً للمالية، وأختار (برسي كوكس) اثني عشر وزيراً بلا وزارة، وقد حدد بناية القشلة مقراً للوزارة على أن يتم الاجتماع مرتين في الأسبوع في دار النقيب على شاطئ دجلة في محلة السنك.
في 22/ 10/ 1920 عقد أول اجتماع لمجلس الوزراء حضره المندوب السامي السير بريس كوكس حيث قرر مجلس الوزراء تعيين ضابط بريطاني لكل وزير بصفة مستشار، وفي كل لواء محافظ (متصرف) ومعه حاكم عسكري بريطاني مع تعيين عدد من الضباط الانكليز في دوائر الدولة، وعلى هذا الأساس أصدر الشيخ مهدي الخالصي فتوى بتحريم الاشتراك بدوائر الدولة وقد لاقت هذه الفتوى رواجاً بين أوساط الشيعة وأصبحوا يرفضون الوظائف التي تعرض عليهم.
في 14 شباط وصل برسي كوكس القاهرة ومعه مس بيل السكرتيرة الشخصية ومن العراقيين جعفر العسكري وساسون حزقيل، وحضر ونستون تشرشل وزير المستعمرات البريطانية ولورنس الضابط الكبير، في 31/ 3/ 1921 وصل الأمير فيصل بن الحسين إلى القاهرة قادماً من لندن بصحبة كروانليس. يتزعمهم (فيلبي) يطالبون بإقامة نظام جمهوري إلاّ أنهم التزموا الصمت بعد نفي طالب النقيب خارج العراق.
في 30 /5/ 1921 أصدر مجلس الوزراء عفواً عاماً عن جميع المشاركين في الثورة حتى يكون رجال الثورة أحرارا ليرافقوا موكب الملك عند قدومه.
في 23/ 6/ 1921 وصل فيصل والمرافقون له البصرة، وجرى استقبال حافل لهم.
في 29/ 6/ 1921 وصل فيصل بغداد بالقطار.
في 30/ 6/ 1921 وصل فيصل عصراً برفقة جعفر العسكري إلى الكاظمية وقد كست الكاظمية أبهى حللها، وتوجه إلى الصحن الشريف لزيارة جده الكاظم، وعند الزيارة ردد فيصل يا جداه للإمام ثلاث مرات. وبعد مراسم الزيارة تفقد رجال الدين في الكاظمية منهم حسن الصدر ومحمد الصدر والشيخ محمد حسين آل ياسين والشيخ مهدي الخالصي، ثم عرج على قصر الأيل لزيارة الحاج عبدالحسين الجلبي من أعيان الكاظمية.
تم التتويج يوم 23/ 8/ 1921.
في 4/ 9/ 1921 هل شهر محرم الحرام وهو الشهر الذي يعلن فيه الشيعة الحداد فقرر جلالته أن يزور مدينة الكاظمية ويحضر التعزية التي أُقيمت في الصحن الكاظمي الشريف لليوم العاشر من محرم. أُعدت للملك مقصورة فوق باب القبلة لاستعراض المواكب الحسينية، وقد حضر الملك بزيه العربي يرافقه جعفر العسكري وزير الدفاع ونوري السعيد مدير الشرطة العام في حينها.بعد الانتهاء طلب الملك من الشيخ علي الكليدار سادن الروضة أن يعد مجلس عزاء لمدة عشرة أيام في الصحن الكاظمي باسمه وعلى نفقته الخاصة، وطلب من السيد باقر سركشك المتابعة والاشراف، وكان يقرأ المجلس قارئ الكاظمية (الشيخ كاظم آل نوح) وظل الملك يحضر هذه الجلسات في محرم لعدة سنوات تالية.
في 16/ 8/ 1921 زار الملك السيد جعفر عطيفة من أعيان الكاظمية ورئيس بلديتها في حينه.
في 23/ 8/ 1922 أقيمت احتفالية بمناسبة مرور عام على تتويج الملك فيصل ملكاً على العراق، بدأ الاحتفال البسيط الرمزي وذلك لتزامنه مع حلول شهر محرم الحرام عند الشيعة.
في هذه الأثناء دخلت ساحة القشلة مجاميع من المتظاهرين بلغ عددهم عشرة آلاف متظاهر من مؤيدي الحزبين المعارضين بعد أن طافت شوارع بغداد تهتف بحياة الملك، ألقى فيها مهدي البصير خطاباً نارياً باسم الحزب الوطني ومحمد حسن كبه باسم حزب النهضة.
في هذه اللحظات صعد المندوب السامي مع المسز بيل ودخلا غرفة الاستقبال، وبينما هو يصعد على السلم نادى بصوت عال (حسون أبو الجبن) فلتسقط بريطانيا، وما أن سمع الجمهور ذلك حتى دوى بعاصفة من التصفيق ما جعل المندوب السامي عابس الوجه مكفهراً، فظن الجميع أن هذا يجري باتفاق مع الحزبين وليس عاطفة جماهيرية. خرج المندوب السامي غاضباً بعد أن هنأ الملك بالمناسبة، وطلب في اليوم التالي إقالة (فهمي المدرس) واتخاذ إجراءات رادعة بحق الخطيبين، وقد نفذ الملك هذه المطالب مضطراً، في اليوم نفسه شعر الملك بألم في بطنه، وبعد الفحص تبين أنه يعاني من الزائدة الدودية، وقرروا إجراء عملية جراحية للملك. وتم إعلام المندوب السامي بذلك فحضر العملية وقابل الملك وهو على السرير وطلب منه إصدار أمر ملكي باتخاذ إجراءات لدعم الأمن والاستقرار إلاّ أن الملك رفض ذلك قائلاً: قد لا أصحو من الغيبوبة، فكيف تطلب مني أن يكون آخر أعمالي عقاب الآخرين.