العراق تايمز. كتب علي صاحب شربه: ــ يعاني العراق من تداعيات "لعنة الموارد"، التي تلاحقه منذ بداية أكتشاف النفط والثروات الطبيعية فيه، دفعت القوى الإستعمارية على وضع الخطط الإستراتيجية للسيطرة على هذه الموارد وإبقاء أهل البلد يعانون من ويلات هذه الموارد، ويزدادون فقرا وعوزا وفاقة، في حين تدخل عوائد تلك الموارد الطبيعية في جيوب البريطانيين والأمريكان وحاليا الإيرانيين، مع رمي بعض عظام المائدة لواجهتهم في العراق السيد محمد رضا السيستاني وحزب الدعوة، فيما ينال عبيدهم العراقيين على بعض كسار العظام البسيط مما يفيض من جيوب تلك الدول.
فالعائدات النفطية في بلاد الرافدين يحرم منها أبناء البلد تماما فيما ينتفع منها البريطانيين والأمريكان والإيرانيين وعدد من القوى والأحزاب السياسية العراقية وبعض القوى الدينية ممثلة بمحمد رضا نجل المرجع الديني علي السيستاني الذي يدير ملف الطاقة في العراق وعوائده لصالح البريطانيين.
يقول المصرفي العراقي المخضرم نمير أمين قردار في كتابه (إنقاذ العراق: بناء أمة محطمة) أن مشكلة إدارة عوائد النفط العراقي تكمن في ساسته. ويشير إلى أن أزمة النفط العراقي بدأت مع قرار التأميم الارتجالي، الذي اتخذه عبد الكريم قاسم عام 1961، والذي عطل لسنوات لاحقة عمليات التنقيب عن النفط، فضلا عن تفويت ملايين الدولارات من عائدات النفط، في وقت كان العراق في أمس الحاجة إليها.
في عام 1979 كان الإنتاج النفطي العراقي يتجاوز ما عليه اليوم بواقع 3.5 مليون برميل يوميا، وحجم الاستهلاك الداخلي لا يتجاوز 500 ألف برميل، ولكن خلال الحرب مع طهران تراجع الإنتاج إلى 900 ألف برميل يوميا، وعقب احتلال الكويت تراجع الإنتاج إلى 300 ألف برميل، وحين صدر قرار مجلس الأمن ذو الرقم 986 بخصوص برنامج (النفط مقابل الغذاء) عام 1995، والذي استغل استغلالا سيئ السمعة، لم يتجاوز الإنتاج 2.2 مليون برميل نهاية عام 2000، وبدلا من أن تتم إعادة بناء مرافق البلد المحطمة، انشغل نظام صدام حسين ببناء تماثيل وجداريات تؤرخ لنصره المتوهم.
ولم يخرج العراق من هذا السرداب، فحكومة حزب الدعوة برئاسة نوري المالكي وحسين الشهرستاني، تحولت إلى حكومة استئثار حزبي وطائفي أضر بالعملية السياسية، وإلى التفريط في ثروات العراق النفطية لصالح شركات الطاقة البريطانية المملوكة لهنري كيسنجر واخوته المؤسسون.
ويرى مراقبون ومحللون أقتصاديون أن موارد النفط العراقية بلغت العام الماضي 100 مليار دولار، وأنخفضت العام الحالي إلى 94 مليار دولار أمريكي، ورغم ذلك، فإن مرافق البلد كالكهرباء والصحة والإسكان تعاني من خلل كبير، حيث فقدت عشرات المليارات من الدولارات في مشاريع وهمية، وتم استيراد أجهزة بمليارات الدولارات لا تعمل، ولذا جعلت حكومة محمد رضا السيستاني المتمثلة بنوري المالكي العراق يحتل المرتبة الرابعة في قائمة الفساد بالعالم.
بل والمفارقة أن هذه الحكومة تتفاخر بأنها حققت الموارد الضخمة تلك من دون أن تخجل ولو لحظة أن الشعب العراقي لا يزال يعاني الأمرين من نقص الخدمات وتردي الوضع الأمني والإقتصادي والإجتماعي، ولا يزال المتظاهرون في العديد من المدن العراقية يطالبون بحقوقهم الشرعية التي كفلها الدستور العراقي.
وقال المتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد في بيان رسمي أصدرته وزارة النفط العراقية الثلاثاء، إن "مجموع صادرات النفط الخام لشهر كانون الأول 2012 الماضي بلغت 72 مليونا و800 ألف برميل وبلغت الإيرادات المتحققة من البيع سبعة مليارات و551 مليون دولار. حيث تجاوز مبلغ نصيب محمد رضا السيستاني وحزب الدعوة الاسلامي للشهر الماضي الـ 201 مليون دولار دولارين لكل برميل لكل منهما ومثل هذا المبلغ نصيبهما من نقل الكمية المصدرة المعلنة.
واضاف أن الكميات المصدرة من النفط الخام لشهر كانون الاول الماضي تقسمت بين نفط البصرة الذي بلغ مجموع صادراته 62 مليون و700 الف برميل، مبينا ان قيمة المبالغ المتحققة من البيع قدرت بستة مليارات و495 مليون دولار. اما صادرات نفط كركوك فقد بلغت عشرة ملايين ومئة ألف برميل والمبالغ المتحققة من البيع مليار و56 مليون دولار. وبلغ معدل سعر البيع 103.723 دولار للبرميل الواحد.
وتحميل الكميات من قبل الشركات النفطية العالمية التي تحمل جنسيات مختلفة والبالغ عددها 30 شركة نفطية من مينائي البصرة وخور العمية على الخليج العربي ومن ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط وبالشاحنات الحوضية إلى الأردن.
ليس هذا فحسب؛ فهناك شواهد وأدلة كثيرة على أن حكومة نوري المالكي تحولت للعمل لصالح إيران، ويؤكد مسؤولون أمريكيون أن إيران ضغطت باتجاه بقاء المالكي في الوزارة، عقب حلول حزبه في الترتيب الثاني خلال انتخابات 2010، وعلى الرغم من اتفاق شراكة وقعه المالكي مع الأحزاب الفائزة برعاية بريطانية أمريكية، فإن المالكي تنكر لتلك الاتفاقية بضغط بريطاني ايراني امريكي مشترك، واحتفظ لحزبه بالمناصب الأمنية (الدفاع، والداخلية، والأمن الوطني، والمخابرات، ونيابة رئيس الجمهورية، والاتصالات)، مما دفع مسؤولين بريطانيين وأمريكيين إلى الحديث عن نزعته الاستبدادية، وخطر ذلك على مستقبل العراق السياسي للدفع بماكنة التقسيم.
وأكد المراقبون والمحللون الإقتصاديون أن الشعب العراقي يتطلع حاليا أن يتحول التفاخر الحكومي بهذه النسب الكبيرة لموارد النفط إلى أنعكاس إيجابي على واقعهم الذي يعيشوه وتحسين واقعهم. مبينين أن من حق العراق أن يشترى السلاح الذي يمكنه الدفاع عن حدوده وأرضه، ولكن كيف يستقيم ذلك مع الواقع المعاش السيئ للملايين من الشعب العراقي الذين لا تتوفر لهم حتى أبسط الضرورات مثل المياه الصالحة للشرب والمنزل الآمن والمريح.