لم تنته الانتخابات العراقية بطريقة(الفوز و الخسارة)، وانما وفق مبدأ(لاغالب و لامغلوب)، وهي طريقة أو مبدأ يبدو واضحا أنها قد فاجئت معظم الاطراف"بما فيهم المالکي نفسه"، لأن هذه الطريقة ومن خلال التمعن فيها، تنم عن فهم عميق و دقيق للشخصية العراقية وفق سبر غور جذورها التأريخية و فرز النتائج على أساسها.
النتائج النهائية للإنتخابات العراقية، ليست تدعو للتضارب و التصادم المباشر، لأنها جائت بطريقة تحفظ ماء الوجه لبعضهم من الذين أطلقوا العنان لأهوائهم و تصوراتهم و إعتقدوا بأنهم سيحققون نتائج باهرة و غير مسبوقة وبالتالي سيفرضون رؤيتهم على المشهد السياسي العراقي، مع ملاحظة بالغة الاهمية و الحساسية، وهي أن النتيجة التي أحرزتها کتلة دولة القانون جائت أکبر من کل توقعات الخصوم و حتى أکبر من واقعها الحقيقي الحالي على الارض، لأن رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالکي المنتمي و المحسوب عليها، قد اداءا فاشلا بالمعنى الحرفي للکلمة و أغرق العراق في يم من المشاکل و الازمات المتلاحقة، ومن البديهي جدا أن لاتحظى کتلة هکذا سياسي فاشل بمثل هذه النتيجة الکبيرة عليه و على کتلته بأضعاف مضاعفة.
النتائج جائت وکأن هناك ثمة مهندس بارع يقف خلفها من حيث ترتيبها و منح الاصوات و المقاعد للأطراف العراقية المختلفة، ويقينا من يعتقد او يتصور بأن طهران قد تفاجأت بهذه النتائج فإنه لايفهم و لايفقه شيئا عن النفوذ الايراني في العراق و لايستوعب حقيقة أن کل اللاعب الاکبر و بکل المواصفات و الامتيازات و الصلاحيات، هو النظام الايراني، حيث أن النتائج في بداية أعلانها أصابت الجميع بما يمکن تشبيهه بالصدمة التي دفعت لرجة قوية في مختلف تصوراتهم و توقعاتهم التي بنوا عليها، والتي دفعتهم أيضا للأحساس بإنفلات زمام المبادرة من بين يديها لو لم يبادروا لمعالجة الموقف، أما کيف يتم ذلك، فإن الدرب دائما سالکة لطهران ولکن ليس کما يشتهي و يتمنى السائر إليها بل وفق ماتريد و تشتهي و تحبذ طهران دائما، وهي تسمح للاعبين العراقيين أن يلعبوا في ملاعبهم و ملاعب غيرهم لکن وفق القواعد و الضوابط التي تضعها و تحددها و تمليها هي بنفسها على الجميع.
بعد أن کان الجميع قاطبة"متوترون"و"حديون" في رفضهم لولاية ثالثة للمالکي، بدأنا نجد هنا و هناك تصريحات و مواقف لممثلي أطراف عراقية تشير الى انه "لايهمهم من سيصبح رئيس الوزراء"! لکن تهمهم أمورا أخرى أکثر أهمية من ذلك!! وکما يقول المثل أو الغيث قطر ثم ينهمر، فإن صدور مثل هذه التصريحات تعني فيما تعني أن الهدف الاساسي الذي کان يراد من ترتيب نتائج الانتخابات العراقية قد جاء بالصورة التي تحلم بها طهران، فهل کان ذلك مجرد صدفة او معجزة ما تحققت لطهران على حين غرة؟ من المؤکد ان الاجابة هي بالنفي، لأن اوضاع إيران الصعبة لاتحتمل الوقوف في محطات إنتظار و حصول مالاتريد، بل أن النظام الايراني يريد أن يضع الجميع"بما فيهم الولايات المتحدة نفسها"، يقفون في محطات الانتظار لمعرفة ماسيحدث او يتمخض عن الامور، ومن الواضح أن في کل جبهة من الجبهات(شيعية أم سنية أم کردية أم غيرها)، يوجد هناك دائما من لديه الاستعداد لتجاذب الحديث بشأن مستحقاته کي يدخل في التوليفة الجديدة التي هيأت و أعدت لها بإتقان طهران.
موسم الحج لطهران سيبدأ، وسيکون محور الاحاديث و المواضيع التي تدور هناك او حتى مع ممثليهم في العراق بشأن(قبول المالکي او رفض المالکي)، والنظام الايراني يستمع للجميع دائما لکن يکون الخيار و الاختيار الاخير دائما من حقه لوحده، وان تلك الجبهة التي أسسوها لمواجهة عودة المالکي لولاية ثالثة، سوف تحقق نفس ماحققته حملة سحب الثقة منه، فالمشکلة و العقدة في نفوذ النظام المتغلغل في کل أرجاء العراق و ليس في وجه او شخصية او طرف عراقي، وان الذي يريد أن يکون الخيار عراقيا خالصا، عليه أن يعمل من أجل أن تستعيد السيادة الوطنية العراقية عافيتها و إعتبارها و إبعاد ذلك الاخطبوط الملتف على کل جوانبها و الذي أطرافه في العراق أما رأسه(وهو أس البلاء)، ففي طهران!
مقالات اخرى للكاتب