المال العام والحرص عليه وحمايته ياخذ حاليا حيزا كبيرا في المشهد العراقي، ولاغرابة في ذلك عندما تتهيأ الساحة للانتخابات التشريعية. والمال العام هو أموال تخصص للنفع العام أي لاستعمال الجمهور مباشرة أو لخدمة مرفق عام، الأمر الذي استتبع خضوعها لنظام قانوني يغاير ذلك الذي ينظم الأموال الخاصة في القانون المدني، وبذلك يستهدف النظام القانوني للأموال العمومية حمايته عن طريق عدم جواز التصرف فيه أو الحجز عليه أو تملكه بالتقادم. هدر المال العام اي استخدامه في غير الغرض المخصص له، وبما ان المال العام محمي قانونا، فان اي تصرف في هذا المسار اي في غير الغرض يعرض من يقوم بذلك الى مساءلة قانونية. هناك وثائق كثيرة تعرض في وسائل الاعلام وتتناول جميعها صورا متعددة لهدر المال العام العراقي، العبرة ليس في عرض هذه الوثائق وانما في كيفية اثباتها لتصبح واقعة قانونية يتم عرضها بعد ذلك امام القضاء. المؤسف هناك عرض لوثائق الغرض منه الاستهداف الشخصي في المقام الاول، نعم المسؤولية تحتم على الجميع التعرض للفساد لمنع هدر المال العام وحمايته من المفسدين، وعلى الوسائل الاعلامية توخي الحذر من نشر اية وثيقة قبل التحقق من صحتها، لذا عرض اية وثيقة بحاجة الى ادلة اثبات والتي هي الحقائق او العناصر التي تشكل بداية البحث عن الحقيقة في اي بحث جنائي وتؤدي إلى الاقتناع الفعلي إلى جانب قنوات اخرى من الملاحظة والتجربة.
ما يجري حاليا في عرض الوثائق التي تتكلم عن الفساد وهدر المال العام، ليس من قبل اشخاص بدون مناصب، وكل من يقوم بذلك اما اعضاء في مجلس النواب او من كان يتبوأ منصبا رسميا وتركه لهذا السبب او ذاك او هناك من ليس عضوا نيابيا ولكن لم يمنح منصبا رسميا تمكن من الحصول على الوثائق يتم عرضها، التساؤل الان هذه الوثائق المعروضة امام المشاهدين عبر الفضائيات او غيرها هل قال القضاء كلمته فيها؟ ان فصل القضاء في الموضوع سواء بفرض العقوبة القانونية او اغلاق الدعوى لعدم كفاية الادلة فالاجراءات تأخذ مسارها المرسومة قانونا، وان كانت هناك دعاوى مقامة فيما يخص الوثائق امام القضاء، لايجوز تناولها في الوسائل الاعلامية لان ذلك يعتبر من وسائل التاثير على القضاء، والحالة الاخرى من هو في موقع المسؤولية ولديه هذه الوثائق والتي تمكن الحصول عليها باية وسيلة ولم يقدمها للقضاء يكون متسترا على هدر المال العام ويتحمل المسؤولية القانونية، وفي الوقت ذاته لايجوز للمكلف بالخدمة العامة الاحتفاظ بوثائق كانت بحوزته بحكم وظيفته.
العرض الان للوثائق بدون هدف لايعني سوى التشهير واسقاط الاخر، هناك من يعرض وثائق في احدى الفضائيات ويرد عليه الاخر في فضائية اخرى، وبدأ القلق في الشارع من كثرة عرض الوثائق وتغيرت نظرته للسياسيين، الحكمة ضرورية في هذا الموضوع ولتكن المصلحة العامة الهدف الاول لان كل ما يجري يعتبره الراي العام دعاية انتخابية.
مقالات اخرى للكاتب