ألقى سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي حميد مجيد موسى، اضواء على موقف الحزب من مسألة تعديل قانون الانتخابات البرلمانية، المطروحة امام مجلس النواب، والضغوط التي تمارس لافراغ قرار المحكمة الاتحادية في هذا الخصوص من محتواه، وعرض لمواقف الحزب من مختلف القضايا ذات الصلة بهذا الموضوع.
جاء ذلك في حديث ادلى به موسى لـ "طريق الشعب" ورد فيه على اسئلتها في هذا الخصوص:
* سبق أن أصدرت المحكمة الاتحادية قرارا اعتبرت فيه تجيير المقاعد الشاغرة إن وجدت الى الكتل الفائزة غير دستوري، وألزمت مجلس النواب بإيجاد صيغة لتوزيع المقاعد تراعي ذلك، فهل اقترب مجلس النواب في مناقشاته من تحقيق روح القرار وبما ينسجم مع الدستور؟.
- انه التزام قانوني على مجلس النواب ان يعدل قانون الانتخابات البرلمانية، لا سيما المواد الخاصة بآلية توزيع المقاعد، بما ينسجم مع قرار المحكمة الاتحادية، ان يكون التوزيع منسجما مع الدستور ومبادئه ولإزالة الغبن وعدم العدالة والاعوجاج والانحراف عن الديمقراطية، التي انطوت عليها آلية التوزيع في القانون المعمول به حاليا والذي اعتمد في انتخابات 2010 البرلمانية، وقد سبق لمجلس النواب ان قام بمعالجة هذا الخلل باعتماد طريقة (سانت ليغو) في توزيع المقاعد البرلمانية، عند تعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات، وقد اعتبر هذا التعديل بمثابة استجابة مقبولة ووافية لمتطلبات قرار المحكمة الاتحادية، إلا ان بعض الكتل المتنفذة التي حرمت من فرصة الاستحواذ والسطو ومصادرة أصوات القوائم غير الفائزة، وحصدت نتائج أقل مما كانت ترغب به فيما لو استمر تطبيق القانون السابق سيء الصيت، تثير الآن ضجة كبيرة، وتسوق مبررات غير واقعية، لا تنم عن حرص على الديمقراطية، بل تنطوي على نزعة احتكار السلطة وقراراتها باسم "تشكيل الأغلبية" و"تسهيل اتخاذ القرارات".. الى آخر ذلك، من الطروحات اللاموضوعية التي لا تنسجم مع واقع البلاد الفعلي الملموس، وإنما هي محاولات بائسة لإسقاط نماذج خاصة ببلدان ذات ظروف وأوضاع مختلفة، اجتماعيا - اقتصاديا، وسياسيا على واقع العراق المتميز بحداثة التجربة،
وبالتنوع القومي الاثني والديني والمذهبي، وبالتعدد الفكري والسياسي والحزبي، وبالتعقيد والحاجة لتمثيل كل شرائح المجتمع.
وبسبب هذه المساعي والمناكفات، يواجه النقاش في أروقة مجلس النواب صعوبات جمة، وعوائق وعقبات مفتعلة، تستهدف إفراغ قرار المحكمة الاتحادية من محتواه ومعانيه الحقيقية، والسعي للالتفاف عليه بمسميات مثل "طريقة هوندت" او "سانت ليغو المعدلة" التي لا تختلف في جوهرها عن آلية توزيع المقاعد لصالح القوائم الفائزة الكبيرة في القانون سيء الصيت، وتثار مجموعة من القضايا الأخرى التي اقل ما يقال عنها انها تستهدف التهرب والتعتيم والتضبيب على جوهر وأساس قرار المحكمة الملزم دستوريا للتعديل.
* طالبتم بالدائرة الواحدة، فيما يرى آخرون غير ذلك ويقولون بصعوبة تحقيقها، رغم ان العراق له تجربة في هذا الشأن، هل لكم ان تضعونا في صورة ميزات الدائرة الواحدة وخلفيات موقفكم؟.
- ما دامت الكتل البرلمانية قد وسعت من دائرة النقاش لتعديل قانون الانتخابات البرلمانية، فقد طرحت مجموعة من الأفكار في مقدمتها فكرة الدائرة الانتخابية (واحدة أم متعددة)، ونحن باختصار الى جانب جعل العراق دائرة انتخابية واحدة، فهذا الأسلوب الذي اعتمد عندنا في أول انتخابات برلمانية بعد التغيير، يعبر عن الوحدة الوطنية العراقية، وعن التمسك الفعلي بمبدأ المواطنة، ويجسد الديمقراطية بشكل أعمق وأوسع بضمانه تمثيل شرائح المجتمع المتنوعة والمنتشرة على امتداد الوطن، دون تقطيع أوصالها ودون شرذمة قواها، وهذه الصيغة او الأسلوب لا يحرم جماعة او فردا من حق الترشيح بقائمته والحصول على استحقاقه وفقا للقاسم الانتخابي (العتبة) وبعدالة، وهو بالتالي ينفي امكانية تهميش او إقصاء أي جهة ذات حضور اجتماعي - سياسي وحرمانها من حق التمثل في مجلس النواب، الذي هو مجلس لكل الشعب العراقي، لكن للأسف، ولاعتبارات مصلحية، وانسجاما مع تكريس المحاصصة الاثنية الطائفية في مسار العملية السياسية، جرى تغيير نظام الدائرة الواحدة وتقسيم العراق الى 18 دائرة، وكانت مبررات القائمين على هذا التغيير (الأغلبية التصويتية في الجمعية الوطنية)، ان تعدد الدوائر يساعد على التمثيل الأفضل للمحافظات، دون اكتراث بحقيقة أن مجلس النواب هو للشعب كله على امتداد الوطن، وأن مصالح المحافظات محفوظة باعتبارها جزءا من الوطن العراقي، وان خصوصية حقوق المحافظات والأقاليم محترمة ومصانة في مؤسستين دستوريتين أخريين: الأولى هي مجالس المحافظات التي أتاح لها الدستور في إطار اللامركزية حقوقا وصلاحيات واسعة لإدارة شؤون المحافظات وحفظ حقوق مواطنيها، والثانية هي المجلس الاتحادي الذي نصت المادة الدستورية على تشكيله من ممثلي المحافظات والأقاليم بصلاحية مراقبة كل القوانين والقرارات التشريعية التي تتعلق بحقوق وصلاحيات المحافظات والأقاليم.
أما المبرر السياسي العملي الطارئ الثاني الذي اعتمد لتبرير أسلوب الدوائر المتعددة، فهو ضرورة الحاجة للتمثيل المتوازن للاثنيات والطوائف، وتجنب صغر وزنها وقلة عددها بالتالي في مجلس النواب، فقد شهد العراق في تلك الفترة (2005) وما قبلها عزوفا واسعا عن المشاركة في الانتخابات العامة لاسباب سياسية وأمنية في بعض المحافظات العراقية (التي سميت حينها بالساخنة)، ولما كان هذا المبرر مفهوما في ظرف خاص وطارئ، فإنه لم يعد مقبولا بعد ان اعادت القوى السياسية والجماهير في تلك المحافظات النظر في القرار الخاطئ بعدم المشاركة بالانتخابات والعملية السياسية، وبادرت للانخراط فيها والمساهمة في الانتخابات بكثافة تشهد بها النسب العالية للمشاركين في الانتخابات الأخيرة لمجالس المحافظات وقبلها انتخابات الدورة الثانية لمجلس النواب.
فما هي الحجة الآن لتبرير عدم الأخذ بالدائرة الواحدة، وهي الصيغة الأمثل للديمقراطية والعدالة؟، وهي حاجة حقيقية لاختبار جدية القوى السياسية المتنفذة في ادعاءاتها رفض المحاصصة الطائفية - الاثنية، والسعي لتشكيل كتل وقوائم وطنية واسعة عابرة للطوائف والاثنيات والجهويات.. الخ، باعتبار المحاصصة هي أس البلاء والعامل الأساس في ما وصلت إليه أوضاع البلد والحكم من ترد وتدهور ومحن.
من جانب آخر، وفي ظروف بلدنا ومجتمعنا الحالية، وبسبب التقاليد والعادات الاجتماعية البالية، لا زالت المرأة وقدرتها على مزاولة حقوقها وبالأخص نشاطها السياسي تعاني الكثير من القيود والعوائق، ولهذا لا زالت الحاجة ماسة إلى بقاء الكوتا النسائية في أي قانون للانتخابات، حتى زوال الأسباب الموجبة التي لا نراها قائمة في الوقت الحاضر.
* هل لكم بيان الرأي بشأن القضايا الجديدة التي أثيرت في سياق مناقشة تعديل القانون: القائمة المغلقة والمفتوحة، عمر المرشح وتحصيله الدراسي، الكوتا، قضية حاملي الجوازات الأجنبية؟.
- انسجاما مع رأينا المتمسك صدقا بكل ما يعزز الديمقراطية قيما ومؤسسات وأساليب، فإننا مع الالتزام بفكرة ان تكون القوائم مفتوحة لتمكين المواطنين الناخبين من التعرف ليس فقط على القوائم الانتخابية بعمومها ومن خلال برامجها، وإنما أيضا من خلال أشخاص مرشحيها ومدى جدارتهم بتطبيق هذه البرامج والالتزام بالوعود، وبالنزاهة والإخلاص والكفاءة.
ومن أجل ان تكون تركيبة البرلمان ممثلة لكل أجيال المجتمع المؤهلة قانونيا والناشطة سياسيا، فلا بد من تغيير الحد الأدنى لعمر المرشح ليكون (25) سنة او أقل، بدلا من (30) أو أكثر، ففي ذلك تعزيز للصفة التمثيلية لمجلس النواب واغناء لقراراته وعموم تشريعاته.
وبقدر تعلق الأمر بالتحصيل الدراسي للمرشحين، فإن رفع سقف المطلوب من الشهادات لا يستهدف الا حرمان أبناء الكادحين وعموم الشغيلة، وخصوصا من العمال والفلاحين الذين لم تتوفر لهم فرص مواصلة التعليم لأسباب اقتصادية - اجتماعية، من حق الترشح لمجلس النواب ومن المشاركة في صنع القرارات المصيرية التي لا تهم النخبة من ذوي الشهادات العليا فحسب، وإنما تهم عموم الشعب، لهذا نعتقد أن الحد المقبول والمشروع في الوقت الحاضر هو ما حددته الحكومة (الدولة/ القانون) من حدود لإلزامية التعليم، فما دام المعتمد الآن هو إلزامية التعليم الابتدائي فيكفي في هذه المرحلة ان يكون التحصيل الدراسي ابتدائيا.
وبالمناسبة، وللحقيقة، هناك الكثير ممن لا يملكون الشهادات يتفوقون على بعض أقرانهم من ذوي الشهادات العليا: وعيا، ومعرفة، وتجربة وحيوية ونشاطا، وهم قادرون على انجاز مهمات سياسية واجتماعية بجدارة عالية، ولكن الظروف القاهرة حالت دون حصولهم على تحصيل علمي مناسب.
أما وقد أثير مجددا موضوع ثنائية الجنسية، فإن الدستور قد حسم المسألة لصالح حق العراقي في حمل اكثر من جنسية، وان التقييد قد خص من يتولون المناصب السيادية في الدولة بضرورة التخلي عن الجنسية الأجنبية غير العراقية.
ان توسيع نطاق "المناصب السيادية"، وجعله شاملا حتى لمرشحي مجلس النواب، ينطوي على دوافع غير سليمة وتقدير غير واقعي لما عاشه العراقيون خلال سنوات الدكتاتورية الدموية البشعة من إرهاب وقمع وهجرة وتهجير قسري.. الخ، مما اضطر أعدادا كبيرة من النشطاء السياسيين المعارضين الى اللجوء والاحتماء بجنسيات وجوازات سفر دول أجنبية (مشكورة في موقفها الإنساني هذا)، فليس من الواقعي والمنصف التعامل التمييزي ضد هؤلاء الوطنيين البررة، الذين عانوا من عنت الدكتاتورية سابقا، ويريد البعض اليوم ان يلاحقهم جزاء معارضتهم للنظام الفاشي.
* هل ما زلتم تدافعون عن "سانت ليغو" رغم الهجوم الصاروخي من الكتل المتنفذة عليه؟.
ـ نعم، نعتقد ان "سانت ليغو" صيغة منسجمة مع قرار المحكمة الاتحادية، ومع الدستور، وأقرب الى آلية توزيع المقاعد الشاغرة للباقي الأقوى، وبالتالي فهي صيغة تعالج الخلل الفاضح الذي اعتمده قانون الانتخابات النافذ في توزيع المقاعد الشاغرة للفائزين الكبار ظلما وعدوانا.
نحن ندعو الآن مجلس النواب وهو يناقش تعديل قانون الانتخابات، ان يتمسك بنفس موقفه عند تعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات، وأن لا يستجيب للضغوط النفعية - الأنانية لبعض القوى المتنفذة.
* هل من معايير أخرى ترون من المفيد الأخذ بها من اجل انتخابات نزيهة وذات صدقية ومعبرة بحق عن إرادة الناس؟.
- لقد سبق لحزبنا ان بيّن وأكد لأكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة، أن الانتخابات تكون معبرة وصادقة اذا ما وفرت لها المستلزمات الضرورية من أجواء وإجراءات ومؤسسات نزيهة وكفوءة وضوابط قانونية، تحمي صدقيتها وتمنع التجاوز على حرمتها.
لهذا نحن نعيد التشديد على ان إقرار قانون الأحزاب، واجراء الإحصاء السكاني، وتعديل قانون الانتخابات البرلمانية، وتعزيز استقلالية المفوضية العليا لشؤون الانتخابات وتخليصها من المحاصصة الاثنية الطائفية ومن هيمنة الأحزاب المتنفذة على أجهزتها وتركيبة موظفيها واجهزتها المركزية والمحلية، فضلا عن توفير الظروف الأمنية المستقرة والحماية الحيادية للعمليات الانتخابية من شرور التزوير والتزييف والتأثير القسري على ارادة الناخبين، وتأمين المراقبة الفعالة المحلية والدولية للعملية الانتخابية، هي مستلزمات ملحة وضرورية لضمان سلامة العملية الانتخابية وتطابقها مع القيم الديمقراطية والمعايير العالمية المعتمدة.
مقالات اخرى للكاتب