نزاع جديد قديم يخرج من كيس المجلس النيابي. العفو العام بعد ثمانية أعوام من الجدل والسجال والمطالبات والرفض، يصل مرحلة القراءة الثانية.
ليس معلوماً ما إذا كان هذه المرة سيمر، رغم تفاؤل القوى التي كانت كانت معارضة له، بعد أن نجحت بتشذيبه بحدود المتاح من شروطها. القانون أثار غضب المطالبين به، كونه لم يلبِ طموحاتهم. القوى السنية وبعض اطراف كتلة الوطنية، اضافة الى كتلة الاحرار الصدرية، عارضته، وللطرفين انتقاداته الخاصة. الصدريون يريدون أن يطلق سراح من حمل السلاح ضد الامريكيين، بمبرر أنه مقاوم ويجب أن يكافأ لا يعاقب. بينما تنبع انتقادات تحالف القوى من تحفظات على آليات تطبيق المادة (4 ارهاب)، اي المادة التي تنص على عقوبات المدانين بتنفيذ العمليات الارهابية والمساعدة عليها. لذلك تطالب من قانون العفو أن ينص على تشكيل لجنة لمراجعة الادانات الصادرة، على اعتبار أن بعضها جاء باعترافات اخذت بالقوة. في المقابل، تواجه دولة القانون ومعها كتلة المواطن هذه المطالبات بالرفض.
السبب الذي أعلنه أكثر من طرف شيعي رافض للمطلب السني، أن مثل هذه العملية غير واقعية، حيث تحتاج الى اجراءات زمانية ومكانية وعدد كبير غير متوفر. لكن غير المعلن من العملية ان هذه الاطراف لا تريد الاقرار بأي حال بـ"عدم نزاهة العملية القضائية التي بموجبها صدرت الاحكام". بينما رفض مطلب التيار الصدري فهو ايضا لسببين بحسب مصادر من داخل دولة القانون؛ فالسماح لقصة "المقاومة" أن تكون معياراً قضائيا سيفتح الباب امام العديد من القضايا لتتخذ طابع البراءة. الامر لا يقتصر على التيار الصدري فقط، فلا يمكن ان تعامل المقاومة كقضية شرعية. وأيضا ان قتال "المقاومين" شاركت فيه "قوات عراقية شرعية"، لهذا لا يمكن القبول بمطلب أن من يحارب القوات الاجنبية شرعي.
لكن التحفظات بعد القراءة الثانية، وهي قراءة مثيرة للغط والجدل، باتت صعبة الحل أمام مجلس النواب. فبعد خلافات السبت المنصرم، لم يعد بمقدور المجلس القيام بالكثير، لهذا حان الوقت للبرلمان الفعلي في البلاد، وهو قيادات الكتل، الاجتماع والاتفاق او عدم الاتفاق. لكن القادة مختلفون لدرجة تحول دون أي مباحثات جماعية، ربما سيرسلون ممثلين عنهم، ويعود الممثلون عند أي خلاف اليهم، وهكذا الى ما لا نهاية. لم يتفقوا سابقاً كي يفعلوا ذلك اليوم. فلا عفو ولا نفط ولا اتحادية ولا حرساً وطنياً، ستبقى منهجية الأمر الواقع مستمرة، وبذلك تستمر حكومة اللاملامح.
ولأن قانون العفو مرتبط بشكل محوري بـ"المصالحة"، سيبقى الاتفاق عليه مستبعداً. وان حصل، لن يكون مهماً في تحقيقها، لأنه يقدم بشكل منفرد وليس ضمن صفقة اجراءات السلم الأهلي والسياسي الضرورية للانتقال نحو مرحلة أخرى، وهذه المرحلة هي المصالحة التي لا يحبذ وجودها المعتاشون على انقسام الشارع ونزاعاته. فحتى الان، الاعتراضات على القانون تخضع لتوجهات هذا الطرف او ذاك، والموافقة عليه ايضا. هو مكتوب برؤية منفصلة عن "المصالحة الوطنية" التي تعني بالضرورة اتفاقاً شاملاً يتضمن تنازلات متبادلة وجادة، وعلى أساسها يصدر مشروع متكامل يحتوي الأزمات المتناسلة.
ومع غياب "اسئلة" المصالحة عن قانون العفو، يظل خاضعاً للأهواء والكسب السياسي أمام ناخب سريع التصديق بأباطيل الربح الحزبي.
مقالات اخرى للكاتب