لايختلف إثنان على إن هجرة العراقيين مستمرة منذ زمن النظام السابق وتحديدا بعد إنكسار جيشنا العراقي الباسل في حرب غير متكافئة اطلق عليها حرب الخليج الثانية عندما تحالفت دول عظمى مع دول عربية ضد العراق بسبب اجتياح دولة الكويت واصرار النظام السابق على البقاء في الكويت واحتلالها لمقاصد سياسية وتاريخية ، وهنا لااريد ان اخوض في الاسباب والتفاصيل والنتائج لكن في النتيجة كان انكسارا كبيرا لجيش عرف بقوته وشجاعته وهو يخرج من معركة دامت ثمانية اعوام منتصرا وصارت الدول العربية وحتى الاجنبية تحسب للجيش العراقي الف حساب ، ولكن حصل الذي حصل فهزم الجيش ومعه الهزيمة وقعت الويلات تلو الويلات على العراق وشعبه بدأَ من سنوات الحصار التي اذاقتنا العلقم انتهاء باحتلال العراق عام 2003 وهي ذروة معاناتنا بعدما توسمنا خيراَ واملاَ بسقوط النظام السابق ورسمنا احلاما وردية بان الديمقراطية والحرية والانفتاح سيعود للعراق وشعبه الذي كان يخطط لمستقبل زاهر وامل عامر .
نعم منذ سنوات الحصار بدات عجلة هجرة العراقيين تدور وتدور لتمتلئ دولة الاردن الشقيق بمئات الالاف من العوائل العراقية وهي تنوي للهجرة واللجوء لتلتحق بعراقيين هجروه وطلبوا اللجوء في ثمانينات القرن المنصرم وراحت مكاتب مفوضية شؤون اللاجئين بعمان تستقبل الالاف من طلبات اللجوء . بعدما فقد المواطن الامل في استقرارالعراق لتستقبل الدول الاوربية اعداد ليست بالقليلة من العراقيين . ومايزيد الطين بلة ان عدداَ آخر وهو ليس بالقليل من المثقفين والفنانين فضل الهجرة وطلب اللجوء وهذه مازاد من كارثة العراق. نعم يقينا ان هجرة العقول المثقفة والفنية والادبية من اي بلد يعني الخراب الحقيقي والعودة الى عصور التخلف والجهل وبالتالي الدمار والابتعاد اميال من الدول الحديثة والمتطورة.
هكذا بدأ جرس انذار العراق يدق منذ هجرة الطبقة المثقفة والفنية من العراق . جاء المحتل ومعه دفاتر الديمقراطية الزائفة التي اكتشفنا انها حبرا على ورق واكذوبة امريكية من الطراز الاول مرروها على شعب عنوانه الشيمة العربية لتبدا معاناة جديدة وصراعات لم نسمع بها من قبل واولها الطائفية المقيتة التي زرعت في العراق ونحمده ان شعبنا الواعي اكتشف وباءها فراح يرفضها ويمقتها ليوقف نموها ، ويقينا ان الموت مصيرها . نعم مهدت تلك الاوجاع والصراعات الى هجرة عكسية وبعدما توسمنا خيرا بعودة الطبقة المثقفة والفنية والادبية الى جذورها الاصلية سرعان ماتحولت الهجرة عكس ماتشتهي السفن لتعلن الطبقة المثقفة في العراق الى موجة هجرة جديدة طالبة اللجوء السياسي والانساني في اوربا ودولا اخرى هربا من واقع مرير وماتعرض اليه عدد ليس قليلا من المثقفين والادباء والفنانين والصحفيين من اغتيالات بواسطة سيارات مفخخة مرة وعبوة ناسفة مرة اخرى ومسدس كاتم للصوت وعمليات خطف وابتزاز على يد جهات يقينا لاتنتمي للعراق بل تنتمي لجمعية اعداء الانسانية ومن باع وخان وطنه وهكذا تشير سجلات هروب تلك الطبقة الى الحزن والخطر العميقين عندما تهاجر تلك العقول موطنها لتسكن بلداناً اخرى مضطرة ان تبدع فيها وتستمر في الحياة .
وتستمر الهجرة لغاية الهجرة الكبرى والتي فاقت اعدادها ومن مختلف الدول العربية لاجئي الحرب العالمية الثانية وحسب احصائات وتقديرات الامم المتحدة ، ويقينا ان العراق له حصة من الهجرة عندما غادرتها الالاف من الشباب وعشرات المئات من العقول المثقفة والفنية لتعلن وسائل الاعلام بين الحين والاخر ان فناناً ونحاتاً وكاتباً وصحفياً ومثقفاً قضى نحبه غرقا مع عائلته وابلتعته امواج البحر بعدما كان يحاول الهروب الى واقع جديد يطلب فيه الامن والامان .
وما يحزنني ان طبقة من العقول الفنية وتحديدا من الفنانين التشكيليين العراقيين وبعدما اسسو لهم هنا ببغداد ملتقى رائعاً فعلوا فيه نشاطاتهم التشكيلية والثقافية واعتبروه خيمة وبيتاً يلملم كافة فناني المهجر والداخل من العراقيين وفي ليلة وضحاها قرر بعدما تلقى عدد من اعضاء الملتقى تهديدات من متشددين باغلاق ملتقاهم وتصفية اعضائه. ولان الفنان يمتلك احاسيس انسانية مسالمة قرروا اغلاق ملتقاهم بحجة عدم توفير الدعم المالي واستعدوا للسفر تحت غطاء المشاركة بمهرجات دولية تمهيدا للهجرة القسرية وطلب اللجوء الانساني وبالتالي نفقد عقولاً فنية ومثقفة تهدف لدعم المشهد الثقافي والفني في العراق والذي يقينا يمهد لبناء مفاصل الحياة مجتمعه معا . نعم فقدنا فنانين ومثقفين اليوم ينثرون ابداعاتهم في دول اجنبية ليتواصلوا مع الحياة . انها خسارة كبيرة ان نسمع ونقرا مغادرة مجموعة من المثقفين والفنانين والادباء ارض العراق ومثلما نطلع ونتابع الهجرة الجماعية للعائلة العراقية بشيبها وشبابها . متمنين ان يتوقف شبح الهجرة وتعود الطيور الى اعشاشها لتسهم ببناء العراق وهذه الامنية تتحقق فقط اذا ماشخصنا الفاسدين والسراق ومحاسبتهم وطرد اعداء العراق من كل شبر من ارضنا ولكن ليس قبل ان نقف معا وقفة رجل واحد شعاره الوطنية اولا واخيرا .
مقالات اخرى للكاتب