يكشف الجدول المزمع إعلانه سلما ً للرواتب الجديدة لموظفي الدولة عن إنحطاط تام في مفهوم وحس العدالة عند الذين وضعوه ، كما يعلن قطيعتهم عن الواقع العراقي وشروط المعيشة المادية فيه ، وهو إذ يكرس واقعا ً طبقيا ً تبتكره الطبقة السياسية الحاكمة برؤيا برجوازية إقطاعية إسلاموية معادية ، فأنه يصدر أوامر الهلاك للطبقة الوسطى التي كانت ولم تزل تشكل المساحة الإجتماعية الأوسع في العراق ، وقد آن الأوان لسحقها اقتصاديا ً "معيشيا ً " وتحويلها الى درجة الفقر والفاقة .
تشكيلات الفساد والأمية الشاملة في إدارة الدولة ، وإنهيار منظومات الأخلاق والحرص الوطني وسيادة منطق النهب والسرقة ، هذه أبرز السمات التي طبعت العراق بعد 2003والى وقت كتابة هذا المقال .
تلك السياسة التي تكرس فيها ضياع ثروات الوطن وطاقاته العلمية والفكرية وفرص بنائه ، تركزت في ثماني سنوات من حكومة نوري المالكي ،تجلت فيها كل اشكال الخراب وهدر المال العام في صفقات وهمية وأخرى فاشلة ، وسوء إدارة وفشل في التخطيط والتدبير وضياع طال حتى المدن والبشر على نحو غير مسبوق في تاريخ العراق والعالم .
تلك السياسات الرعناء المجنونة الفاسدة أنتجت إفلاسا ً في ميزانية الدولة ، وتكشف عري الدولة الوهمية التي لاتملك رصيدا ً في الزراعة والصناعة وانتاج الطاقة ومشتقاتها أو اي موارد اخرى، رغم أنها حوض عملاق لتلك الثروات ، وحين انخفضت اسعار النفط بانت العيوب التي تغطيها عائدات النفط ، وبعد تخبط في محاولات البحث عن إيجاد علاج لهذا النقص الفادح وتراجع الإمكانية النقدية لدرجة العجزعن دفع رواتب الموظفين والجند ، راح البعض من ذوي العقول المخموجة والتفكير السلبي ، في نهب المجتمع والطبقة الوسطى تحديدا ً كونها الضعف ، وذلك بخفض مدخولاتها تحت عنوان السلّم الجديد للرواتب ، وهي عملية تسليب صريح وصلف يستدعي أعلى حالات الرفض والمقاومة من الشعب .
ان واقع حال الطبقة الوسطى التي تعتمد على رواتبها للمعيشة وكذلك المتقاعدين ، هم ليسوا في بحبوحة عيش وغنى ، بل هم يقوّمون الأمور في حدود الممكن أو الإكتفاء أو الشح أحيانا ، لكن واضعي جدول الرواتب الجديد ، يبدو لي أنهم من خارج هذا العالم الذي تعيشه الطبقة الوسطى ، وإلا كيف تستقطع مامعدله 30- 40% من رواتب الطبقة الوسطى وهم عموم الشعب ، ويعيشون بحدود الإكتفاء ...؟
الغريب بالأمر ان التسليب في هذا القانون ذهب للطبقة الوسطى تحديدا ً ، ولم يسأل أو يشمل اصحاب الرواتب المليونية والنثريات المليارية والصفقات والخدمات الإجتماعية والحمايات والإيفادات ...! بمعنى أنه استهداف علني وشرس للطبقة الوسطى بهدف إفقارها وهلاكها معيشيا ً .
واضعوا هذا القانون السيء لم يفكروا بنتائجه اقتصاديا ً واجتماعيا ً وسلوكيا ً، ومانوع الجرائم التي ستترشح عنه للواقع ، وحجم الأثم والأنتقام الذي ستلقاه الطبقة السياسية الحاكمة ، وهي تعادي الشعب وتحاربه برغيف يومه وتسعى لإذلاله معيشيا ً بعد ان سرقت ثرواته وأمنه ومستقبله وحلمه بحياة حرة كريمة .
مقالات اخرى للكاتب