مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
يُطلق مصطلح "الشعوب الأصلية" بحسب دليل عمليات البنك الدولي الصادر في 1991 على "الأقلـيات العرقية الأصلية" و"المجموعـات القبلية" و"القبائل المدرجة في القوائــم" والفــئات الاجتماعــية ذات الهويــة الاجتماعية والثقافية التي تميزها من المجتمعات المهيمـنة التـي جعلـت تلك الفئات معرضة للحـرمان مـن عملية التنمية.
ويؤكد تقرير المقرر الخاص للجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات إن المجتمعات والشعوب والأمم الأصلية هي " تلك التي قد توفرت لها استمرارية تاريخية في مجتمعات تطورت على أراضيها قبل الغزو وقبل الاستعمار، تعتبر أنفسها متميزة عن القطاعات الأخرى من المجتمعات السائدة الآن في تلك الأراضي، أو في أجزاء منها، وهي تشكل في الوقت الحاضر قطاعات غير مهيمنة في المجتمع، وقد عقدت العزم على الحفاظ على أراضي أجدادها وهويتها الاثنية وعلى تنميتها وتوريثها للأجيال القادمة وذلك باعتبارهما أساس وجودها المستمر كشعوب، وفقا لأنماطها الثقافية ومؤسساتها الاجتماعية ونظمها الثقافية الخاصة بها" (مارتينز كوبو – 1984).
عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة " تفيد التقديرات بأن عدد السكان الأصليين في العالم يبلغ 370 مليون، مما يمثل نحو 5 في المائة من مجموع سكان العالم. ويصل عدد لغات الشعوب الأصلية إلى أكثر من 5000 لغة في ما يزيد على 70 بلداً منتشرة في قارات العالم الست؛ كما أن من المعتقد أن 75 في المائة تقريباً من جميع اللغات ما زالت باقية. وفي حالات كثيرة، فإن ممارسات هؤلاء السكان، التي تحرص على استدامة البيئة، تعمل على حماية جزء مهم من التنوع الحيوي في العالم..." مثل الهنود الحمر في الأمريكيتين، والابورجين في استراليا، والأشوريون والأقباط في الدول العربية وغيرهم.
فما هي مشكلة ما يُعرف اليوم بالسكان الأصليين؟ وما هو دور المجتمع الدولي في حماية حقوقهم؟ وما هي الحقوق التي يجب أن يتمتعوا بها أسوة بالسكان الآخرين؟
بدأت مشكلة السكان الأصليين بتوافد مجموعات من الناس الغرباء على أرض تلك البلاد التي يعيشون فيها، ومع مرور السنين تمكن هؤلاء الوافدين من أعمار تلك البلاد واستعمارها، واستحوذوا على سلطانها وتربعوا على عرشها وتحكموا في مواردها حتى صار سكانها الأوائل في حكم المنسيين؛ فحرموا من حقوقهم الإنسانية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وتعرضوا على أنواع مختلفة من الانتهاكات...
حيث تؤكد الدراسات بان السكان الأصليين، في غالبية المجتمعات التي يعيشون فيها، هم أكثر فقراً من معظم الجماعات الأخرى. ففي أستراليا، مثلاً، يبلغ دخل السكان الأصليين حوالي نصف الدخل الذي يحصل عليه السكان غير الأصليين. وفي البلدان النامية، تكون المناطق الأكثر فقراً هي المناطق التي يقطنها أغلبية من السكان الأصليين، ففي المكسيك، مثلاً، لا ترتفع نسبة السكان الذين يعيشون دون خط الفقر عن 18% في المناطق التي لا تتجاوز نسبة السكان الأصليين فيها 10%، أما في المناطق التي تصل نسبتهم فيها إلى 70% فيرتفع معدل الفقر إلى 80%..
وتشير الدراسات أن معدل وفيات أطفال السكان الأصليين يبلغ ضعف معدل وفيات الأطفال بين إجمالي تعداد السكان. وفي بيرو يتسم السكان الهنود بأنهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض من السكان الناطقين بالأسبانية، وهو ما يزيد من حاجتهم إلى تلقي الرعاية الطبية في المستشفيات إذ تصل إلى ضعف حاجة غيرهم من السكان.
ويقل متوسط سنوات التعليم الذي يتلقاه أطفال السكان الأصليين عمّا يحصل عليه أطفال السكان غير الأصليين في بوليفيا والمكسيك بثلاث سنوات. وفي جواتيمالا تحرم غالبية السكان الأصليين من فرصة التعليم الرسمي إذ لا تتجاوز نسبة المتعلمين بينهم 40%. ولكن حتى عندما يتلقى السكان الأصليون التعليم نفسه الذي تتلقاه غالبية السكان، فإنهم يواجهون تمييزاً وتفرقة فيما يتعلق بفرص العمل. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، مثلاً، ينخفض دخل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للسكان الأصليين بسبب التمييز ضدهم بنسبة تقدر بحوالي 25%، وتصل هذه النسبة إلى 28% في بوليفيا، وإلى 50% تقريباً في جواتيمالا.
وتشير البيانات الإحصائية التي جمعتها وزارة العدل في الولايات المتحدة أن النساء الأمريكيات الأصليات ونساء ألاسكا الأصليات أكثر عرضة للاغتصاب أو الإساءة الجنسية بمعدل مرتين ونصف المرة من النساء عموماً في الولايات المتحدة الأمريكية.
كما تستمر الحكومات في إنكار حق الشعوب الأصلية في العيش وفي إدارة أراضيهم التقليدية؛ وكثيرا ما تتبنى سياسات لاستغلال وانتزاع أراض تعود إليهم منذ عدة قرون. وفي بعض الحالات؛ قامت الحكومات باعتماد سياسة الإدماج بالإكراه لمحو ثقافات وتقاليد الشعوب الأصلية. وعلى نحو متكرر تقوم الحكومات في مناطق العالم المختلفة بانتهاك والتعامل باستخفاف مع قيم وتقاليد الشعوب الأصلية وحقوقهم.
هذه الأوضاع والأخطار التي تحيط بالسكان الأصليين هي التي تميزهم عن بقية السكان في المجتمعات التي يعيشون فيها، مما يجعل من الضروري توفير حماية قانونية خاصة لهم في إطار القانون الدولي والقوانين المحلية. وقد توصلت الأمم المتحدة إلى إصدار إعلان بشأن حقوق الشعوب الأصلية.
فقد أكد إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية 2007 على أن للشعوب الأصلية الحق في التمتع الكامل، جماعات أو أفرادا، بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقانون الدولي لحقوق الإنسان" المادة 1" والشعوب الأصلية وأفرادها أحرار ومتساوون مع سائر الشعوب والأفراد، ولهم الحق في أن يتحرروا من أي نوع من أنواع التمييز في ممارسة حقوقهم، ولا سيما التمييز استنادا إلى منشئهم الأصلي أو هويتهم الأصلية" المادة 2 " وللشعوب الأصلية الحق في الحفاظ على مؤسساتها السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتميزة وتعزيزها، مع احتفاظها بحقها في المشاركة الكاملة، إذا اختارت ذلك، في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للدولة" المادة 5 " ولكل فرد من أفراد الشعوب الأصلية الحق في جنسية" المادة 6".
وتعمل الأمم المتحدة من خلال برامجها إلى تسليط الضوء على أهمية تنفيذ حقوق الشعوب الأصلية من خلال السياسات والبرامج على المستويين الإقليمي والدولي لتحقيق هذا الهدف المشترك بالعمل مع كلا من الحكومات ومنظومة الأمم المتحدة والشعوب الأصلية وغيرهم من أصحاب المصلحة.
وخلاصة القول: إن حقوق السكان الأصليين هي حقوق محددة، ولها بُعد جماعي وتتم المطالبة بها باعتبارها حقوقاً تاريخية وأصيلة، يلزم الاعتراف بها وممارستها لضمان حياة السكان الأصليين واستمرار وجودهم وبقائهم.
ومن أجل انجاز تلك الحقوق تسعى منظمات السكان الأصليين إلى التركيز على خمسة قضايا أساسية هي:
1- الأرض: وهي المطالبة بالسيطرة واستعادة الأراضي والمناطق التي تتواصل حياة السكان الأصليين فيها، وشهدت توالد وتكاثر أجيال من السكان الأصليين ونموها.
2- التنظيم الاجتماعي والسياسي: ويتعلق هذا الجانب بحق السكان الأصليين في أن يكون لهم أشكالهم الخاصة من التنظيم الاجتماعي والسياسي، وحقهم في اتخاذ القرارات الخاصة بشؤونهم، وفي المشاركة الكاملة في جميع مستويات اتخاذ القرار على صعيد هياكل الدول التي يمثلون جزءاً منها. كما يتعلق هذا الجانب بآلية تنظيمية تهدف إلى خلق شبكة من التضامن بين السكان الأصليين بهدف بذل الضغط لمراعاة مطالبهم وتوفير فرص المشاركة أمامهم.
3- التنمية الاقتصادية: للسكان الأصليين الحق في السيطرة على اقتصادياتهم، وتلبية حاجات نظم الإنتاج الخاصة بهم. وتتضمن التنمية حقَّ المشاركة في فوائد خطط التنمية الاقتصادية التي تتبناها الدول.
4- إنشـاء منبر ملائم للتعبيـر: مثل هذا المنبر سيمكن السكان الأصليين من طرح مطالبهم التي تتراوح ما بين المطالبة بالأرض والأقاليم من ناحية والمظالم الثقافية والتكنولوجية، والتنمية الاقتصادية، والقانون العرفي، والمشاركة السياسية من ناحية أخرى.
5- احترام هوية السكان الأصليين: يتعلق هذا الجانب بالاعتراف بالتنوع العرقي والثقافي في كل الدول التي تضم سكاناً أصليين.
..........................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات
مقالات اخرى للكاتب