Editor in Chief: Ismael  Alwaely

Editorial secretary: Samer  Al-Saedi

Journalist: Makram   Salih

Journalist: Saif  Alwaely

Journalist: Ibnyan   Azeezalqassab

Editor: Aboalhassan   Alwaely

Reporter: Abdulhameed   Alismaeel

مقالات وأبحاث
الاثنين, أيار 1, 2023
الثلاثاء, نيسان 25, 2023
الأربعاء, نيسان 19, 2023
السبت, نيسان 15, 2023
الجمعة, نيسان 1, 2022
الأحد, آذار 13, 2022
الأربعاء, شباط 16, 2022
الثلاثاء, شباط 15, 2022
السبت, حزيران 3, 2017
السبت, أيار 20, 2017
السبت, أيار 13, 2017
الجمعة, أيار 12, 2017
الاثنين, أيار 1, 2017
1
2
3
4
5
6
   
حميّد... بقلم: د.سلمان كيوش
الأحد, أيلول 22, 2013

 

 

 

 

 

 

قال لي: إياك أن تغنّي حميّد وأنت مبتسم، لا تضرب الأرضَ بكعب قدمك، ولا تطقطقْ بأصابعك.. فحميّد لم يُخلق للفرح.. بين حميّد والفرح كالذي بين السماء والأرض. قلتُ له: كلُّ الذي أعرفه أن حميّد بستة جنوبيّة إيقاعها سريع شائع. قال: لا، حميّد ضيم محتشد مكتظ، نسي الناس جذره، أو تناسوه، وتمسّكوا بإيقاعه الجميل. حميّد الثغيب والبكاء حين يكون من دم. لم يكن إيقاعه بتلك السرعة، كان هادئاً بطيئاً كسرعة المشاحيف قبل مائة عام. إن كنتَ تريد معرفة حميّد على حقيقته فاستمع لبكاء أي امرأة جنوبيّة وهي تعاتب جثة ابنها. قلتُ له: ما حكاية حميّد، وما ضيمه؟ قال، وقد جلس لأنه يعرف أن حديثه سيطول: حميّد طفل رضيع. أجبرتْ عفرة، أمّه، على الزواج من رجل نصف مجنون بعد شيوع حكاية عشقها لجليّل الدوّاش. بذلتْ عفرة جهوداً جبّارة كي تنسى جليّل الدواش غير أنها لم تفلح. لم تجد سبيلاً لإخراس التياع روحها العاشقة إلاّ في العمل، فكانت تذهب قبل الفجر لحشّ العنكَر في كَواهين بعيدة، وتعود مع الظهيرة وهي تلاقي مشقّة بالغة في تسيير مشحوفها الغاصّ بحمولته، يمكن لموجة صغيرة أن تطمسه في ماء الهور. ثم تبادر من فورها إلى تلول السرجين فتعدّ المئات من المطّال الذي يرطبه دمعها الغزير. لم تكن تأكل إلاّ القليل، ومع هذا فهي تستشعر في روحها قوةً كفيلة بتهديم ايشان "عزيزة" ومساواته مع ماء الهور كلما زهت آمالها بإمكانية أن تُختم حياتُها مع جليّل.
يئستْ عفرة من كلّ شيء إلاّ من حبيبها الذي لا تغيب صورته عن رأسها المزحوم بألاف الصور، لا سيما صورة لقائهما الأول قبل ست سنوات. آمنتْ ألاّ سبيل للحياة إلاّ معه، وإلا فالموت أولى. هكذا عزمتْ أمرها، غير أن حميّد الذي تحرّك في أحشائها عطّل كلَّ شيء وقلب ما خطّطتْ له. انتظرته بلهفة لا تشبه ما لدى الأمهات العاديات، كانت تريده خلاصاً لها، عسى أن يكون في وجوده ما يمنحها فرصةً لنسيان جليّل، مع أنها تتمنّى لو أنه ابنه. وجاءت الأيام لتثبتَ لها زيفَ لهفتها. 
افترضتْ أنه ربما ينسيها جليّل، عساه أن يوقفَ هذا الاكتئاب المرّ في روحها. ولكن أنّى لطفل أن يستحوذ على قلبها المنذور لجليّل. لم تكن ترى وجها إلاّ وجهه، ولا تسمع إلاّ صوته. كثيراً ما كان يُخيل لها واقفاً، وقد أرخى عقاله حتى عينيه، مع القصب السامق الذي تجتازه في تهول موحشة، وأن الضفادع تردّد اسمه والبراهين تئن معها عليه.
وفي ذات نهار بارد استطاعتْ بسهولة أن تميّز أن الرجل الذي يجلس على تهلة صغيرة يدخن هو جليّل لا غيره، لا يمكن لحواسها، التي تلتقط جليّل الآن، أن تخدعها.. ومن المحال أن يكون طنطلاً، جليّل أجمل من أن تتلبسه الطناطل. قالت، وقد انحنتْ أطراف القصب لزفرتها، وشفَّ الماء حتى حاكى البلور في نقائه: جليّل، لو عيوني سوربت؟ سألته وكأنها تطعن السنين العجاف بنبرة صوتها الأقرب إلى الأنين. ما زاد اضطرابها أنه لم يجبها، فقد اكتفى بإرخاء طرف شطفته على عينيه كي يمنعها من رؤية دموعه.
* * *
حميّد، ولا غيره، مَن دفع ثمن هذه الدموع، هو وحده من قد يذرف الدمع في ليل موحش بارد حتى الموت، ربما.. حميّد وحده من سيلاقي مصيراً قاسياً، أسوأ ما فيه أنه لم يختره ولم تكن به القوّة ليرده عن نفسه. أسوأ ما في مأساته أنها باسم العشق الكبير الذي تغنّى به البربرة وهم يكوّمون البنّي في أبلامهم العميقة، وتغنّى به بنو أسد وهم يحوكون البواري الطويلة، يصيحون بصوت واحد وهم يحملونها إلى السفن الكبيرة المتجهة إلى البصرة: حميّد يا مصايب الله.. آه من العشق حين يتحوّل إلى مأساة كبيرة.
في الليلة، التي تلت ظهيرة اللقاء غير المتوقّع، جلستْ عفرة أمام باب الصريفة الذي يطلّ على امتداد الهور. كان البرد شديداً، ولم يبق على "السايج" إلاّ القليل كي يبزغ، وكان حميّد في حجرها، تهدهده بحركات عصبيّة من ساقيها المتصالبتين. أما زوجها فكان يشخر كما لو أنه يحتضر. كانت تنتظر اتقادَ عودِ الثقاب في عتمة الليل، العلامة المؤذنة بمصير جديد لطالما حلمتْ به. بالقرب منها استقرّتْ صرّةٌ لم تحوِ غير أجمل ما لديها من ثياب وحزمة من عيدان ديرم حار وقارورة عطر ابتاعته من العطّار ما أن رسا مشحوفها بعد لقائها غير المرتقب بالحبيب. 
ها هو عود الثقاب يتوهّج. أحسّتْ بيدٍ تعصر قلبها، وأنها أضعفُ من أن تقوم.. غير أنها تحاملت وقامت. ليتها لم تفعل.. ليتها شُلّتْ في تلك الساعة وليذهبْ جليل وعيدان ثقابه إلى الجحيم. وضعتْ عباءتها على رأسها، وقبل أن تخرج شملتْ زوجها بنظرة.
لم تنطق وهي تجلس مقرفصة في مشحوف جليّل الضيّق إلاّ بعد أن تجاوزا السلف بكثير.. قال لها: لا أستطيع تصديق أنك لي الآن. كم تمنيتُ لو جُمع شملنا بالحلال. ما هذا الذي تحت عباءتك؟ قالت، وقد احتبسَ صوتُها وتحشرج: حظي، ما الذي أفعله كي يكون حظي كحظ الأخريات؟ جرّبتُ كلَّ دواء فلم أفلح، حوّلتني يا جليل إلى ركَة، لا أستطيع الابتعاد عن مائك. الدنيا تريد مني ما لا طاقة لي به. أنا يا جليل لم أكن أنام ليلي، لكنني سأنام الليلة، سأنام وأشبع نوماً بين ذراعيك. قال لها: ما هذا الذي بين ذراعيك؟ قالت، وقد أزاحتْ حافتي عباءتها: هذا حميّد. ما أن سمعَ الكلمة حتى جنَّ جنونه وأوقف الدفعَ فوراً، صرخ: هل جُننتِ؟ كيف تجلبين ابن الناس معك؟ انك بهذا تعطين لأهلك وأهل حميّد سبباً آخر لملاحقتنا وقتلنا. من تظنينني؟ أنا اضعفُ من دجاجة ماي. سيقتلوننا حتى لو احتمينا بـ"حفيظ" نفسه. ثم انصرفَ عنها ليحدّث الماء والعتمة: ماذا أفعل؟ استدار نحوها والمردي بيده قريباً من وجهها: لا يمكنني الاستمرار في رحلتي إلى "بومغيرفات". لا بدّ أن تعودي بحميّد إلى أهله. لا أستطيع.. لا أستطيع.. قالت، والدمع يزيد خدّيها انجماداً بسبب ريح الشمال الباردة، وقد تخلّتْ عن حذرها في الكلام معه: وأنا لا أستطيع أن أتخلّى عن حميّد.. أريدكما معاً. كيف يمكنني أن أهنأ بحياتي وحميّد يموت جوعاً بعيداً عني؟ قال مقاطعاً: مَن قال أنه سيموت جوعاً؟ بالقليل من الفوح سيعيش حتماً. هل نسيتِ أن له أهلاً، جدة وعمات كثيرات؟ ألم تسمعي بأطفال ماتت أمهاتهم وهن يلدنهم وعاشوا؟ ثم بطعنات سريعة من مرديه أدار المشحوف. قالت: دخيلك، دخيل العباس. قال: لا يمكنني أن أهربَ بك وحميّد معك، أما أن تجدي له حلاً أو أن أعيدك إلى زوجك. خذي قرارك قبل أن يبدأ ضياء الفجر. قالت، بعد أن وضعتْ حميّد في قاع المشحوف: سنعيش معاً، لن يضايقك في شيء، وحين أفطمه سأعرف كيف أعيده إلى أهله. قال لها بحزم: اخرسي!.
لاحت ملامح التهول وبدتْ أطراف عِذب القصب في الجزر البعيدة وسكنتْ أصوات الطيور بعد أن ارتفعَ بياضُ الفجر في الأفق. كان المشحوف يرسو على حافة جزيرة قصب صغيرة تتوسط الكَاهن تماماً. بدأ جليّل بتكسير القصب فوق بعضه كي يصنع جباشة صغيرة تناسب جسد حميّد. في الوقت الذي كان بكاء عفرة يتواصل ليطغى على كل الأصوات الآخذة بالانحسار مع العتمة. طارتْ أسراب الخضيري المفزوع بفعل صرخة اطلقتها في اللحظة التي مدّت يديها بحميّد تناوله لجليّل، شعرتْ كأنها تناوله جثته. وفي اللحظة التي توسّد فيها حميّد الجباشة جاءت أول صرخة سيغنيها المطربون فيما بعد: حميّد، شسوي يا يمه بزماني. عاد جليّل إلى المشحوف وبدأ بدفع مشحوفه بطريقة محمومة. أما الصرخة التي ستشقُّ القلوب إلى نصفين فهي التي أطلقتها بعد أن غاب منظر الجباشة عن ناظريها: حميّد، لو أموت لو يرحن عيوني. 
* * * * 
في "بومغيرفات" قدّمَ جليل نفسه على أنه ضيف وهذه زوجته، وأنه بصدد الارتحال إلى البرِّ حيث عشائر العيسى. لم تأكل عفرة شيئاً مما قُدم لهما، قال لها جليّل في غياب مضيفهما: سلوكك هذا سيدخل الشكّ في قلوب الناس، كلي. 
وفي الليل، بعد أن أرضى فحولته معها مرّات، لم ينم جليّل أبداً. أوحى له التعب والعتمة والسكينة بصورة لعفرة وقد وضعتْ يدها بيد رجل آخر طارئ غيره. فكّرَ والحسرة تأكل قلبه: كيف يمكن لامرأة أن تتخلّى عن زوجها وبيتها؟ كيف يمكن لامرأة أن تودعَ رضيعها على جباشة لتجعله نهباً للبرد والخنازير والطيور المتوحشة؟ أي قلب بين أضلاعها؟ كيف يمكنها أن تكون امرأة بكلِّ هذا الشبق وحميّد بين الحياة والموت؟ 
الحقُّ يقال، لم يكن جليّل منصفاً في ادعائه، فقد شطرتْ عفرة قلبها نصفين، نصف وضعته تحت قدمي حبيبها الذي يحتضنها الآن، ونصف راعش لا يهدأ ولا يستكين بقي هناك على الجباشة الصغيرة حيث يرقد حميّد. كانت تسمع بكاءه بوضوح برغم المسافة والامتداد المائي بينهما، فتدلق ثدييها كي ترضعه وتضمه إليها بقوّة، وما علمتْ أنها تُرضع جليّل وتضمّه.
قالت له وهي تغالب نعاساً ثقيلاً: ترى، هل سيعيش حميّد؟ هل التقطه المارّة؟ وكيف سيعرفون أهله؟ آه يا جليّل قد لا أعيش بعده.. لقد سمعها بوضوح، بيد انه لم يردّ عليها إلاّ بزفرة شخير مباغت.. أغمضتْ عينيها وتركت لخيالها حرية إنقاذ حميّد.
* * *
لم تستيقظ إلاّ والشمس قد فارقت أطراف القصب. لم يكن جليّل موجوداً.. وحين سألتْ عنه مضيفهما أنبأها بالفجيعة: لقد توجّه إلى العيسى منذ الصباح الباكر. قال لي انه سيعود بعد نحو أسبوع. وهنا صرختْ عفرة بمراثٍ سيردّدها المغنون بعدها، استهلتها: حميّد، يا جباشتك نزّلت حيلي. رمت بنفسها في الهور، فمنهم من قال أنها لم تستطع انتظار مشحوف يقلّها إلى حيث يرقد حميّد، فودّتْ أن تصلَ إليه سباحةً، ومنهم مَن يصرّ على أنها أرادت إغراق نفسها، والدليل أنها اختارت وجهة الماء العميق.. تبعها السلف المفزوع بصراخها. لم يكونوا يعرفون حميّد ولا حكايته، ولم تكن تجيب أحداً حتى ظنها الناس مجنونة، ومع هذا تبعوها ولكن إلى مسافة قصيرة بعد أن أركبوها مشحوفاً متداعياً وناولوها مردياً قصيراً. 
لم تبذل جهداً في العثور على الطريق الذي سلكته البارحة في العتمة، فقد استفزتْ غريزتها. كانت تدفع زورقها وعينيها في السماء، تسكتُ لحظة ثم تمدُّ بصرها إلى البعيد وتصرخ: حميّد، مسواش يا وليدي خلافك. 
وصلت الجباشة عند العصر، وهنا جاءت سيّدة الفجائع حين وجدتها خالية إلاّ من آثار قيء أبيض عرفتْ فيه حليبها. إسأل من شئتَ في الهور سيحدثك عن صرخة سمعها عصراً قبل أن تطمس الشمس في القصب، صرخة اغبرّتْ صفحة الماء بعدها كما لو أن الهور كسي بضباب كثيف.. صرخة من كلمة واحدة عالية، حميّد، وتبعها ثغيب يفجّر دموعك برغم انك لا تستطيع تمييز كلماته بوضوح.
أين ذهب حميّد؟ هل أكلته إناث الخنازير؟ هل حمله الكركي ليطير به بعيداً؟ هل عثر عليه البربرة وضمّوه إلى صبيانهم؟ هل التقطه عابر سبيل؟ لا أحد يدري.. ذهب حميّد وبقيت بعده المراثي التي ردّدها المفجوعون وهم يذرفون الدمع مدراراً.. كلما استبدَّ الحزن باحدهم تجهمّ، وصوّبَ أنظاره نحو السماء ثم يصرخ: حميّد، ليضيف بعدها ما يناسب ضيمه. 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خارج متن الحكاية
ـ العنكَر: القصب الطري، عادة ما يُقطع ليكون علفاً للجاموس.
ـ كَواهين: جمع كَاهن وهو الممر بين جزر القصب.
ـ إيشان عْزيزة: الإيشان هو كل ما ارتفع من الأرض، ليشكل جزيرة وسط امتداد الماء في الهور، وإيشان عزيزة أكبر وأعلى هذه الإيشانات.
ـ تهول: جمع تَهَلَة، وهي جزر مختلفة المساحات ينمو فيها القصب والبردي بكثافة.
ـ البراهين: طيور جميلة تئن ليلاً.
ـ البربرة: قوم متدنو المنزلة الاجتماعية بسبب امتهانهم صيد الأسماك.
ـ بنو أسد: عشيرة يكثر وجودها في منطقة الجبايش، يمتهنون حياكة البواري.
ـ البواري: جمع بارية وهي الحصيرة المعروفة المصنوعة من القصب المفلوق، ولها استخدامات كثيرة.
ـ السايج: نجم يطلع عادة قبل الفجر، ورؤيته تعد إيذاناً بقربه.
ـ حفيظ: جزيرة موهومة يحرسها الجن تحوي كل مفردات بيئة الأهوار إلا أن كل شيء فيها مختلف في براعة صنعه ومادته الثمينة. من يراها يفقد احدى حواسه أو يفقد عقله. 
ـ بومغيرفات: قرية في الأهوار الوسطى تتبع إدارياً لناحية العدل في محافظة ميسان.
ـ عِذَب القصب: الشرّابات البيضاء التي تطلع في نهاية القصب، وهي عبارة عن عناقيد صغيرة لحبوب اللقاح.
ـ الجباشة: هي جزيرة تنتجُ من تكسير القصب فوق بعضه، ولها مساحات مختلفة تبعاً للحاجة إليها.
ـ الخضيري: طائر حر مهاجر.



اقرأ ايضاً

 
أضف تعليق
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
الاسم :

عنوان التعليق :

البريد الالكتروني :

نص التعليق :

1500 حرف المتبقية
أدخل الرقم من الصورة . اذا لم تستطع القراءة , تستطيع أن تحدث الصورة.
Page Generation: 0.47321
Total : 100