آية. التي لم تبلغ الثانية عشرة من عمرها وجدت نفسها بين ليلة وضحاها ترتدي بدلة العرس البيضاء وتساق الى بيت عريسها، رغما عن أنفها اذ لم يسألها والدها او حتى يخبرها الا قبل ايام من الزفاف. آية التي كانت ترى العرائس في الأفلام والمسلسلات او تسمع عن زفاف جارة لهم او قريبة، فوجئت في ليلة العرس الاولى إذ لم تكن تحسب او تعرف العقاب الذي ستتعرّض له وذاك الألم الذي لم يفارق ذاكرتها يوما ما. صرخت، بكت، تألمت ثم هربت في اليوم الثاني لتبدأ وتيرة المشاكل تتصاعد، مع كل علاقة حميمة، ما ان خفت بعد حين حتى عادت خاصة بعد ولادة الطفل الاول الذي أعقبه آخر، لكن سرعان ما انتهى هذا الزواج بالطلاق بعد تقاعس الزوج عن تحمّل مصاريفهم المادية!
غرفة التعذيب الزوجي
عن كيفية زواجها ورأيها قالت الزوجة القاصر شيماء كريم لـ(المدى): وُلِدتُ بمجتمع عشائري يزوج الفتيات بعمر مبكر رغماً عنهن، مضيفة: عُنفت من قبله لأنه أرادني في ليلة وضحاها ان أكون ناضجة وواعية وأترك الطفولة بالرغم من اني كنت اقول له دائما أُريد العودة الى أمي.
وعن العلاقة الزوجية قالت: كانت مثل حالة الاغتصاب أُجبر عليها كلما رفضتها لأني تفاجأت بما يعنيه الزواج ثم تمرضت بسبب ذلك وساءت حالتي الصحية، في وقتها لم اكن أُفكر بالانفصال لكنه طلب ذلك بعد ان أيقن أني صغيرة في العمر ولا أنفعه، مسترسلة: وبسبب حالتي النفسية المتعبة جدا اصبحت أتهرّب منه وأخاف الدخول الى الغرفة لأنها المكان الذي تألمت فيه جدا.
وعن موافقتها في الزواج من عدمها ذكرت: لم يؤخذ رأي أحد في الزواج، أهلي وأهله اتخذوا القرار وقرروا يوما سيكون يوم الخطبة، وفي يوم سوف نتزوج حددوا يوم الخطبة ويوم الزواج. مبينة: ان الخطبة استمرت ما يقارب الشهرين، تزوجنا بسرعة، لم أتعرف عليه جيداً في الخطوبة ولم اكن واعية بما يكفي. منوهة: انه لم يكن يقدّر المرأة ولا يحترمها ولا يصونها، وغالبا ما كان يضرني!
اطلاقات نارية وعصا الشرطة
وبشأن ردّة فعلها حين تُضرب قالت: لم يكن امامي سوى البكاء وطلب الذهاب لوالدتي وكان لا يأخذني إليها لأنها بعيدة ولم القَ أي حضن حنين يحتضنني برغم أننا كنا عائلة كبيرة تفاجأت بأسلوبه معي، حيث انه لا يبالي ولا يهتم للمرأة، لكنه يرفض ذلك دائما حتى افراد عائلته لم أجد منهم أي تعاطف أو حنيـّة.
وأضافت: كان يضربني بكل شيء يقع بيديه، مرة أطلق عليَّ الرصاص لكنها لم تصبني ومرة اخرى ضربني بسكين وثالثة بعصا الشرطة ناهيك عن الضرب باليد، مستطردة: في حملي الاخير تعرضت لضربٍ مُبرح وشعرت ان قلبي سيتوقف فسقطت على الارض ونُقلت الى المستشفى وبعد ان وضعت على اجهزة القلب والتخطيط عُدت قليلا الى حالتي الطبيعية لكني فقدت طفلي.
وعن ردود فعل أهلها ذكرت: أهلي قالوا لي ان هذه هي المرأة فهي تُضرب وتُهـان وتتحمل كل شيء في الزواج وغير مصونة عند الرجل وأنا أعرف لماذا قالوا لي اهلي هكذا؟ موضحة: ان اهلها لا يريدون تحمل مسؤوليتها ومصاريفها، لهذا زوّجوها بعمر مبكر خاصة بعد ان توفى والدها، لافتة: الى ان العوز والفقر لم يفارقني حتى بعد زواجي فهما من الأسباب التي أدت في النهاية الى الانفصال، فأغلب مشاكلنا كانت من اجل القوت اليومي، لم يكن يتحمّل مصاريفنا ومصاريف الطفل، فكنت كلما أطلب منه المال يضربني.
اللعب ليلة الزفاف
الدكتورة النسائية رواء الجنابي تحدثت لـ(المدى) عن سبب نصح الطب بالزواج بعد ان يكتمل نمو الاعضاء التناسلية، خاصة النسائية، وما خطورة زواج القاصرات ما بين 10 – 14 سنة واكثر حيث قالت: الزواج ليس علاقة جنسية فقط، فالعلاقة الجنسية قد تقام بأعمار مثل عشر سنوات او احدى عشرة سنة او اربع عشرة كما في دول الغرب، مستدركة: لكن يبقى الموضوع خطراً كأن تتعرض القاصرة الى جرح العجان وتمزق المهبل والأعضاء المجاورة له واضطرابات الدورة الشهرية وتأخر الحمل.
واضافت الجنابي: ان القاصرة لا تدرك معنى الزواج وما معنى العلاقة الجنسية، مضيفة: قدم الى عيادتي زوجان صغيران جداً بالعمر وأخبراني أنهما لم يعرفا ما الذي يفعلانه أول يوم، ففضلا أن يركضا في الغرفة، متسائلة: كيف تعرف القاصر الصغيرة بالعمر والمنقطعة عن العالم ما الزواج؟
وأوضحت الإحصائية النسائية: ان هناك فصلا دراسيا في المتوسطة يشرح الاعضاء التناسلية وما العلاقة الجنسية وكيف تتم بطريقة مبسطة، فكيف تعرف القاصر ما العلاقة الزوجية اذا زوّجوها أهلها ومنعوها من الدراسة؟ مشيرة: ان هذا احد الاسباب المهمة التي تعوّض حيث ان الدراسة والوعي واكتمال الاعضاء التناسلية كلها عوامل مهمة - في حال أردنا زواجا صحيا دائما- تجعل من زواج القاصرات خطرا كبيرا على صحتهن وعلى المجمتع.
الوقوف خلف الباب والنصر
بعض الفتيات يذهبن الى أزواجهن في ليلة الدخلة وهن صغيرات جدا ولا يعرفن أي شيء عما سيعشن من تجربة في هذا اليوم .. وبالنتيجة ان النزيف الذي يتعرضن له وألم قد يسبب لهن آثارا وتراكمات نفسية كما حصل مع العديد من القاصرات، عن ذلك أوضحت الدكتورة الجنابي: هناك مشاكل اجتماعية جمة، ما زالت بعض العوائل تقف خلف باب العروسين بانتظار منديل الزواج المبلل بالدم كعلامة على بكر الفتاة. مستدركة: لكنهم لا يفقهون شيئاً حول هذا الموضوع.
وأشارت الدكتورة: لا يقع اللوم على الفتاة فقط، فبعض العوائل تزوِّج أبناءها وهم صغار في العمر ايضا بأعمار ما بين 14–18 وهو لا يعرف كيف تتم العلاقة الزوجية فيدخل الغرفة مرتبكا؟ متابعة: لكنه لابد ان يخرج بانتصار ، لأن أهله يقفون خلف الباب، بالتالي تتعرض الفتاة الى جرح مثل ما قلت لكِ كجرح العجان بعض المتزوجات علقن لي أنهن لم يفهمن شيئا من الزواج سوى الدم والألم والبنج بعد أخذهن للمستشفى لإخاطة جرح العجان .
الحمـل العنقودي
وبشأن الحمل وسلامة الفتيات والقدرة الجسدية على حمل الجنين اوضحت الجنابي: حتى بعد بلوغها الدورة الشهرية تبقى صغيرة وجسدها غير مؤهل صحيا للحمل فقد تتعرض الى الاجهاض اكثر من غيرها، مشددة: انها معرضة للولادة المبكرة ومعرضة لتسمم الحمل اكثر من غيرها، مستدركة: لكن المشكلة التي نواجهها الان مع الفتيات هي مشكلة الحمل العنقودي الذي يحصل كثيرا مع القاصرات.
وأضافت الجنابي: ان الحمل العنقودي لا يوجد حمل حقيقي وانما يتكون جسم باتحاد الحيمن مع البويضة يشبه بعنقود العنب ويظهر في تحليلات الحمل انها حامل لكنه ليس حملا حقيقيا، مشيرة: في هذه الحالة تحتاج الى متابعة سريرية واحيانا علاجات كيماوية التي تجعل الفتيات يصبن بالهلع والخوف، لافتة: ان الأهل لا يستوعبون ما نقوله لهم ان ابنتهم بحاجة الى كرتاج ومتابعة سريرية وعناية طويلة .
الفحص الطبي وحجة البلوغ
من جهته أوضح قاضي الأحوال الشخصية علي خلف بحديثه لـ(المدى) الجانب القانوني بزواج القاصرات وسن اهلية الزواج: سن اهلية الزواج في قانون الاحوال الشخصية العراقي حُدد كل من بلغ الخامسة عشر له الاذن بالزواج بعد ان يقدم طلبا للقاضي الذي عليه ان يكمل اجراءات عقد الزواج ويأذن له بالزواج بعد ان يفرق بين من بلغ ومن اكمل الخامسة عشرة.
وعن الكيفية التي يعرف بها القضاء ان هذه الفتاة مؤهلة للزواج قال القاضي خلف: بعد ان يقدم طلب من صاحبة العلاقة وهي القاصر، طلب حجة بلوغ، يقوم القاضي بإحالت الطلب الى اللجنة الطبية في المستشفيات الحكومية لبيان اهلية المتقدمة للزواج طبياً. مضيفا: بعد ان يأتي التقرير الطبي الذي يبين فيه ان فلانة بنت فلان مؤهلة للزواج نتيجة اجراء الفحص يرفق التقرير مع اضبارة الطلب وتدون اقوالها واقوال والدها مع شاهدين بعد ذلك يصدر القاضي حجة بلوغ للقاصر لتستكمل اجراءات الزواج.
القانون والأعراف العشائرية
هل بامكان القانون ان يحد من جريمة زواج القاصرات التي تعد جريمة في الكثير من الدول حيث علق المحامي فراس الخزعلي لـ(المدى): بالنسبة لقانون الاحوال الشخصية النافذ رقم 188 لسنة 1959 القانون حدد العمر اتمام الخامسة عشرة من العمر، لكنه ظل عاجزا امام بعض التقاليد والاعراف العشائرية. موضحا: ان زواج القاصرات يُعد جريمة وفق ميثاق الامم المتحدة لحقوق الانسان وجريمة وفق ميثاق جامعة الدول العربية وبكل القوانين الاجتماعية والانسانية لكن للأسف القانون ما زلنا نعاني من تزويج الفتيات بأعمار صغيرة.
واضاف الخزعلي: ان الدين الإسلامي يسمح للفتاة ان تتزوج بعمر التاسعة اذا ما بلغت وهنا نقع في مشكلة حيث ان هذا يعارض الدستور الذي هو القانون الأعلى وقد ورد في الدستور ان الزواج هو في عمر الخامسة عشرة لكن بعض العوائل تلجأ لتزويج ابنائها خارج المحكمة وبالتالي تخالف القانون وتخالف الدستور .
تدخل الأهل وغياب الوعي!
قبل أن نخرج من المحكمة التقينا بالباحثة الاجتماعية رشا صبيح التي التقت بالعديد من حالات زواج الفتيات القاصرات حيث بيّنت لـ(المدى): ان الفتاة غير مؤهلة للزواج بعمر الخامسة عشرة حيث تفتقد ما معنى الزواج ومواجهة الحياة الزوجية وأوجهها المتعددة، مبينة: من الناحية الجسدية تبقى صغيرة بالاضافة الى الناحية العلمية والدراسية غير مكتملة النضوج.
وعن اسباب طلاق القاصرات ذكرت الباحثة الاجتماعية: ان تدخل الأهل، من أهم الاسباب حيث يسبب مشكلة في العلاقة الزوجية الامر الذي يتسبب بتفكيك الحياة الاسرية اذا كان من قبل اهل الزوج او الزوجة. مضيفة: وازمة السكن لها دور ايضا مع غياب الوعي والادراك الكافي لمعرفة الحياة الزوجية وكيف التعامل مع زوجها وأهل زوجها .
مقالات اخرى للكاتب