ستة أشهر مضت والموصل لازالت أسيرة في يد تتار العصر يدمرون ويشوهون حضارتها ، ستة أشهر مضت والموصل تعاني من الإحتلال الداعشي البغيض ،ستة أشهر ولازالت الحكومة تتجاهل الموصل وما يحدث فيها وكأنها أرض عراقية تنتمي لبلاد الواق الواق،والأقسى من كل ما سبق ستة أشهر مضت والموصل وأهلها في موضع الإتهام والشك من قبل بعض الأخوة في الوطن الذين لم يكتفوا بما حدث ويحدث لأهل الموصل وانهالوا باتهاماتهم وكلماتهم القاسية التي ترى أن أهل الموصل هم سبب المأساة ،وهم من احتضنوا داعش ومكنوها من احتلال الموصل والسيطرة على مناطق سنية عديدة ،هكذا يرى البعض الأمور وهم في نظرتهم تلك يتجاهلون الكثير من امور التي تحتاج إلى وقفة صادقة مع النفس حتى يخرج العراق من المؤامرة التي تدبر له .
إن الإجابة على السؤال التالي كيف ولماذا سقطت الموصل يحتاج منا جميعا أن نعود إلى ما بعد إبريل 2003 وهو التاريخ الذي تم فيه احتلال العراق ،وهو التاريخ الذي شهد سقوط أخر الأنظمة السياسية السنية والتي حكمت العراق منذ نشأته وحتى عام 2003 ،وربما هذا ما دفع قوات الإحتلال الأمريكي عامدة متعمدة إلى تهميش السنة العرب الطائفة التي حكمت العراق لسنين طويلة ظنا منها أن هذا سيجعل الأمور تستقر سريعا في العراق ،وستجعل أركان الحكم الجديد تستقر في العراق وبالطريقة التي خطط لها الأمريكان ومن معهم في مؤتمر لندن وغيره من المؤتمرات التي قادت العراق إلى ما هو اليوم فيه .
لقد تجاهل الأمريكان كل قواعد علم السياسة المعروفة ونسوا أو تناسوا أن تهميش أي طائفة خاصة وان كانت حاكمة للبلد لفترة طويلة سيقود إلى حالة من عدم الإستقرار السياسي ولكنهم لم يبالوا بذلك ،ونظروا للسنة العرب على أنهم أقلية وبدت السياسات الأمريكية وكأنها موجهه تجاه السنة وتتعمد الإضرار بهم وبمصالحهم كمكون عراقي اساسي ،قد يقول البعض أن السنة العرب كانوا حاضرين ومتواجدين في هذه العملية السياسية عن طريق بعضا من ممثليهم الذين لازالوا يحتلون المشهد السياسي العراقي ،وهذا القول مردود عليه بأن السنة العرب لم يختاروا هؤلاء الممثلين ولم يروهم يوما معبرين عنهم بل على العكس ينظرون إليهم أنهم سبب ماحدث ويحدث لهم منذ إبريل 2003 وحتى الآن ،وأنهم سبب ضياع حقوقهم وسبب الظلم الواقع عليهم ،بل وتذهب النظرة الأكثر تشاؤما للقول بأن اختيار هؤلاء الممثلين كان متعمدا حتى يضيعوا حقوق أهل السنة العرب خاصة وأنهم ضعاف ولا يتقنون اللعبة السياسية ،كما أنهم لا يتمتعون بالدعم الشعبي السني الذي يمكنهم من لعب دور حقيقي في العملية السياسية الوليدة آنذاك ،تلك كانت البداية وبداية الخطأ الذي تعمد الأمريكان ومن معهم ألا يصلحوه ويحاولوا في تلك الفترة أن يشركوا هذا المكون الرئيسي ويمتصوا غضبه وألا يجعلوه يشعر بأن التخلص من النظام السابق يعني التخلص منه ،ولقد دفع ذلك السنة العرب خاصة في المناطق والمحافظات السنية إلا أن يتحولوا لمعارض شرس لهذه العملية ورافض لها ،وأن يحاولوا فرض وجودهم في هذه المعادلة ولو بالقوة .
إن المقارنة البسيطة لما قامت به الولايات المتحدة في جنوب أفريقيا على سبيل المثال وقيامها بالضغط من أجل تأمين أوضاع الأقلية البيضاء وحماية مصالحها وحقوقها ،وخلق عملية تحول سياسي ديمقراطي موائم لهذه المصالح والحقوق يؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تعمد إلى الإضرار بالسنة العرب وتجاهل حقوقهم وبالتالي وصلنا إلى ضياع الموصل اليوم.
الخطأ الثاني كان في تحميل أبناء الموصل خاصة نظرا لاشتهارها بأن العديد من أبنائها ضباطا وجنودا في الجيش العراقي منذ نشأته وحتى ما قبل أبريل 2003 وغيرها من المحافظات السنية أخطاء الأنظمة السنية التي تعاقبت على حكم العراق،نعم لقد كان البعض من أهل العراق ينظرون للموصل وأبناء المحافظات الأخرى على أنهم من ساعد تلك الأنظمة في القيام بظلمهم وتجاهل حقوقهم ،وأن الجيش العراقي الذي كان يخدم فيه العديد من أبناء تلك المحافظات هو من قام بارتكاب المجازر ضدهم وبالتالي فعلى أبناء تلك المحافظات أن يقفوا اليوم موقف المتهم الذي يجب أن يدفع ثمن تلك الجرائم حتى وإن كان أهل تلك المحافظات لم يرتكبوا جرما ولكن يكفي انتماؤهم لتلك المحافظات لكي يتحملوا مسؤولية ماحدث ،لقد نظر لهم على أنهم الوريث الذي يجب أن يدفع ثمن أخطاء الماضي وهو ماعمق شعور تلك المحافظات وأهلها بالظلم ،واصبح من السهل أن يقعوا فريسة سهلة في أيدي ساسة وتجار الدين الذي لم يكن لهم هدف سوى تأمين مصالحهم حتى وإن كانت على حساب مصالح وطن وشعب كان يحتاج إلى من يجمع كلمته لا من يزيد في فرقته ،وتوالت الأخطاء وجاءت حكومة نوري المالكي،الحكومة التي يتحمل فيها نوري المالكي باعتباره رئيس الوزراء ووزير الداخلية والدفاع المسؤولية الكاملة عن كل الأخطاء التي وقعت في عهده،لقد جاء نوري المالكي وفي ذهنه أن الوسيلة الوحيدة لبقائه في كرسي الحكم هو زرع الفرقة في ربوع الوطن الواحد ،ومحاولة ايقاع الفتنة بين الشعب العراقي وهو ما نجح فيه وبشدة .
كانت سياسات نوري المالكي تجاه المحافظات السنية هي القشة التي قصمت ظهر البعير ،وسمحت للقوى السنية المتطرفة بالظهور لتقود المشهد وتنافس نوري المالكي في اشعال الوضع في العراق ،وبدا وكأن كل طرف هو المدافع الأوحد عن طائفته والمنتمين لها .
في البداية كان من الممكن اصلاح الأمر لو استمع المالكي لصوت أهل تلك المحافظات ولكنه صمم على تجاهل الإستماع لهم ولمطالبهم ،بل وواجه تلك المطالب بالقوة وبالسلاح مما أدى ألى خلق بيئة متطرفة ترفض الحكومة العراقية تماما ،وتشعر أن هذه الحكومة تسعى للقضاء عليها وهو ما زاد في مشاعر الإغتراب السياسي والعزلة لدى سكان تلك المحافظات ودفعهم لمحاولة التخلص من هذه الحكومة بأي شكل كان ،وهو ما دفع البعض في بداية الأمر على النظر لداعش على أنهم من سيخلصهم من الظلم الذي وقع عليهم ،ولكنهم سرعان ما اكتشفوا خطأ حساباتهم تلك .
لم تكن وحدها سياسات نوري المالكي الخاطئة فقط ولكن سياسات وحسابات من يفترض أنهم حماة للمحافظة من قيادات الفرق العسكرية المتواجدة في الموصل ومسئولي المحافظة الذين سرعان ماهربوا مع أول مواجهة مع داعش ليتركوا الناس لما كتبه الله عليهم ،بين ليلة وضحاها وجد الناس أنفسهم وحدهم أمام تنظيم ارهابي وهم عزلا من السلاح فلم يملكوا سوى الأستسلام لهذا القدر وانتظار رحمة الله .
نعم سقطت الموصل لأنها لم تجد من يحميها ويدافع عنها من الدولة ،نعم سقطت الموصل لأنها لم تجد دولة تنصب نفسها حاميا للطائفة التي تسكنها وترسل قيادات جيشها للدفاع عنها ،نعم سقطت الموصل لأنه لم تصدر فتوى تحث الميليشيات المسلحة التابعة للأحزاب الدينية بحمل السلاح والدفاع عنها ،نعم سقطت لأن أهلها لم يجد من يمنحهم السلاح كي يدافعوا عن أنفسهم ، نعم سقطت الموصل لأن الحليف الأمريكي حتى الأن غير راغب لسبب أو لآخر في تحريرها وانما يكتفي بسلب الأموال العراقية عن طريق استنزاف الموارد العراقية واجبار العراق على تمويل الهجوم الجوي على داعش وهو الهجوم الذي يعرف كل من تخصص في العلوم العسكرية أن لا قيمة له لأن القضاء على داعش يحتاج إلى حرب عصابات واشتباكات برية ،نعم سقطت الموصل لأن من بقى من أهلها فيها لا يبالي اليوم إلا بحماية نفسه وعرضه وتوفير قوت يومه له ولأسرته،نعم سقطت الموصل لأن تجار الدين وسياسيو الطائفية تصدروا المشهد وأداروه لصالحهم ومن أجل تحقيق مكاسبهم هم فقط وليذهب الشعب للجحيم .
تلك كانت الحقيقة كما أراها وأكتبها اليوم أملا في انقاذ العراق من تلك المؤامرة واخر ما أقول ،سلاما ياعراق الخير ،سلاما يا نينوي الحدباء وسلاما يا شعب أشور وأكاد وسومر
مقالات اخرى للكاتب