استقبلني السادة اعضاء المجلس البلدي لاحد الاقضية بحفاوة مبالغ فيها، وقدموا لي العصائر والنساتل والشاي والقهوة والمياه المعلبة الباردة، فضلا عن علبة من السجائر الفاخرة.
قلت لهم، انتم تعلمون ايها الاخوة الافاضل انني هنا لاجتمع معكم حول الانطلاق ببناء محطة كهرباء لمدينتكم الجميلة، وانا مستثمر معروف على مستوى كل البلاد، ونفذت وانفذ عشرات المشاريع الخدمية والاستثمارية.. هل تريدون ان اتكلم عن ايجابيات هذه المحطة الكهربائية لمدينتكم؟
قال رئيس المجلس: اترك هذه التفاصيل.. ولنتحدث عن حصصنا أولاً.
قلت له: مسالة حصصكم لم أنساها، لكنها تتعلق بنوعية المحطة وعمرها التشغيلي..
قال: ماكو مشكلة حبيبي.. كم يمكنك ان تدفع لكل منا قبل ان تحصل على تواقيعنا..
قلت له: حسنا.. انتم تسعة اعضاء، لكل منكم 10 الاف دولار..
قال: المبلغ تافه وبسيط.. يمكننا ان ناتي بمستثمر اخر اكثر كرماً منك!
قلت: لكن كما قلت لكم، المسالة تتعلق بنوعية المحطة والوقت الخاص بالانجاز..
ثم اتفقنا على ان تكون حصة كل عضو 25 الف دولار، وحصة رئيس المجلس 30 الف دولار، لانه على راسه ريشة كما قال هو، مع الاشارة الى ان احد الاعضاء رفض استلام اي مبلغ وقال ان هديته هي سرعة تنفيذ المحطة لتقديم خدمة للمواطنين، في موقف غريب لم اصادفه سابقا.
ثم اضافوا شروطا اخرى، منها ان يكون لهم حق تشغيل 50% من العمال اثناء العمل، و25% من كادرها الفني عند التشغيل، كما الح احد الاعضاء على تعيين اخت زوجته، المهندسة العانس كمديرة للمحطة، وتعيين ابنة شقيقه، العانس هي الاخرى، كسكرتيرة لمديرة المحطة، رغم ان هذه الوظيفة غير موجودة.
وطلب عضو اخر، ان تكون التغذية الكهربائية اولا باتجاه احد الاحياء السكنية حيث يقع بيته وبيت مسؤوله الحزبي، فيما طلب اخر، ان تكون تغذية البيوت السبعة القريبة من المحطة، والعائدة له ولاشقاءه بشكل مجاني لانها ستتحمل الضوضاء، علما انه لن يكون هناك ضوضاء عند التوليد.
وانفض الاجتماع وخرجنا جميعا راضون باستثناء هذا العضو النحس.
وفي نهاية الاجتماع عرضت عليهم ما تبقى من اموال بناء هذه المحطة، بعد استقطاع حصة بعض المدراء الخدميين في مركز القضاء لانني بحاجة لدعمهم الفني والاداري، واكدت لهم، ان خططي كانت تقوم على جلب محطة يابانية اصلية وعمرها التشغيلي 30 سنة مع صيانة مجانية لمدة 5 سنوات، والتنفيذ خلال 9 اشهر، لكن بعد هذه الهدايا والعمولات، ساستقدم محطة تايوانية المنشأ ومن الدرجة الرابعة، عمرها التشغيلي سنتين، بدون صيانة مجانية، ومدة التنفيذ خمس سنوات.. فوافقوا جميعا، باستثناء ذلك العضو النحس الذي "باع وطنية براسنا".
وبينما كنت اودعهم خارج المبنى سقط بيننا عامود الكهرباء القريب جدا منا، بشكل فجائي، ونجونا باعجوبة، لكن ذلك العضو النحس لقي حتفه لان راس العامود سقط على راسه مباشرة، وهنا ضحك احد الاعضاء وقال، الشاهد الوحيد على اجتماعنا غادرنا بسرعة وبدون ان ينبس بابنة شفة.
مقالات اخرى للكاتب