من منا لم يعلم بالصراع الشديد الازلي بين ما يفكر به الانسان بشكل عام حول ما يخوضه مع الذات و ما يجبره المحيط على تناوله او التعمق فيه في اكثر الاحيان، المباديء و القيم و النظرة الى الامور العامة، الخصوصيات و النشاة والصراع و العائلة و الحب و العلاقات الخاصة و العامة، التعامل مع المواضيع الهامة و كيفية الوصول الى المبتغى و تحقيق الامنيات، كل هذا ان كان بعفوية دون تخطيط مسبق ام بعقلانية و تصميم و الاعتماد على الاحتمالات هو الذي يحدد الفكر و اتباع الطريق للوصول الى المستقبل. هناك منا من يفشل في مهمة و يغير ذاته من اجل النجاح فيها عند التكرار ، و هناك من يغير الهدف و المهمة اصلا و هو ثابت في مسيرته و نظرته الى الامور، و الاهم في نظر الجميع حتى دون ان يعلموا ، هوتحقيق الامنيات و العيش بسعادة ضمن اطار و مساحة العقلية التي تعتبر الحياة ليست الا الوصول الى الاهداف، و الاخر الذي يعتبره لعب و لهو، و الاخر الملم بفلسفة الحياة تحت قبة التوجهات و النظريات العلمية . انها الحياة بما فيها، لا يتشابه اثنان في نفسيرهما لها مهما كانا متقاربين او متطابقين في عقليتهما و نشاتهما و فكرهما و فلسفتهما . هناك من لم يؤمن بغير المصالح التي يعتبرها محرك كل شي في امور الانسان الخاصة و العامة، و لم يعتبر للمباديء الا كوسيلة للوصول الى المبتغى. فهل التعقيد الموجود اصلا في حياة الفرد و المجتمع الذي أُنشا بمرور الزمن يزكي فكر التواصل مع البعض ضمن اية طريقة كانت في التفكير دون تحديد اي شيء او ضمن التغيير المستمر بين لحظة و اخرى، ام اعتماد البعض على التدقيق في تفاصيل الحياة و الاعتقاد بالاصح هو السبيل السوي لمعيشة الانسان .
لست هنا لتحليل الفلسفة الانسانية البحتة المتعددة التي اعتمدت تاريخيا ، بل وددت الكلام السطحي عن الرابط او العلاقة بين المباديء المختلفة التي تمخضت بمرور الزمن عن المعيشة الانسانية مع المصداقية. فالمصداقية لم تكن يوما موضوعا لاصحاب المصالح و لم يلتفت اليها الغائيين و لا العبثيين ، انها ارقى المفاهيم التي وجدت ضمن معيشة الانسان بعد التجمعات و انشاء المجتمعات و ارتفعت مكانتها بعد التطورات، و لحد اليوم . و هناك النقيض المباشر لها و هو العشوائية و عدم الاكتراث بالمستقبل و العيش ضمن اللحظة الانية فقط .
اذن الداء الكبير لنخر و التقليل من شان المصداقية هو المصلحة بكل ما فيها من الدلالات و ماوراءها من الاسباب .
باختصار، تكون مصداقية الانسان بين مدقة المصالح و سندان المباديء. و عليه نرى ما لا نسمعه من الاخراو و بالنقيض تماما عما يتكلم عنه بعد خضوعه للامر الواقع و ما تجبره عليه المصالح و يلغي ما يؤمن به في برهة ، و هذا ينطبق على الحياة السياسية و الاجتماعية للانسان معا . و عليه لم اجد من الوصف و التسمية للفرد العاجز المتحير بين ضغوط الاثنين من هذه المفاهيم الا بمن يقف وسط النهر جانب منه نار و الاخر رماد اي مابعد الحياة او العدم و نهاية الحيوية . فالمصداقية عنوان الانسان الحر المعنوي الذي بريقه يلمع من بعيد، و ليس لها اي مقياس محدد الا ضمن مجتمع معين و تختلف من بقعة لاخرى وفق الاعتقادات و الاخلاقيات المختلفة .
مقالات اخرى للكاتب