العراق تايمز: كتب كاظم فنجان الحمامي..
تعالت الأصوات الاحتجاجية المعترضة على بنود الاتفاقية الملاحية المبرمة مع الكويت, والتي اشتملت على بنود تمنع تعديلها أو تعليقها أو إلغاؤها, على الرغم من أن القانون الدولي العام يمنع التوقيع على النصوص المجحفة, وتوالت الرسائل الوطنية التي تناولت تعقيدات الموضوع من زوايا مختلفة, فاخترت لكم منها ثلاث رسائل سلطت الأضواء على الغموض الكبير, الذي رافق التقلبات الملاحية العجيبة في مسطحاتنا البحرية المتاخمة لساحل الفاو, وبسبب أهميتها وموضوعيتها ارتأيت نشرها بصيغتها المكتوبة بمداد الحزن والألم, ولست مغالياً إذا قلت أنها كانت أقرب للبكاء منها إلى الرثاء.
جاءت الرسالة الأولى من السيد وزير النقل السابق الأستاذ عامر عبد الجبار, وكانت منشورة على صفحته في الفيس بوك, قال فيها: (غالباً ما يتناول المحللون أنصاف الحقائق, فالنظام البائد تنازل في خيمة صفوان من أجل ضمان بقاءه في السلطة, وسبق وأن فرّط بمنطقة الحياد, وبالحدود الدولية مع الأردن, وارتكب أكبر حماقاته في شط العرب, لكن النظام الحالي تنازل أيضاً عن حدودنا مع الكويت, بتنازلات جديدة أكثر من التنازلات الواردة في القرار الجائر (833), وليس هنالك أي ربط أو ارتباط بين تنازلات الخيمة, وتنازلات خور عبد الله, بدليل أن القرار (833) صدر عام 1993, في الوقت الذي لم يكن فيه مشروع ميناء مبارك معروفاً, آخذين بنظر الاعتبار أن الكويت باشرت بتنفيذ مشروعها هذا في نيسان عام 2011, على الرغم من أن موقع الميناء الكويتي يخالف أحكام الفقرة (2) من المادة (70) من قانون البحار, لذا فأن الرضوخ وعدم الاحتجاج يعد تنازلاً مضافاً إلى التنازلات القديمة, ما اضطر أعضاء البرلمان إلى التصويت على أنها اتفاقية مذلة, لكنهم صادقوا عليها, فأي إذلال أكثر من هذا ؟.
لقد كتبت للبرلمان عن كيفية إلغاء القرار (833) بالأساليب السلمية, وبالاعتماد على قوة القانون, وقوة الضغط الاقتصادي, لكن رئيس البرلمان رفض استلام رسالتي, وأهمل دعوتي بفتح باب المناظرة العلنية بيني وبين السيد وزير الخارجية, وكانت الدعوة مفتوحة أيضاً لكل مشكك من أصحاب القرار, وأقول لكم وبكلمة موجزة لماذا الكويت لم تباشر في إنشاء ميناء مبارك في فترة وجودي في وزارة النقل, أي في الأعوام (2009), و(2010), ذلك لأني وضعت تحفظي على الربط السككي بين العراق والكويت, فاستغلوا مغادرتي لمنصبي السابق, وسارعوا لرفع التحفظ, ثم باشروا بإنشاء ميناء مبارك. ومن هنا بدأت الأزمة).
وبعث لي أستاذي الخبير القانوني (أبو ياسر) برسالة مشبعة بالحزن, يتألم فيها على تقهقر مسطحاتنا الملاحية وانكماشها, يقول في رسالته: (أنها والله مصيبة كبرى, ونازلة عظمى, لو كان المسؤولون العراقيون بذلوا جهداً يسيراً لحماية حقوقنا في ضوء أحكام الاتفاقيات الدولية لالتمسنا لهم بعض العذر, ولو سألوا أحداً, أو استشاروا خبيراً متخصصاً في الشأن البحري لما وصلنا إلى ما نحن فيه, ولكنهم خلقوا لأنفسهم من الأعذار والذرائع ما أنزل الله بها من سلطان.
لقد تبادل الطرفان, العراق والكويت, وثائق التصديق على بروتوكول الملاحة في خور عبد الله, الذي لم يكن في يوم من الأيام موضع نزاع, من دون أن يطلعوا الشعب العراقي على نصوص هذا البروتوكول.
لم تفكر الكويت في يوم من الأيام في خور عبد الله, ولم تكن تدري بما يجري فيه, ولم تعترض الكويت على أي إجراء إداري أو ملاحي يقوم به العراق في خور عبد الله, وعلى وجه الخصوص في النصف الثاني من القرن الماضي, لكن عدم الاكتراث, وعدم الاهتمام بمصلحة البلاد هي التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن.
لقد مد الله بأعمارنا إلى اليوم الذي أصبحت فيه بلادنا نهباً, وسيادتنا تُنتزع, وبحرنا الإقليمي يتقلص, ونحن نقف موقف المتفرج, في حيرة لا نُحسد عليها, لا نستطيع أن نفعل شيئاً.
ويبقى السؤال: لماذا درسنا العلوم البحرية إذا كانت احتجاجاتنا لا تُسمع ؟, ولماذا تعلمنا الملاحة وفنونها إذا كانت اعتراضاتنا ليس لها أهمية ؟, ولماذا تخصصنا في القانون البحري وتشريعاته إذا كانت مشورتنا غير مطلوبة ؟, نحن لم نتراجع عن مواقفنا الشجاعة في يوم من الأيام, لكنها كلمة قالها إمام الزاهدين: لا رأي لمن لا يُطاع.
لقد تلقيت هذا الخبر المفزع بالحزن الشديد, كان عندي بصيص أمل باللجنة المكلفة بإعادة النظر في الموضوع, لكنني اكتشفت أننا كمن يبحث عن إبرة صغيرة بين أكوام من القش المنفوش.
من نافلة القول نذكر أن العراق وقّع عام 1937 اتفاقية مع إيران تنازل بموجبها عن جزء من مياهه الإقليمية مقابل عبادان في شط العرب, وذلك في ضوء تقسيمات خط الثالوك ولمسافة سبعة أميال فقط, فقامت القيامة يومها, وطعنوا في حق الملك وصلاحيته في التنازل عن أي جزء من العراق.
مما لا ريب فيه أن الذي وقع أو شارك أو أسهم من بعيد أو قريب في هذه الاتفاقية سيكون مسؤولاً أمام الله والعراق والعراقيين, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).
أما الرسالة الثالثة فقد وردتني من الكاتب العربي الأستاذ أحمد المدهون, وكانت مختصرة, وتشبه رسائل العزاء والمواساة, قال فيها: (لا حول ولا قوة إلا بالله, هكذا يريدون العراق مسلوب الإرادة, مسلوب القرار, لكن يكفينا أننا سجلنا موقفنا أمام الله, وأمام شعب العراق العظيم, وسيأتي يوم يسترد فيه العراق سيادته وكرامته).
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين