جحا شخصية فكاهية، تقول الموسوعة الحرة انه انتشر في كثير من الثقافات القديمة ونسب إلى شخصيات عديدة عاشت في عصور ومجتمعات مختلفة. وجحا اسم لاينصرف لأنه معدول من جاح، مثل عمرو من عامر، ويقال: جحا يجحو جحواً إذا رمى. ويقال: حيا الله جحوتك. أي وجهك. وفي الأدب العربي، نسب جحا إلى “أبو الغصن دُجين الفزاري” الذي عاصر الدولة الأموية. وهو أقدم شخصيات جحا، والنكات العربية تنسب اليه. وفي الأدب التركي هو من اسطنبول، ويسمى الشيخ نصر الدين خوجه الرومي الذي عاش في قونية معاصرا الحكم المغولي لبلاد الأناضول، ومعظم القصص المعروفة في الأدب العالمي تنسب له. وتضيف الموسوعة الحرة أن كل الشعوب وكل الأمم صمّمت لها (جحا) خاصاً بها، بما يتـلاءم مع طبيعة تلك الأمة وظروف الحياة الاجتماعية فيها. ومع أن الأسماء تختلف وشكل الحكايات قد يختلف أيضاً، فان شخصية (جحا)،الذكي البارع الذي يدعي الحماقة، لم تتغيّر. وهكذا تجد شخصية نصر الدين خوجه في تركيا، وملا نصر الدين في إيران وكردستان. ومن الشخصيات التي شابهت جحا: غابروفو بلغاريا المحبوب، وأرتين أرمينيا صاحب اللسان السليط، وآرو يوغسلافيا المغفل.
اذا رجعت الى أية مكتبة ستكتشف أن الطرائف الواردة في كتاب “نوادر جحا” (جحا العربي) المذكور في فهرست ابن النديم (المتوفى 438هـ) هي نفسها المذكورة في نوادرالأمم الأخرى، ولم يختلف فيها غير أسماء المدن والملوك وتاريخ وقوع الحكاية مما قد يرجح الأصل العربي لهذه الشخصية.
وما يذكرني بجحا هو هوس الإصلاحات الرائج هذه الأيام، فثمة من يقول أن خطوات د.العبادي هي إصلاحات، وهناك من لا يعترف بها، ويعدها اجراءات تقشفية. فتذكرت الملا نصر الدين الذي جلس يوماً على منصة الوعظ في أحد جوامع “آق شهر”، وقال:
ـ أيها المؤمنون، هل تعلمون ما أقوله لكم؟
فأجابه السامعون: كلا، لا ندري.
قال:
ـ إذا كنتم لا تعلمون، فما الفائدة من التكلم.
ثم نزل. وعاد في يوم آخر فألقى عليهم السؤال نفسه، فأجابوه هذه المرة: أجل إنا نعلم. فقال:
ـ ما دمتم تعلمون ما سأقوله، فما الفائدة من الكلام؟
فحار الحاضرون في أمرهم واتفقوا فيما بينهم، على أن تكون الإجابة في المرة القادمة متناقضة، قسم يجيب: لا، وقسم يجيب: نعم، ولما أتاهم في المرة الثالثة، وألقى عليهم سؤاله الأول. اختلفت أصواتهم بين: لا ونعم، فقال:
ـ حسناً .. مَنْ يعلمُ يُعْلِمُ مَنْ لا يَعْلم.
مقالات اخرى للكاتب