يعاني الشعب العراقي منذ تأسيس دولته الحديثة من لهيب حرارة اشعة الشمس,التي تعد بمثابة عقوبة متعمدة له, لحيويته وحبه للحياة, بغية كسر ارادته والتقليل من عزيمته وقوة تفاعله مع عمله ووظيفته ومجتمعه,
ان كانت في الجيش او في الدوائر الحكومية او حتى في برامج تعذيب السجناء السياسيين,
فما ان تقترب من اي دائرة حكومية وتسأل احدهم عن سبب الازدحام او تواجده في ساحة الدائرة ,حتى يجيب المواطن المسكين بعبارته المتوارثة"واقفين من الصباح تحت اشعة الشمس ننتظر رحمة الله",
قيل ان نظام صدام البائد استخدم اسلوب قطع الكهرباء والحصة التموينية كعقوبة تركيع للشعب بعد ان انتفض عليه في احداث 1991,ويقال اليوم ايضا ان حكومة "اصحاب بريمر" تستخدم نفس الاسلوب كي تكسر ارادة الشعب مجددا(وقد فعلوها في توزيع الوظائف الانتخابية-اي التي يتم من خلالها شراء الاصوات والذمم),
والذي انتعشت اماله بعد 2003 عندما اعتقد انه أقترب من تحقيق حلم الرفاهية المنتعش بجواره في دول الخليج,
ولكن جرت الرياح عكس ذلك تماما,واصبحت رفاهية الطبقة السياسية وصولا الى اصغر مدير عام وموظف فاسد في المحافظات المنكوبة شيئا يفوق التصور,
انهيار اخلاقي وديني واجتماعي وانساني قل نظيره في العالم,فكل هذه السرقات كان غطاءها الظاهر المرجعية الدينية وخيمة الامام الحسين ع,على الرغم من ان المرجعية الدينية الرشيدة وخيمة ثورة الامام الحسين ع براء من هذه الافعال الدنيئة الخسيسة, لكن كما يقول سراق المال العام فرصة لا تتكرر ,وقد تم استغلالها من قبل"فاز باللذات الحرام من كان جسورا",
وهي جسارة من نوع اخر ,لانجد ما نعقب عليه الا بالقول" حسبنا الله ونعم الوكيل",علما ان السياسيين الشيعة هم من فتح باب الفساد لبقية الكتل والمكونات السياسية الفاسدة الاخرى,فهم يمثلون الاغلبية النيابية والحكومية والوظيفية, وبأيديهم معظم المسؤوليات السيادية والامنية والعسكرية,لكنهم ابتدعوا فسادا لم نجد له سابقة من قبل "بيع الوظائف الحكومية...واعتماد الاسواق السوداء للتجارة"
(فالسنة في الاعم الاغلب انخرطوا في مشروع الخليج التدميري ,وهم في الاصل اغنياء منذ العهد الملكي,واما الاكراد ففسادهم محدود بجغرافيتهم, وانجازاتهم على الارض اكبر من انجازات الشيعة في المحافظات الممثلين لها بما فيها العاصمة بغداد, بل على الاقل لم يقدم لا السنة ولا الاكراد رقاب شبابهم للدواعش بهذا الكم الهائل من الضحايا ,كسبايكر).
اصلاحات السيد العبادي ودائرته المقربة منه لم نجد فيها اي اجراء تنفيذي مهم,انما بقيت على هيئتها الاولى تقريبا, بيانات وقرارات واوراق مجردة من قوة التنفيذ او التطبيق(عدا بعض الاجراءات والخطوات البسيطة التي لم يشعر المواطن من خلالها بتغيرات مهمة) ,
فالفساد المالي والاداري لايحارب او يواجه فقط بالغاء الدرجات الخاصة ,والتخلص من حمايات المسؤولين,ولا حتى برفع مناصب نواب رئيس الجمهورية او مجلس الوزراء من المحاصصة المشؤومة,على الرغم من انها خطوات تصب بالاتجاه الاصلاحي الصحيح, حيث تركت وغطت على جحور واوكار الفساد ,وعبرت شطحا على رواتب المساكين عبر مشروع تقليل رواتب موظفي الدولة (القليلة اصلا مقارنة بدول الجوار النفطي),
انما يتم الاصلاح الحقيقي بطريقة ادارة الملف الاقتصادي والمالي والتجاري للدولة العراقية بشكل سليم,واتباع الطرق القانونية والادارة المؤسساتية الرصينة للبنوك الحكومية والاهلية, وتعزيز دور مؤسسات الدولة الرقابية,وتشريع ايضا قوانين خاصة بالفساد المالي والاداري, ومحاسبة الفاسدين تحت بنود قانونية كانت موجودة في الدساتير العراقية السابقة كقانون"من اين لك هذا".
لقد تبخرت الاموال المخصصة للتنمية والاعمار من موازنات الدولة الاتحادية منذ استلام السيادة وحتى يومنا هذا ,مليارات الدولارات اهدرت في القطاعات المختلفة الخدمية والصحية والتعليمية والنفطية والزراعية والصناعية كالكهرباء دون جدوى,
الطرقات غير معبدة بشكل صحيح ,وكذلك سوء ورداءة تنفيذ واداء الشركات لمشاريع شبكات الصرف الصحي والمياه وقطاع الصحة واضحة للشعب(اخر الانجازات الفاشلة والفاسدة ظهور مرض الكوليرا),كل هذه الامور سببها الشروط الامبريالية المفروضة من قبل البنك -وصندوق النقد الدولي والادارة الامريكية,التي تشجع الفساد من اجل السيطرة على مقدرات وقرارات ومصائر الشعوب المسلوبة الارادة,فواحدة من اهدافها الغير معلنة لنشر الديمقراطية في الدول المضطربة او الضعيفة,هو فتح اسواق هذه الدول للشركات الرأسمالية الاجنبية,اضافة الى تشجيع الحكومات العميلة لها برفع يدها عن دعم القطاع العام(لدعم بعض جوانب القطاع الخاص الفاسد كما يروج الجهلة باقتصاديات دول العالم الثالث له,الذي تنعدم فيه شروط الرقابة الحكومية الدستورية على قطاع الاستثمار الخاص),
هذا الاندماج الغير مبرر في الرأسمالية الامبريالية هو الذي يضع العقبة امام الحكومة في التدبر بموازنة الاداء السياسي والاقتصادي والامني بين محور الشرق(روسيا الصين وايران) ,والغرب(امريكا واوربا),
فعندما نذكر حكومة المنطقة الخضراء احيانا بالنجاح الايراني الشامل,امام تراجع كل دول المنطقة (على الرغم من قوة التأثير السلبي للحصار المفروض عليها منذ اكثر من عقدين تقريبا),نعطي مثالا عن الاتحاد والتعاون والصمود المبدئي والاندفاع القومي والديني بين الشعب والحكومة الايرانية في مواجهة الازمات,
كذلك نود ان نشير الى ان الانظمة الرأسمالية الامريكية او الاوربية انظمة محكمة بقوانين وتشريعات واسس ادارية معقدة نحتاج لعقود طويلة كي نستطيع فهمها او تشريعها,وهذا الامر لايمكن تطبيقه في انظمة دول العالم الثالث,التي لايمكن ان يكتب لها النجاح اداريا وامنيا واقتصاديا الا بالنظام الاشتراكي او النظام الاقتصادي المشترك بين القطاعين العام والخاص,
فالفكرة التي روجت لها الحكومة مؤخرا,عبر منح قروض للمواطنين هي احد افكار البنك الدولي التي يربطها بشروط الاقراض,
لن يكتب للكثير منها النجاح!
لان الاسواق العراقية المحلية تعج بالمشاريع الصغيرة ,والتنافس فيها على اشده (يمكن تصور ان التنافس بين المحال التجارية الصغيرة يصل في معظم الاحيان حد القبول بربح اقل من نصف دولار للبضاعة العالية او المتوسطة السعر ,بينما الاسواق العالمية والاقليمية تفرض ضعف او اكثر من للقيمة الاصلية من الارباح للبضاعة الصغيرة جدا,فكيف يكتب لها النجاح),
بدلا من ان تستغل الدولة عائدات النفط لتعزيز دور القطاع العام الانتاجي ,لامتصاص زخم البطالة المرتفع جدا,تطلب من الخريجين ان يأخذوا قروض ويبتعدوا عن فكرة التعيين,هذه انتكاسات ادارية وتصرف مجحف بحق الخريجين الجدد(علما ان عدد الخريجين في الدول العربية للجامعات والكليات يفوق حتى اعداد خريجي بعض الدول الاوربية, التي يفضل ابناءها الطريق الاقصر للعمل ,بالحصول على اجازات وشهادات التوظيف من معاهدها الكثيرة,بحيث يكون في معظم جامعاتها الطلاب الاجانب اكثر من المحليين)!
هذه الاجراءات التدميرية المنظمة للعراق,ليست بعيدة عن لعبة المحاور التي دخلها البلد مرغما,
لكن هناك فرق كبير بيت التحالف والدخول في محاور الصراعات الاقليمية والدولية,
كما يريد بعض دواعش السياسة ان يصفها,فالدواعش كمنظمات ارهابية صنعتها بعض دول الخليج وتركيا برعاية وسيطرة امريكية مباشرة ,ليس الهدف منها سوريا او العراق (كما ذكرنا ذلك مرارا وتكرارا قبل دخول الدواعش الاراضي العراقية),انما الاهداف والغايات ابعاد الروس عن المضائق القريبة من تركيا(الممر الاستراتيجي الذي يتحسر عليه اوغلوا في كتابه العمق الاستراتيجي موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية,الرابطة بين البحر الاسود والقواعد العسكرية في البحر المتوسط في سوريا ,حيث تعد الكماشة الروسية القريبة من اوربا),
فبعد ان احبطت الجمهورية الاسلامية الايرانية مشروع جناح مير حسين موسوي –مهدي كروبي القاضي بأسقاط نظام ولاية الفقيه,اعتبرت البوابة السورية مدخلا لزعزعة امن واستقرار المنطقة,واعادة استنساخ نموذج ارهابي ابشع من القاعدة وحركة طالبان,صناعة مجاهدي القوقاز على غرار تجربة الافغان العرب,
ولهذا فتحت تركيا حدودها للشيشان وبقية المتطرفين من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق(المسلمة),لنقل المعركة الى داخل العمق الروسي,
في الحقيقة ليس هناك صيغة علنية تعد بداية التخندق في مرحلة لعبة المحاور كالحرب الباردة السابقة,بل هناك اعتداءات وتدخلات سافرة في شؤون الدول الامنة المستقرة لاسباب مختلفة,عبر حروب استنزاف بالوكالة, لكنها عبارة عن هجمة بربرية شرسة تقودها الدول الاستخبارية عبر اذرعها الاقليمية في منطقة الشرق الاوسط,
اي لايمكن اطلاق صفة محور على الدول المتصدية لتحالف قوى محور الشر ,التي دمرت العراق وسوريا واليمن وليبيا,هذه دول تدخلت بطرق لا اخلاقية ومخالفة للقوانين والاعراف الدولية, وعبر عدوان عسكري مباشر من قبلها او عن طريق عملائها ومرتزقتها المنتشرين في كل دول العالم,بحيث لم تتوقف عمليات دعمهم العلني للجماعات الارهابية عسكريا وماديا ولوجستيا,
فالاستعانة بالقدرات الجوية الروسية والاستشارات العسكرية ,وتشكيل مركز امني لجمع المعلومات الامنية والمخابراتية الخاصة بمعركتنا المقدسة ضد الارهاب, لاتعني ان العراق دخل محورا عالميا ضد امريكا وحلفائها,
هذه العلاقات يمكن تسميتها اتفاقات استراتيجية دولية متبادلة,
العراق ليس لديه حاليا الامكانات المادية والعسكرية لكي يدخل كعنصر فاعل في لعبة المحاور,
ولم تكن المسألة عملية مراهقة سياسية كما يطلقها البعض بسذاجة(نتفق مع الروس لكي نحفز الجانب الامريكي),الامور اكثر تعقيدا وابعد من تصورات البعض,
الشعب العراقي دخل معركة شرسة مع الارهاب المدعوم دوليا دون غطاء امني او عسكري او تشريعي محلي او دولي,
الدولة كانت مقيدة ومشلولة امام الارهاب,
لاتملك القوة او الارادة والشجاعة في مواجهة او اعدام الارهابيين ,كان ولازال دواعش السياسية يسرحون ويمرحون في طول البلاد وعرضها بأسم الشراكة والحصانة, دون ان يحاسبهم احد على خيانتهم وعمالتهم للدول المعادية للعراق,
وهذه حالات قل نظيرها في التاريخ السياسي المعاصر,فهي تعد تهديد واضح للامن القومي والوطني.
السيد العبادي على الرغم من اداءه وخطواته الحكومية والادارية الجيدة,واجراءاته الاصلاحية المهمة,الا انه ادخل نفسه والمحيطين به في لعبة عالمية امبريالية اكبر منه,وهو في غنى عنها تماما,لعبة امريكا وقطر والسعودية وتركيا,الذين يصرون على مخطط تقسيم العراق وسوريا,
فالتصريح القطري الاخير بعدم استبعاد التدخل العسكري في سوريا مع حلفاءها(واستمرار العدوان السعودي على اليمن),يعد بمثابة حالة اعلان حرب وتدخل في شؤون الدول الاخرى ذات السيادة,ومؤشر خطر الى ان مشاريعهم الخبيثة ذاهبة ابعد مما تعتقد من ان قائد الضرورة "امينك العام للحزب"كان هو المبادر في معاداة الدول المجاورة!
,استبشرتم خيرا بفتح السفارة القطرية والسعودية في بغداد,ونسيتم انخفاض اسعار النفط,وتركتم الشعب العراقي واقفا تحت الشمس ينتظر الفرج.....
مقالات اخرى للكاتب