برغم ان فضائية "العراقية" الرسمية تنأى بنفسها عن تغطية التظاهرات الشعبية والسلمية التي تشهدها خمس محافظات الى جانب العاصمة بغداد، لكنها كانت السباقة لإغتنام الخبر العاجل الذي أول من روجت له وضخمته عن وقوع مصادمات واطلاق نار في ساحة الإعتصام في مدينة الرمادي في محافظة الأنبار، وشاطرتها هذه الأخبار فضائية أخرى، هي فضائية نائب رئيس مجلس الوزراء صالح المطلك، "البابلية."
وضمن المجرى التصعيدي لهذا الخبر وجد بعض الدخلاء على أهالي الانبار، ممن وقفوا في الجانب المناويء للمعتصمين، فرصتهم لإيجاد موطئ قدم لهم، فأعلنوا دعوتهم عن بعد لتدخل الأجهزة الأمنية، ليصوروا بذلك ان هناك خرقاً كبيراً يستحق التدخل، أو لربما كانوا جزءاً من مؤامرة تحاك خيوطها منذ مدة لضرب الإعتصامات هناك.
وظلت "العراقية" محتفية بهذا الحدث، وأخذت تلتقي بشخصيات تعبر عن غبطتها لما جرى، وكأنها تحاول ان تقول: ها قد انتهى كل شيء، وأخذ المتظاهرون وقادة الإعتصامات يتصارعون في ما بينهم، حتى خرج أحدهم ليقول: لقد نبهنا على خطورة البقاء في ساحات الإعتصام، وكنا ندرك ان الملل سيصيب المتظاهرين.
وهذه هي النظرية التي راهنت عليها الحكومة، أن يمل المتظاهرون، لذا كانت تصف هذه التظاهرات بالفقاعة، لكن الأيام اثبتت عكس ذلك، حيث اتسعت هذه الساحات، حتى أصبحنا نرى فيها الملايين بعد ان كانوا ألوفاً.
ما جرى في دقائق معدودات، كان مادة دسمة لللت والعجن من فضائيتي "العراقية" و"البابلية"، وكنا نتمنى ان يسمع الرأي الآخر، ووجهة النظر الاخرى ، من الأحداث، لكن فرصة الطعن بالمعتصمين، غيّب وجه الإعلام المستقل والنزيه من شاشتي هاتين الفضائيتين.
لقد انتهت المشكلة، ولم يكن هناك لكمات او صدامات كالتي روجت اليها بعض وسائل الاعلام، وهذا البعض هما "العراقية" و"البابلية"، بدليل ان كل الذين ذكروا ، ظهروا عبر الفضائيات ، ولم تبد اية مظاهر لإصابات أو كدمات، كما ان ساحة الإعتصام كانت هادئة مطمئنة، ولم تزل متمسكة بسلميتها ومطالبها الدستورية والمشروعة.
بقي ان نستمع الى شهادة الشهود من الذين كانوا في ساحة الإعتصام، حيث اكدوا ان ما حصل هو دسيسة مدبرة، وقد القي القبض على المندسين وسلموا الى الشرطة، بحسب قادة الإعتصام، لكن هذا الإسلوب الذي يراد منه ايقاع المتظاهرين مع بعضهم أو ايجاد منفذ للتدخل، يتنافى مع الأخلاق والقيم، ناهيك عن القوانين والاعراف المجتمعية والسياسية ايضاً.
لقد اكد المعتصمون على سلمية التظاهرات، ففيما كان هتاف قادة المنصة وجمهور المتظاهرين "سلمية..سلمية"، كانت هناك ثلة قليلة من المندسين يصرخون "حربية .. حربية" وهي محاولة لتشويه صورة التظاهرات ، لكن التدبير فضح ودفن في مهده، غير ان المحاولات لا اعتقد ستنتهي، فهناك متربصين مثلما هناك فضائيات تسترق الخبر عن حدث من هذا النوع.
نقول لاولئك الذين يريديون فض هذه الإعتصامات، الموضوع ايسر من كل الخطط التي تدبرونها في الليل والنهار .. استجيبوا للمطالب المشروعة، وانصفوا الأبرياء، وأطلقوا سراح المعتقلات .. تنتهي التظاهرات، وفوقها شكر وامتنان
مقالات اخرى للكاتب