بداية اود ان انبه الى كشف كذب من يدعي محاربة داعش وهو يقوم بمحاربة عدوها. لان داعش فكر متطرف وانحراف خطير في القيم الدينية و الانسانية قبل ان تكون حفنة من شذاذ الافاق المتطرفة والمتعطشة لسفك الدماء . وهذا الفكر لا يحارب إلا بفكر يستطيع تفكيك منظومته المعرفية. لان السلاح التقليدي لم يفلح يوما بالقضاء على الافكار والحد من خطورتها ، بل قد تسهم الحرب التقليدية في انتشار تلك الافكار الضالة وتوسيعها. لقد استهلكت طاقات العراق الاقتصادية والعسكرية واستنزفت بحروب تقليدية قد خطط لها بعناية ولان السياسات الفاشلة لا تستطيع ان تحتوي تلك الافكار فقد اسهمت ايضا في انتشارها.
ومن امثلة السياسات الفاشلة – هنا ساقتصر على ضرب مثال واحد – تلك التي صدرت وستصدر عن احدى المؤسسات العلمية التي من المفترض انها تشكل مصدرا لصناعة الافكار المضادة واقصد وزارة التعليم العالي والبحث العلمي . فقد اصدرت الوزارة وشرعت قوانين تحارب فيها اصحاب العقول والكفاءات الذين يعول عليهم في مكافحة ذلك الفكر الخطير - وهنا ايضا ساقتصر على اخذ مثال واحد يتعلق بالبعثات الدراسية – عندما اقصت طلبة الدراسات الانسانية ( بمختلف اختصاصاتهم ) من مشروع الابتعاث الخارجي. ثم الحقتها بقرار جائر اخر يتمثل بتعليق البعثات لعام 2015 بحجة الازمة المالية جراء نزول اسعار النفط. والى هنا ربما يستطيع المتلقي (اذا ما اراد ان يتغابى ) ان يتقبل تلك الافعال بحسن النية ، لكن الوزارة لم تكتف بتلك القرارات بل لاحقت قراراتها الطلبة المبتعثين الى اراضيهم هناك لتنال منهم فتحاربهم في معايشهم وتكدر عليهم اجواء الدراسة وطلب العلم عندما اوصت لجانها بإعادة النظر بالرواتب وتخفيضها وهذا القرار يعد ايذانا ببدء الحرب الشاملة على التعليم.
ان من يحارب التعليم بكل مفرداته (سواء كان عالما بذلك او جاهلا ) انما يحارب بالنيابة عن داعش وعن كل الافكار الهدامة الاخرى وهذا يعد الخطر الحقيقي لدمار البلاد والعباد . فلولا الجهل و الافكار الضالة لم يكن لدعش او غيرها اي مكان في الارض يمكن ان تعشعش فيه افكارها وتنمو فيه بذورها. لو استطاع الساسة ان يفكروا جديا بالقضاء على الجهل وبناء مؤسسات تعليمية رصينة لما استطاعت كل مخابرات العالم ان تخترق بافكارها مجتمعاتنا المتعلمة والمتنورة لكنها – مع الاسف - اسهمت بتعزيز تلك الافكار الشاذة عندما لم تحسن التعامل معها ، معتمدة فقط على الخيار التقليدي العسكري. لقد كتبت عشرات المقالات في الحرب الفكرية ضد (داعش و اعوانها) و يبدو انني سأكتب مثلها في محاربة داعش في المؤسسات التي تحارب بالوكالة عن داعش و اولها وزارة التعليم العالي التي انتمي اليها.
مقالات اخرى للكاتب