المحقّقون العراقيون يبرّئون المعتقلين وسط تجهّم وجوه الضباط الأمريكيين
بغداد
القصة تدور حول عراقي هارب من ملاحقات عسكرية واخلاقية وعائلية الى شمال العراق بعد أحداث الإنتفاضة التي أعقبت تحرير الكويت، لم يجد عملاً له في المكان الذي هرب إليه، إلا ليعمل بعمل خدمي لإحدى فصائل المعارضة العراقية، معتبرا نفسه منظما الى معارضة النظام العراقي بحجة المقاومة.
84- مترجمون يؤدي سوء ترجمتهم أما الى إفلات مجرمين أو إدانة أبرياء
وهنا يبدا يومه حيث يطلب منه الضابط مرافقة أحد أتباعه الى وجبة تحقيقية في القضايا التي لا تحتاج الى مترجم يحمل صفة سري (سكرت)، سطحية لغته الإنكليزية تجعله ينقل أسماء وعلاقات وتواريخ وأمكنة لحوادث تحقيقية فقط، بينما يدرج المحققون ما ينقله علي في محاضر تحقيقية، ورغم أن المحاضر التحقيقية المحرر من قبل المحقق منقولة من الترجمة العربية التي قدمها علي ولكنه يشعر بصعوبة لفهمها وشرحها للمتهم الذي يجب أن يطلع عليها قبل التوقيع، بسبب اللغة المهنية القانونية التي كتبت بها، ولهذا يحاول أن ينقل ابسط ما يتمكن عليه أمام المتهم، ولكن في أغلب الأوقات المتهمون لا يفهموا ما قاله لهم علي، ولكن يقبلوا باي شيء للخلاص من حراجة التحقيقات التي لا يدروا أين ستصل بهم في هذه الفوضى؟
المحققون الأمريكان الذين يعانون من ضعف فهم المترجمين العرب للهجة العراقية، يتفاجأون بأن المشكلة قائمة حتى مع المترجمين الأمريكان من أصل عراقي؟
الأمر الآخر علي كان يحاول من برودته بالترجمة وبطئه أن يمنح نفسه الوقت ليفهم من المحقق والمتهم وينقل لهم ما يتمكن عليه، ولهذا كثيرا ما سببت لهم إزعاجاً ومللاً وضياعاً قيمة التحقيق وجهود وتضحيات أمريكية وعراقية كبيره بُذلت لإلقاء القبض على أنواع من الأبرياء المجرمين المتهمين بالإرهاب والتخريب والإجرام الذي كان يجري وتكاثر في مدة الإحتلال.
ولهذا بين الحين والآخر يشعر علي بالإحراج وبين الإستياء من عدم تمكنه من مواكبة الترجمة ـ،يحاول بكل وسيلة التملص من الواجبات، وبعد أيام من عمل علي شعر المحققون بضعفه في الترجمة الفورية، حاولوا أن يجدوا له ترجمة الوثائق الإنكليزية على الورق، ولكنهم وجدوه بأنه بمنتهى البطء، وبصعوبة ينهي في اليوم الواحد صفحة واحدة أو أقل،ومع ذلك لاحظوا صعوبة فهمها من قبل المحققين العراقيين في المحاكم.
85- مترجمون يقبلون أن يتحولوا الى عيون داخل زنزانات المعتقلين بدلا من تكليفهم بترجمة لا يستطيعون تدبيرها
ظل علي يدور ويجول بين المترجمين العرب والقلة القليلة من العراقيين ليعرف كيف يتدبروا أمرهم، فيجد أحد المصريين الذي يفتح له باب النقاش ليكشف له جانباً ما يدور بهذه الوحده العسكرية، فيتبين أن الكثير من العرب والمترجمين هم لا يعملون بالترجمة وإنما خبراء ومحققين وعناصر تجسس يقحمون مع المتهمين لمعرفة بعض أسرار وحقائق من المعتقلين ،وأن أغلب الذين يوجدون هم باسماء غير حقيقية لأغراض سرية، أكثر من ذلك يكتشف علي من خلال هذا المصري بأن بعض العرب والعراقيين من أصحاب السوابق الإجرامية الذين حصلوا على تسويات لمخالفات جنائية إرتكبوها في الولايات الأمريكية مقابل قبول تسخيرهم من وكالات أمنية أمريكية في العراق ليكونوا أما مترجمين أو عملاء يدسونهم في اقفاص المعتقلين للتجسس على حقيقتهم!
كما يكتشف علي أن ظاهرة تعصيب عيون المتهمين و(تقنيع) وجوه المترجمين والمحققين وغيرهم احدى اهم ظواهر القاعدة، مثيره للضيق والقلق والرهبة له،فكان يتمنى أن يجد عملا آخر يتخلص من هذا الجو الملتهب.
86- مترجمون يحولون رحلتهم من المعسكرات الى المؤسسات العراقية كسفرات إستطلاعية للإستمتاع بمشاهد معاناة الناس
وبسبب غياب أحد المترجمين المحليين يكلف الضابط المسؤول علي بمرافقة إحد المواكب العسكرية التي تنقل بعض المتهمين لمحاكم بغداد، فيعتبرها سفرة إستطلاعية مهمة، وبالفعل يستعد علي مع عناصر الجيش والمحققين الأمريكان الذين يرتدون كامل واقيات الراس والرصاص،فينطلقون في الموكب، فيشاهد علي إحد شوارع العراقيين المدنية المكهرب بالإرهاب والحيطة والحذر ووجوه الناس التي تقطر بين الخوف والرهبة وبين الكراهية والشؤم من القوافل المسلحة الأمريكية التي تنذر الموت والدمار الذي لن يكلف المحتلين إلا بضعت مئات من الدولارت يمنحوها لأعدائم من الضحايا، أمواتا كانوا أو متضررين ……
بينما يقوم عناصر القافلة بنقل الملاحظات بينهم ويستمرون بالكلام وتبادل النكات أو شتم وسب من يعترضهم من السواق المتفاجأون بالأرتال الأمريكية، وخاصة المذعورين من منبهاتهم الإسعافية او صريخهم وحركتهم الإلتوائية في شوارع العامة وكأنهم بمشاهد مراكب فضائية بألعاب ألكترونية وليس بشوارع شعبية حقيقية، لم يفكر علي بأن أساليب الأرتال ستكفر العراقيين بالأمريكان وتكرس سوابق مسير ارتالهم في شوارع العراقيين التي أجهزت على ما تبقى من أنظمة المرور،وخلقت عادات سير تتبعها القيادات العراقية والمليشات وحماياتهم الذين يتحججون بالأمريكان، الذين يدعون بأنهم يتقدمون العالم بإحترام حكم القانون والنظام!
وإن كل ما كان يفكر به علي أن يصل آمنا الى المنطقة الخضراء، خاصة بعد أن أضافت عليه واقيات الراس والرصاص التي الزموه بإرتدائها رهبة خوف لم يشعر بمثلها طوال حياته في هذه البلاد،حتى عندما كان جنديا يقاتل في جبهات القتال ضد إيران!
87- أمريكي تفتح له ابواب الخضراء ومترجم محلي مع طوابير المنتظرين على الأبواب
فيدخل علي مع القافلة المنطقة الخضراء التي تعمل بها المحكمة لأول مرة في حياته ،،، حيث يفتح حراسها الأمريكان لهم الأبواب مباشرة بينما خطوط السيارات والمواطنين ينتظرون على أبوابها وكأنهم في طابور يوم القيامة.
يدخلون مواقفهم الخاصة،ويبدا بإنزال الموقوفين فيساعدهم علي في الترجمة،وما أن يبدا تداول المتهمين الى العناصر الأمنية العراقية حتى تبدا إجراءات تنفيذ تسهيلات (بيع وشراء المتهمين ودعاويهم) بين زمر العناصر الأمنية والقضائية والمعقبين والمحاميين والمترجمين المحليين المقنعين الذين لا تستطيع أن تميزهم عن الحراس المقنعين! دون أن يلاحظ علي هذا التمييز والتقديم والتأخير في المعتقلين، ونوعيات مختلفة من التعامل مع المتهمين وأنواع من التلاعب بالأوراق والملفات، وأشكال من السياقات التي يطلع عليها لأول مرة.
88- مترجمون يتحولون الى دلالين في سوق بيع وشراء المعتقلين
يظل علي يدور في عينيه وإذنية وكأنه متفرج على مسرحية (بالإفرنجي) لا يعلم ماذا يدور من حوار ونقاش،فلا يسمع إلا كلمات وجمل متقطعة يتداولوها المعتقلون والمحققون مع زمر المحاميين وذويهم من أصحاب الحضوة الذين إستطاعوا الحضور، بينما ظل قسم من المعتقلين مقرفصين على الأرض وقد سلموا أنفسهم لأقدار ملفاتهم وفوضى وأمزجة العناصر القضائية العراقية، مثل المترجم الجديد علي، ينظروا بأعينهم، وكانهم دخلوا (محاكم مليشات شوارعية) لا يدرون ماذا لهم وماذا عليهم!
يبدا علي بمهمة الترجمة من خلال إستدعائه ليترجم ما تقوله عناصر مفرزة أمريكية كانت شاهدة على حادث وضحايا إستهداف أحد أساطيل الجيش الأمريكي الذي ينقل الوقود الى قواعده العسكرية، يحيي القاضي، فلا يرد عليه القاضي، فيشعر علي برهبة، ثم يطلب منه إداء قسم الترجمة، يبدأ بإدخال الجنود الأمريكان كلا بعد الآخر للإجابة على أسئلة القاضي العجائبية،و لكن إستعداء القاضي لشهود المفرزة الأمريكية حولته من قاضي يتحقق من شهادة ضحايا لعمليات إرهابية ضدهم الى محقق يتحقق من متهمين خطرين!ّ
89- مترجمون تؤدي سوء ترجمتهم الى إحرجات وإذلال للجنود الأمريكان أنفسهم
لم يستغرب علي، لماذا القاضي الذي تم تعيينه بظل الإمريكان يعادي هؤلاء الجنود المساكين الذين إستهدف زملاءهم وقتل من قتل وجرح من جرح ونهب إسطول شاحناتهم،والآن يتكبدون مشقة تحقيق مذل من قبل القاضي،فقط لأنه طلب حضورهم كشهود على الشكوى، حتى شعروا بأن القاضي يريد القبض عليهم؟
الحقيقة كل ما كان يفكر به علي أنه يحمد الله لم يكن شاهدا مثلهم ولن يضع نفسه بالمستقبل أمام أي شهادة تضعه بهذا الموقف المحرج الخطير!
90- مترجمون كسلهم وفسادهم يجعل من عمل السلطات التحقيقية العراقية لغزاً محيراً للمفارز الأمريكية
يتفرج علي على تعاملات متنوعة، متهمين تنجز ملفاتهم ويدخلون على القضاة وآخرين ينتظرون وأنواع من المخاتلات والتدخلات وأشكال من الهمس واللمس، معتقلون متجهمون وآخرون فرحون بمن حولهم من المحامين والأهل والمعقبين، وآخرين مشغولين يتلقون بعض التوصيات من المحققين،المهم أن جميع المعتقلين تحت أعين العناصر العسكرية الأمريكية ولكن ليس تحت سلطتهم التحقيقية ولا يدرون بالضبط ماذا يجري معهم حتى المترجمين المحليين ممنوعين من التدخل بأمور المحققين.
لم يفكر علي كيف تضيع بهذا البازار القضائي جهود واوقات الجنود الأمريكان وملايين الدولارات التي صرفت للقبض على متهمون أبرياء أو مجرمين قاموا أو خططوا أو ساهموا بقتل جنود من زملائهم أو جنوداً عراقيين، أو خربوا مؤسسات المواطنين أو إستهدفوهم بالتفجير او القتل العمد،، بل كل ما يشاهده علي هو كنز مدهش لبيع وشراء الملفات الجنائية يمارسها من الفراش الى أكبر قاضي في هذه المحكمة،، !!! كان علي يفكر أن يخطط ليكون هو جزءا منها إذا تمكن من البقاء في الميدان؟
أحد عناصر التحقيق العسكرية المرافقة لرتل المعتقلين، يطلب من علي ان يترجم ما يريد ان يقوله المحقق العراقي بخصوص قرار القاضي المثبت على ملف أحد المعتقلين.
فيبلغه بأن القاضي طلب الأفراج عنه لعدم كفاية الأدلة رغم إتهامه بقتل عدد من الجنود الأمريكان بعبوة ناسفة،وإعتراف مقرون بالأدلة الثبوتية، يتجهم وجه المحقق الأمريكي ويكاد ينفجر من الغضب.
متهم آخر، يقرر القاضي تمديد موقوفيته رغم أن التحقيقات الأمريكية والعراقية تقول بأنه إنسان بسيط وبريء،وقد إعتقل بحملة إعتقالات عشوائية أعقبت أحد الإنفجارات الواقعة في إحدى مناطق بغداد التي تدار من قبل الأمريكان.
متهم آخر يرتبط بتنظيم القاعدة ومتهم بقتل عدد من الجنود الأمريكان،وبقتل بعض مواطنين صادف وجودهم بالشارع العام،يطلب القاضي مزيداً من الأدلة لأن إقرار المتهم والشهود السريين والبلاغات التي أوصلت القوات الأمريكية إليه غير كافية .!!…
متهم آخر يقرر القاضي الإفراج عنه رغم وجود ملف تحقيقي متكامل ضده صادر من شرطة محلية وقاضي محلي اقر المتهم أمامه بقتل إسرة كاملة لأنها عائلة شيعية كانت تعيش في منطقة سنية !
متهم آخر، متهم بإستهداف إسطول شاحنات إيصال الوقود الى القوات الأمريكية ، وتم ملاحقته من قبل المفرزة الأمريكية التي تحمي الإسطول، ولكن القاضي طلب في جلسة تحقيق سابقة أن تحضر عناصر المفرزة التي كانت تحمي الإسطول بنفسها لتقدم إفادتها حول الشكوى المقدمة من الجيش الأمريكي، ومع جهد إستغرق شهوراً من عمل المحققين مع الجيش الأمريكي لتجهيز المفرزة الأمريكية وتقديم إفادتها وتعزيزها بمزيد من الوثائق الفلمية والصور،يقرر القاضي الإفراج عنه لأنه إستطاع أن يحصل على عناية خاصة من المحققين والقاضي بواسطة معقبين ومحامين من العيار الثقيل!
ومتهم وثقت إفادته مع صور عن ضحاياه من الجنود الأمريكان، ولكن قاضي التحقيق أراد أن يمارس دور المعجز للمفرزة الأمريكية ، يريد بعد ستة أشهر من إرسال جثامين الأمريكان الى بلادهم ودفن الضحايا من العراقيين أن يطلع على جثث الضحايا ليتأكد من وفاتهم!
قاض اخر يرفض الأدلة الجنائية وتقرير الخبير الجنائي الذي أكد وجود المادة المتفجرة على يد أحد المتهمين الذين عثر عليهم في مكان إستهداف إحدى القواعد العسكرية، فيرفض القاضي تقرير المختبر الجنائي العائد للأمريكان،ليطلب إرسال المتهمين والمواد المقبوضة معهم الى جهة للتحريات الجنائية العائدة الى وزارة الداخلية العراقية،رغم أن الحادث مر عليه أكثر من سنة، وأن مختبرات الأدلة الجنائية العراقية كانت لا تعمل حتى مع (البخاشيش)!
شهود إثبات سريين وعلنيين خائفون ومرعوبون وخائبون يتقاطرون على قضاة التحقيق لتغيير شهاداتهم بسبب قيام القضاة ومساعديهم والعناصر الأمنية بتسريب أسمائهم للمتهمين وذويهم، في دهشة المحققين الأمريكان وضحاياهم.
من جانب آخر جنود أمريكان إكملوا علاجهم يصطفون للشهادة إستجابة لمحاكم جنايات مشكلة أمام محاكم التحقيق لإرهابيين ومجرمين ضد الأمريكان والعراقيين، ولكن قسما يؤخذ شهادهم، وآخرين يتعرضون للإهمال بعد أن أنهى بعض القضاة قضايا الجناة بالبراءة والافراج؟
91- مترجمون يلهون بالإستماع الى خزعبلات المسؤولين العراقيين أكثر من إهتمامهم بمسؤلياتهم
قضاة يلهون بهواتفهم أثناء المرافعة وآخرون يتلقون وساطاتهم حول دعاوى اليوم بالهواتف النقالة، وأخرون يتحدثون بشؤونهم الخاصة وأسعار بيع اللحوم والفواكة والخضر،ومنهم يتحدث عن قطوعات الكهرباء المبرمجة، وآخرين يتحدثون عن مسلسل تلفزيوني، وآخرون يتحدثون عن الدين وأهل البيت التابعين للشيعة،قضاة شكلوا محاكمهم الساعة العاشرة وينظرون لساعاتهم أملا في إنهاء مرافعاتهم قبل الساعة الواحدة !
مقالات اخرى للكاتب