"نحن فقط أكملنا العمل القبيح الذي قامت به القنبلة" بهذه العبارة وصف الدكتور جورج فيلماهوز، رئيس قسم الاصابات والجراحة في مستشفى ماساشوستس العام، عمله رفقة فريق الجرّاحين في المستشفى بعد أن قاموا باجراء أربع عمليات بتر ساق (فوق الركبة) لمصابين في تفجيري بوسطن.
ربما تحمل عبارته شيئا من التقليل من أهمية عمله واستيائه لأنه كان يريد أن يقوم بعمل أفضل أو أن يجعل حالة البتر بمستوى أقل ضررا (تحت الركبة مثلا) لذلك هو يرى أن العمل الطبي الذي قام به (والذي لا أشك في معايير جودته ومستواه الفني والعلمي) عمل قبيح لأنه اضطر لاجراء البتر.
العراقيون بالذات عقدوا مقارنة, منهم من تحدث عنها ومنهم من لم يتحدّث, بين انفجاراتنا اليومية وانفجاري بوسطن الطارئين, مقارنة ذهنية على الاقل بين ما يتّخذ عندنا من اجراءات وما يتّخذ عندهم, بين ما سيتلقاه الضحايا من اهتمام هناك والاهمال هنا، إلى غيرها من جوانب المقارنة التي ستختلف من شخص إلى آخر ومن وجهة نظر إلى أخرى.
اليوم عندما قرأت تصريحات الدكتور فيلماهوز (عن اكمال العمل القبيح) تساءلت عن الاعمال القبيحة (جدا) عندنا وكثرة من يكملونها (حرفيا), القبح صار عندنا مؤسسة, مؤسسة تمد أذرعها الأخطبوطية في كل زوايا الوطن، بل وهي تلاحق العراقي إلى ما وراء الحدود لتذكره أن لا فرار وأن أينما ذهب العراقيون فثمّ قبح يلاحقهم بما كسبت هويتهم الوطنية.
في العراق الجناة المجرمون القتلة يفخخون, يزرعون القنابل, يوزّعون الموت والفاشلون يكملون العمل القبيح.
السياسون في العراق، بنزاعاتهم وتهافتهم على المصالح واهمالهم لحقوق الناس، يكملون العمل القبيح (ومنهم من هو عمل قبيح في ذاته).
الموظفون الفاسدون يكملون العمل القبيح للقتلة بجعلهم حياتنا أسوأ.
التنفيذيون الفاشلون في الوزرات والمحافظات ومجالسها يكملون العمل القبيح ويجعلونه أقبح.
الأطباء الذين يعاملون المرضى ببشاعة يكملون العمل القبيح.
والقائمة تطول وتطول لتشمل كل مهمل ومقصّر بحق الانسان أو معتد على الانسانية في العراق, فنحن بصراحة في حالة حرب، وكل من يسهم في جعل الحياة أصعب على المواطن في حالة الحرب هو، كحد أدنى، قبيح، إن لم نقل مُسهم في القتل أو خائن أو على الأقل ضالع في افساد الحياة التي تترنّح في البلد المبتلى.
قلت في سطور هذا المقال الأولى ان من يكملون العمل القبيح يلاحقون العراقي حتى وراء الحدود وإليكم أحد الأدلة, حيث جاء في الأخبار: "كشف عضو في مجلس محافظة كربلاء أن نحو 10 مرضى مصابين بالسرطان من أهالي كربلاء متواجدون في العراء لرفض احدى المستشفيات الايرانية استقبالهم متهما رئيس مجلس المحافظة بأنه يقف وراء هذا الأمر لعدم توقيعه مبالغ علاج المرضى بحسب الاتفاقية الموقعة, المستشفى رفضت استقبال المرضى العراقيين وهي تتذرع بأنها لم تتسلم مبالغ علاج مرضى سابقين ووصلت كلفة العلاج أكثر من 400 مليون دينار فيما نفى رئيس مجلس المحافظة هذه الاتهامات".
عاصفة أسئلة تندفع من طيات الخبر, من المسؤول؟ من المقصّر؟ لماذا تهدر المبالغ في ايفاد المرضى ولا يبنى بها مركز تخصصي؟ لماذا لإيران وليس للأردن الأقرب (مثلا)؟ من يراقب هؤلاء؟ كيف تصرف الأموال؟ كيف يوفدون مرضى للخارج لضعف الامكانات في كربلاء ويفشلون في انفاق جزء كبير من ميزانيتهم للعام الماضي؟
محافظة كربلاء مثال واحد فقط للفشل الذي يكمل العمل القبيح للقنابل.
مقالات اخرى للكاتب