لم تجتمع الأمة الأسلامية في حدث ما منذ أن بدأ الرسول (ص) الرسالة السماوية وحتى وفاته كما أجتمعت في بيعة الغدير ، ففي اقل التقادير كان عدد المسلمين المجتمعين في غدير خم 18 ذي الحجة عام 10 هجرية أكثر من 120 ألف مسلم , ولم يهدد الله سبحانه وتعالى نبيه (ص) في تبليغ أمر ما كما هدده في إخبار الأمة بمسألة الولاية عندما قرن الرسالة المحمدية جميعها بالولاية أي عدم التبليغ بأمر الولاية يدل على عدم التبليغ بالإسلام كدين قال سبحانه وتعالى (يأيها الرسول بلغ ما أنزل أليك من ربك فأن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ).......(1), ولم يكمل الدين ويتم إلا بيوم الغدير ولم تتم النعمة الآلهية على المسلمين إلا ببيعة الغدير ولم يرضا الله أن يكون لنا الإسلام كدين نتعبد به إليه إلا في عيد الله الأكبر بعد إخبار الرسول (ص) للأمة بحديث الولاية قال رسول الله (ص) (من كنت مولاه فهذا علي مولاه أللهم والي من والاه وعادي من عاداه وأخذل من خذله وأنصر من نصره ) والأمة قاطبةً أستجابة لنداء الإمامة وأعطوا البيعة لعلي بن ابي طالب(ع) بالولاية والخلافة الإلهية وحتى الذين في قلوبهم مرض قد بخبخوا لأمير المؤمنين (ع) قال الله سبحانه وتعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتمت عليكم نعمتي ورضيت لكم الأسلام دينا ).......... (2). فلماذا هذا الجفاء لولاية علي بن ابي طالب (ع) من الأمة بل وصل الأمر بهم الى المعادات والبغض , وهذا يثبت قوله تعالى (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل أنقلبتم على أعقابكم ) ........(3), فقد أحتاط كل من له طمع في ولاية الأمر والسلطة من أخذ حذره وتدابيره حتى لايكتب أي كتاب من قبل الرسول (ص) في أمر خلافته وهذا ما حدث عندما أراد رسول الله (ص) أن يكتب وصيته وطلب الكتف والدواة أو اللوح والدواة فصرخ عمر بن الخطاب دعوا الرجل أنه يهجر وبعضهم يجّمل العبارة ويحولها دعوا الرجل لقد غلب عليه المرض أو الوجع وهذا الحادثة قد رواها أغلب علماء الحديث وفي مقدمتهم البخاري تحت عنوان رزية يوم الخميس ..........(4), وبعد أن تم خطف الخلافة والأمة بعضها مشغول في غسل وتكفين ودفن رسول الله (ص) وهم علي بن ابي طالب (ع) وبني هاشم وبعض الصحابة كأبي ذر وسلمان وعمار والمقداد والزبير وغيرهم والبعض الأخر أراد أن يختار خليفة لنفسه خوفاً من عواقب قريش إن أستلمت الخلافة وهم الأنصار أرادوا أختيار سعد بن عبادة وعندما قدم أبو بكر وعمر وعبد الرحمن الى السقيفة فنافسوا الأنصار على الأمر وبعد أن أختلف الأنصار مع بعضهم البعض وبني هاشم منشغلين بأمر الدفن فلم يبقى يقظ في تلك اللحظة إلا أبو بكر وعمر فبسط عمر يد أبو بكر وبايعه والأمة قاطبةً منشغلة بأمرها بعيدة كل البعد عن لحظة إعطاء البيعة لأبي بكر, وبعد هذه اللحظة المشئومة التي جلبت للأمة كل عذاباتها ومعاناتها وأبتعادها عن الخط المحمدي القويم وقد عنوّن عمر هذه اللحظة بالفلتة وقى الله شرها فمن أعاد لمثلها فأقتلوه....... (5) أي حكم على نفسه بالقتل لأنه أول من فعلها وأسسها . وبعد السيطرة على القيادة الدنيوية أصدر أوامره أبو بكر بمنع من يقول الحديث روى الذهبي أن أبا بكر جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال ( إنكم تحدثون عن رسول الله (ص) أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم اشد أختلافاً فلا تحدثوا عن رسول الله (ص) شيئا فمن يسألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فأستحلوا حلاله وحرموا حرامه )........(6), وأستمر عمر بن الخطاب على هذا المنع بل أصبح أكثر تشدداً فقد هدد بالعقاب وحتى وصل الأمر الى وضع بعض الصحابة تحت الإقامة الجبرية في مفهومنا هذه الأيام عن عبد الرحمن بن عوف قال ما مات عمر بن الخطاب حتى بعث الى أصحاب رسول الله (ص) فجمعهم من الآفاق عبد الله بن حذيفة وأبا الدرداء وأبا ذر وعقبة بن عامر فقال ما هذه الأحاديث التي افشيتم عن رسول الله في الآفاق ؟ قالوا تنهانا ؟ قال : لا أقيموا عندي , لا والله لا تفارقوني ما عشت فنحن أعلم نأخذ منكم ونرد عليكم فما فارقوه حتى مات .......(7) وروى الذهبي أن عمر حبس ثلاثة أبن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري فقال : أكثرتم الحديث عن رسول الله(ص) ......( 8) فقد نهى الخلفاء عن نشر حديث الرسول (ص) وكان مصير من يخالفهم ويروي أو يكتب ما يخالف إتجاههم مدى االقرون القتل المعنوي أو الجسدي . وأستمر معاوية بالأمر وأضاف عليه سب الإمام علي (ع) على منابر المسلمين روى الطبري إن معاوية لما أستعمل المغيرة بن شعبة على الكوفة سنة 41 هجرية وأمّره عليها دعاه وقال له : ...........لا تترك شتم علي وذمه والترحم على عثمان والأستغفار له والعيب من أصحاب علي والإقصاء لهم والإطراء لشيعة عثمان والإدناء لهم ...) ........(9 ) , روى المدائني في كتاب الاحداث وقال : كتب معاوية نسخة الى عماله بعد عام الجماعة : أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته وكان اشد البلاء حينئذ أهل الكوفة........ (10 ), وبقى هذا المنع نافذا حتى ولي الحكم عمر بن عبد العزيز الأموي فرفع المنع وكتب الى أهل المدينة ( أن أنظروا حديث رسول الله فأكتبوه فأني قد خفت دروس العلم وذهاب أهله ) ......(11) فتم هذا في عام 100 هجري أي حوالي 90 سنة لم يكتب الحديث بل يعاقب كل من نقل الحديث وفي هذا السبيل طرد أبا ذر من المدينة ومات في الربذة وقتل حجر بن عدي وأصحابه صبرا وقتل وصلب رشيد الهجري وميثم التمار ومن بعد بني أمية تسلم الحكم بني العباس فكانوا أشد خطراً على الأسلام المحمدي من بني أمية أذ يقول القائل ( والله ما فعلت أمية فيهم معشار ما فعلت بني العباس) وعندما فتحوا لهم باب الحديث فأنتشر عدد كبير من الأحاديث الموضوعة في تفخيم أنفسهم وتكريمهم مثل ما قال صلى الله عليه واله وسلم بالنسبة الى وصيه وخليفته ......(12) وإذا تطرقوا الى فضائل علي بن أبي طالب (ع) يقول بعضهم ( الحمد لله الذي تفرد بالكمال........وقدم المفضول على الأفضل إقتضاها التكليف )......(13) , بهذه الطريقة أخفى الحكام الذين تعاقبوا على حكم الأمة الأسلامية بالحديد والنار سنة الرسول (ص) لكي يخفوا من خلالها كل فضائل أهل البيت عليهم السلام وخصوصاً مسألة الولاية والخلافة وقدم أتباع أهل البيت (ع) الضحايا تلوا الضحايا من أجل الحفاظ على بعض سنة الرسول (ص) لكي تهتدي الأمة بها الى الطريق المستقيم الذي أراده الله سبحانه وتعالى فمهما فعل الحكام وأتباعهم من أفعال شنيعة لكي يبعدوا الحق عن أهله ولكن الله سبحانه وتعالى حافظ لدينه إذ يقول الله سبحانه وتعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ).....(14) , وبقى يوم الغدير عيد الله الأكبر الذي يفرح به المؤمنون وطلّاب الحق في كل مكان من هذه المعمورة لأنه اليوم الذي نصب به قائد البررة وقاتل الكفرة ومحب الفقراء وناصر المستضعفين وحبيب المساكين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) إماًماً للأمة وخليفةً لله في الأرض رغم رفض الحاقدين والظالمين الذين بذلوا ما بذلوا من طاقات من أجل إبعاد الناس عن الحق من خلال إخفاء فضائل علي بن أبي طالب (ع) ولكنهم لم يستطيعوا بل خرج عنه ماملأ الخافقين (عن بعض الفضلاء.. وقد سئُل عن فضائل علي بن أبي طالب (ع) فقال ما أقول في شخص أخفى اعداءه فضائله حسداً وأخفى أولياءه فضائله خوفاً وحذراً وظهر فيما بين هذين ما طبقت الشرق والغرب)....( 15) فقد كرّسوا كل مايملكون من قوة لكي يخفوا حدث يوم الغدير فباءوا بالفشل والخسران المبين فوصل ألينا واضح كنور الشمس ليس فيه لبس إلا على الذين في قلوبهم مرض فكان بحق من معاجز الله سبحانه وتعالى حفظ هذا الحدث في كتب التاريخ والحديث لما له من أهمية وعلامة للحق أراد الحكام والكتّاب أنفسهم على إطماسها ولكنهم كتبوها وأكدوها وهم لها كارهون ، فأصبحت بيعة الغدير الشاهد الأكبر على إنحراف هذه الأمة عن طريق الله القويم وضياعها في وحل الظلمات , فما أحلى الحق عندما يخرج من أعدائك ياأبا تراب فسلام عليك يا ابا الحسن يوم ولدت ويوم تم تنصيبك بأمرة المؤمنين ويوم أستشهدت ويوم تبعث حيا.
1- سورة المائدة أية67 " 2- سورة المائدة أية 3 "3 - سورة آل عمران أية 144 "4 - صحيح البخاري ج4ص31 دار الفكر" 5- تاريخ اليعقوبي ج2ص158" 6- تذكرة الحافظ للذهبي بترجمة أبي بكر ج1ص2-3 " 7- الحديث رقم 4865 من كنز العمال ط الأولى ج5ص239 " 8- تذكرة الحفاظ للذهبي ج1ص7بترجمة عمر" 9- تاريخ الطبري ج2ص112-113" 10- ابن أبي الحديد المعتزلي – نهج البلاغة ج11ص44 " 11- فتح الباري كتابة العلم ج1ص218" 12- الغدير ج5ص297ص378 " 13- شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد ج1ص3 " 14 - سورة حجر أية 9 " 15- مقدمة المناقب للخوارزمي ص8