لم يكن لها وقت لتفكر بعيد الأم أو رفضت التعليق على هذا اليوم طيلة عمرها,لتمنع غشاوة قد تظلل مسار أطفالها,كانت تحكي لهم مرات بعض تفاصيل مروعة عن طفولتها لتحيا بأمان صباها معهم, كانت تذكرهم أمام نزعات خاطفة من تنكر أو قفزات جينات ثائرة أنهم في أمان وأفضل من كثيرين, كانت تعطي بلا حد حلما أن تراهم ألمع وأنجح معاهدة الرب قبل نفسها أن تقيهم بالروح من أي شر وتمنع الضياع بكل السبل. لا حد في عطائها,مجرد أم بكل ما تحمله الأم المهووسة بامومتها ولو استيقظت يوما لتجد نفسها وحيدة.. فالفضل سيكون ثقيلا على كواهلهم الفتية ولن يردوه وسيهاجموها لأتفه سبب حتى على العطاء اللامحدود... ولن تتركهم فريسة للحيرة لأانها ستتفادى أي احتكاك حين يطفو رد الجميل على ساحاتها ..فارسة أسطورية حاربت لتوصل أمانات على عاتقها الجميل وتعود لثكنة وحدتها تملؤها بكل الأطياف المحتاجة إليها إلى أن تغيب إلى الأبد.
أمام تباهى الدنيا حروفا وتعالي شعارات ذهبية تمجيدا للأم في ذكراها , وقفت تتأمل نفسها في مسارها الطويل ,إنهاك وقهر وبسمة مشرقة تستر قبح التضحيات لتعلي فقط أنبلها ,فخطت حروفها المرتعشة لأشعر بثقل كل حرف وصلني وأرى تاريخا موجعا ضاحكا من وجعه عبره وبين ثناياه الصغيرة:
أعجز حائرة بين دمعة وبسمة ,لمن أحن اليوم وأنا أم لشباب أفنيت عمري تحت أقدامهم؟ لمن أحن وقد عبر الأولاد فوق ظهري إلى حيث يلمعون ؟ لماذا أحتار ولي أم أتت بي لأكون متنفس حقد أعمى داخلها يغلي, أم جهلت فحولت الإخوة إلى مستغلين ومدمرين,يقطعون يدي كلما امتدت إليهم عرقا عرقا..أم ولا أم..أم أجد لها ألف ذريعة وألف مبرر لأحنو عليها وأحميها ممن باعتني بهم ..أم أرى ندما في أعينها بعد فوات الأوان فأحاول محوه بضحكاتي المعهودة ورأفتي بها..أم أنا لها رفيقة وصديقة وأخت رغما عنها..أم حولتها بقلبي الواسع إلى طفلة صغيرة مشاكسة شريرة فأروضها بمحبتي وتسامحي لتهدأ وترتاح..أم أنا لها أم وأظل...لأني أم حاولت ملامسة الكمال ومستحيل أتنازل عنه مهما حصل..اكمال هوايتها كان في الواجب والحب وأصبح إدمانها بكل البريق.
(إلى من وارتهن الثرى عن عيني, ومن لازلن فوق الأرض ببهائهن الخالد في ذاكرتي ,إلى من كن أمهات لحظات احتياج رهيبة,إلى من مسحن الدمع يوما عن وجهي طفلة ترتعش في العراء وآوينها,إلى من غسلن الدم عن الجراح فوق الجسد ومحين الوجع عن أ‘عماقه, إلى من فضلنني على أبنائهن وسترن عرضي ومنعن الكسر عني...أنحني تكريما و أنهار حنينا. لو أنا ام ومضرب الأمثال في أمومتي,ولو أنا حميت أطفالا غير أطفالي ووزعت الحنان فياضا على كل الناس بلا حصر ولا استثناء.. فبفضلهن وبعطائهن وأمومتهن الفياضة. إلى أمهاتي العديدة بلا تمييز, من زوجات الأعمام والأخوال والجارات وامهات رفيقات الدرس وراهبات الدير بالحي القديم حيث تعلم الفنون وتقوية الدروس ..إلى الغريبات اللواتي حمينني لليلة واحدة تكومت فيها في زوايا الأزقة المظلمة بكل رعبي ,فأدخلنني فراش بناتهن وتهت بعدها في المجهول فلم ارهن بعدها ..إلى الجدة المغلوبة على أمرها التي وسعت خيالاتي بحكاياها وتاريخها وأساطير الجدات فلم أعد أر مأساتي إلا تقوية اليوم وجبروت الغد في الحق,إلى من جعلت الموت والحياة بعظمة الكبرياء وجهان لعملة واحدة تبرق وسط كل الأتربة والغبار والدخان المحيط بي..إليكن يا مليكات عمري أبعث بأشواقي ولكن أنتن ومن مثلكن في زمن العشوائية أينما حل, أدعو بالرحمة وأبعث بالتقديس وأصرخ أن على الأرض أمهات لم ينجبنني لكن جنتي كانت زمنا بين أنظارهن وأحضانهن ..وستكون خالدة تحت أقدامهن العطرة مخلدة.)