ينسجم مشروع الإصلاح السياسي أوالإقتصادي أوالإجتماعي، مع جدلية التصحيح الدائم لظواهر الإنحراف أو الميل عن سياق الرؤية أوالبرنامج الموضوع في الحقل الفلاني ، مايجعلها إجراءات مستمرة، طبيعية وليس لحظة إنقلاب ضد سلسلة أخطاء تراكمية ، عندها يخرج مفهوم الإصلاح من الواقع العملي الى مشروع الظاهرة الصوتية أو الإعلامية ، مترافقا ً مع عجز تنفيذي يشكل خطأ ً إضافيا ً .
فحص التجربة العراقية بعد أثنى عشر عاما ً من تجربة الحكم الشيعي في العراق ، وهنا اقصد بالتحديد إمتلاك الأحزاب الشيعية للسلطة التنفيذية وأدواتها الفاعلة (المؤسسة الأمنية ، السلطة القضائية ، السلطة المالية ، السلطة الإعلامية ، مؤسسة النزاهة ) ، يعني أن العراق يعيش أزمة عميقة في الحكم وإدارة الدولة، مايجعل مشروع الإصلاح الذي ينادي به الجميع الآن ضرب من الإحتيال على الواقع .
رب سائل يقول ماهي مظاهر هذه الأزمة للحكم الشيعي في العراق ، والجواب أن مركز القرار المهيمن عليه من قبل الأحزاب الشيعية سواء في البرلمان أم الحكومة ، لم ينتج مظاهر دولة المواطنة وسيادة العدالة الإجتماعية ،واعتماد القدرات الوطنية الكفوءة والخلصة وظيفيا ً ، والقوانين التي تحقق مصلحة الوطن والمواطن ....الخ ،
إنما دولة محاصصة طائفية قاسمها المشترك ، توزيع المنافع والمال والصفقات والإمتيازات ، تتمحور على علاقات عدائية وتنازع دائم على كل المستويات، تحارب طائفي فيما بين السنة والشيعة ، او تحارب وخلافات مع الشريك الكردي أيضا ً، وتلك جوهر الأزمات .
الشيء الآخر والمهم أنها سلطة سقطت في فخ كارثي تاريخي لم يحدث في أسوأ مراحل الإنحطاط السياسي العراقي ، وهو تسييس القضاء وإفراغه من مضمونه السماوي وقوانين العدالة الأرضية .
هذان العاملان فتحا أوسع الآفاق لتشكيل قواعد الفساد الإداري والمالي والأخلاقي والإجتماعي أيضا ً، بل صار الفساد الحلقة المكملة الأهم لتلك الشروط الوجودية الطارئة التي صارت تؤسس لقواعد الحكم والحكمة الضالة ، وصار الفساد بمنظوماته المالية والسياسية والإدارية والأمنية والقانونية ، هو من ينتج الحكومة ووزرائها ويرسم فعالياتها وعلاقاتها بمن حولها من أصدقاء أو اعداء .
ماسبق هو رؤية تقويمية لواقع حال يمتلئ بتفاصيل هائلة ومرعبة بل تصل حدود الخرافة في إختراق قواعد المعقول عرفيا ًو قانونيا ً وأخلاقيا ً ...!
هذه الحقائق كان ينبغي ان تنتصب امام المشرّع للإصلاح سواء من قبل السيد حيدرالعبادي وفريقه الرئاسي المنهك والمتهم أيضا ً، أو الدعوة التي تبنتها المرجعية بضرورة الإصلاح ، وإذا ماحسبنا بأن مشروع الإصلاح المتبنى قد جاء بسبب الغضب الجماهيري والمظاهرات الحاشدة في كل المدن العراقية ، التي تمثل العمق الشيعي، فأن المحصلة تشير الى ان مشروع الإصلاح كان طارئا ً ، لم ينتج عن إرادة منبثقة من داخل مؤسسة السلطة وحاجتها لذلك ، لأنها حكومة نخرها الفساد والإنحطاط وأحالها الى هيكل بلا قوة فاعلة .
ضغط الشارع الغاضب وتوجيهات المرجعية كانا يشكلان قوة ضغط دفعت رئيس مجلس الوزراء مضطرا ً لإصدار حزمة قرارات ووعود إصلاحية ، غير قادرة على الدخول الى عمق الأزمة ومركباتها وتفكيكها والأنتصار عليها ، بل وقفت تنظر بتردد لمستعمرات فساد نشكك بقدرة السيد العبادي على اقتحامها .
سلطة الحكم الشيعي في العراق يعاني أزمة وجودية حادة وعميقة ومتنوعة ، بعضها مركزي فلسفي تأسيسي ، والآخر يتمثل بالبناء الفوقي للدولة والمجتمع ، تلك الأزمة هل تعالج بمشروع إصلاحات الدكتور حيدر العبادي ...؟
الجواب بالتأكيد كلا ..! واقع الحال يستدعي ثورة تصحيحية ، وهذا موضوع مقالنا ليوم غد .
مقالات اخرى للكاتب