بات واضحاً أن العراق هو المرآة المعكوسة لكوكب اليابان، وربما هو المعادلة المقلوبة لحسابات المنطق السياسي ونتائجه الكارثية وآثاره السلبية، فالمصالحة التي تتشدق بها المكونات المتناحرة لا وجود لها البتة في المنهج التطبيقي الحالي، ولا أمل في ظهور بوادرها في المستقبل القريب إلا بمعجزة كونية تختفي فيها أمريكا وتركيا وإيران والسعودية وقطر والأردن والكويت، وتتلاشى تماماً من خارطة الشرق الأسوأ.
العراق: دولة لو رأيت ترسانة عشائرها وأحصيت ما تمتلكه قبائلها من أسلحة وأعتدة وعجلات لاكتشفت إنها تضاهي تجهيزات عشائر الكواكب الأخرى في مجرة الوطن العربي، وتتفوق كثيرا على بعض تشكيلات جيوشها في الحسابات التعبوية.
دولة تتكرر فيها الامتحانات النهائية، فيخضع الطلاب لأكثر من جولتين، تتعاقب من الدور الامتحاني الأول إلى الدور الثاني، وقد تتميع الامتحانات فتتمدد لدور ثالث، لكن نسبة عظيمة من المتخرجين في مدارسها ومعاهدها وكلياتها لا يجدون من يوفر لهم فرصة العمل، فالتسكع على الأرصفة هو الخاتمة المنتظرة لمعظم الخريجين.
دولة تزعم أنها تسعى للاستعانة بمهارات التكنوقراط من أجل توظيفهم في تعجيل دوران عجلة الإنتاج، وتحقيق التقدم المنشود، لكنك يندر أن تجد فيها الشخص المناسب في المكان المناسب، ولا مجال فيها لتطبيقات التوصيف الوظيفي النوعي أو المهني، فالمحاصصة الغبية هي التي تبسط نفوذها وتطغى بقوة. بل انها صارت تتغلغل في أدق مفاصل مؤسساتها، وتتحكم بها من دون ان تحرز أي تقدم حتى الآن في أي مرفق من مرافقها.
دولة ماانفكت تتحدث في المناسبات الدينية عن تمسكها بالورع والتقوى، وتتظاهر بعفتها ونزاهتها، في الوقت الذي تتبوأ فيه مركز الصدارة في جداول الفساد ضمن ترتيب التقييم الدولي لمنظمة الشفافية، ولم تعد هنالك أية فروقات بينها وبين الصومال وافغانستان في هذا التصنيف المُخجل.
دولة كياناتها السياسية هي الأكثر شهرة في التلويح بشعارات التغيير، والأكثر إصراراً في تسويق أفكار التجديد والتطوير والتحضر، لكنها لم تخطو خطوة واحدة نحو آفاق التغيير والتجديد، فالتغيير الذي تفهمه وتؤمن به لم يخرج حتى الآن من دهاليز فلسفتها العقيمة.
دولة تسعى من وقت لآخر نحو تبني حملات التقتير والترشيد والترشيق والتقشف بذريعة الحفاظ على المال العام عن طريق تقليل النفقات، بينما تختفي المليارات من أرصدتها المصرفية بلمح البصر، من دون أن تعلم كيف اختفت أموالها، ومتى اختفت، ومن الذي استحوذ عليها.
دولة تبنت سلسلة من الحملات الإعلامية لاستقطاب المغتربين من أصحاب الكفاءات النادرة، من دون أن تكترث لهجرة الملايين من أبنائها، ومن دون أن تعبأ بالقوافل الألفية التي عبرت البحار والمحيطات بحثاً عن الملاذات الآمنة. دولة استحقت أن تحمل اسم كوكب المتناقضات والتناقضات، والله يستر من الجايات.
مقالات اخرى للكاتب