قال شاعر الإسكندرية.. اليوناني كافافيس: "كيف الآن من دون برابرة.. لقد كانوا نوعا من حل" وإنشغال العراق وعموم المنطقة، بالحرب على الإرهاب، متجسدا بتنظيم "داعش" يعطل الكثير من الأولويات، إذ نتخذ الآن من القضاء على "داعش" أولى الأولويات، لكن بعد الإنتصار على فلوله مهزومة، يصبح البناء المدعمة أركانه بالسلام، هو أولى الأوليات، والخدمات ثاني الأولويات، والنقلة الحضارية، للعراق، ثالث الأولويات، مستفيدين من إرتفاع أسعار النفط المتوقع وإيجاد البادئل الإقتصادية لتسوية عجز الموازنة، في تحقيق حياة مثلى للشعب العراقي.
فالعذر بمقاتلة "داعش" عن البناء، ينتفي، ونصبح مطالبين بمشاريع خدمية، مسبوقة بحياة كريمة للجميع، من نازحين ومهجرين، بل وحتى المستقرين، بحاجة لحياة معقولة، تليق ببلد غزير الثروات كالعراق.
إذ يعد تحرير "الموصل" بهزيمة "داعش" التي باتت مؤكدة؛ بداية النهضة الحضارية المتوخاة، في العراق؛ لذا أجد من الضرورة بمكان، إيجاد بديل عن التسوية الوطنية، في ظل غياب الرؤية الستراتيجية لاستقبال مرحلة ما بعد "داعش" فهي مرحلة حتمية سنواجه خلالها استعصاءً سياسياً خطيراً، ما لم نضع منهج خلاص منطقي.
أما إجترار الماضي، فهو اصرار على خراب الدولة، التي علينا ان نعي ان بناءها مسؤولية تضامنية مثلما وعينا ان خرابها ايضا مسؤولية يتحملها الجميع.
فبعد إنتهاء العمليات العسكرية، وبدء إعمار المناطق المحررة، وأعادة النازحين؛ ستقفز إشكالات سياسية واجبة المعالجة، واتمنى عدم اللجوء للحلول الجهنمية.. حرباً وتوتراً سياسياً وتشنجاتٍ عسكريةً وتصريحاتٍ حادةً، بل نتفاهم ولكل معضلة حل، ولكل حادث حديث، بعيدا عن عقد الماضي المترسبة في الوجدان...
وكما إتخذ كافافيس، من البرابرة عذرا يشغل الناس، في قصيدته الشهيرة "البرابرة" أجد الإنشغال بمقاتلة "داعش" عذرا في المحاججة، بشأن الخدمات الصحية والتعليمية والماء والكهرباء والنظافة، لكن بعد خلو البلد من الإحتلال الداعشي، ما الذي يمنع من تنمية موارد البلد والافادة من كل نفحة غاز وذرة زجاج في الرمادي وكل قصبة سكر في العمارة وحبة بنجر في الموصل، و... الكبريت والفوسفات والزراعة والسياحة بشكليها الديني والمدني والماء وما إليها من ثروات أخرى يطول جردها، الى جانب النفط.. كلها بمجموعها تشكل مطلبا شعبيا للإرتقاء بحياة الفرد العراقي.
وهنا يوجب ان نفترض ستراتيجية عقلانية.. وطنية.. متفهمة لـ "العصيان السياسي" الذي أتوقعه، بعد الخلاص من "داعش" تسوية ترجح الخلاص الوطني، على المصالح الفئوية، في ظل عراق نابض بالحيوية، ساعيا لسعادة ورفاه أبنائه كافة.. من الشمال الى الجنوب.
أما ما تضمر النفس الأمارة بالسوء، فهذا شأن في علم الغيب، متمنيا أن تصفو النوايا وتبرأ الهمم وتخلص الطاقات الى الله والعراق؛ إستعداد لعراق المستقبل.. ما بعد "داعش".
مقالات اخرى للكاتب