عندما سمعتُ "دعاء السفر" على احدى طائرات الخطوط الجوية العراقية، ذات مرة لأول مرة ، استنكرتُ في داخلي بثّ هذا الدعاء في بداية الرحلة الجوية، فهو بدا لي باعثاً على الخوف من "وعثاء السفر" و"كآبة المنظر" و "سوء المنقلب في المآل والأهل"، وهو ما يتناقض مع الإجراء المعتاد بشرح إجراءات السلامة في حال وقوع خلل فني في الطائرة او الهبوط الاضطراري على اليابسة او الماء.
على أية حال، واجهت في آخر رحلة لي مع خطوطنا الجوية وضعاً تجلّى فيه معنى "وعثاء السفر".. انه وعثاء ما قبل الدخول الى بطن الطائرة.
كانت الرحلة الى القاهرة يوم الخميس قبل الماضي الذي صادف يوم عاشوراء. الوعثاء ابتدأت في أسوأ صورها منذ اللحظة التي غادرتُ فيها البيت في الصباح الباكر بقصد الانتقال الى محطة الركاب قرب ساحة عباس بن فرناس قبل الانتقال الى المطار .. لم أجد سيارة أجرة في الشارع لتقلني .. كان الحي السكني الذي أقطنه مغلقاً بالكامل بكل درابينه وشوارعه .. سألتُ العساكر المنتشرين: لماذا؟ قالوا انهم تلقوا أوامر بفرض حظر التجوال على المركبات. كيف ياجماعة ولم تعلن الحكومة أو قيادة عمليات بغداد ذلك؟ قالوا: هي الأوامر !
بسبب الوقت المبكر ترددتُ في البداية، لكن بعدما أعيتني الحيلة بإقناع العساكر بانني مسافر الى الخارج ولا مناص من بلوغ المطار في الوقت المناسب، اتصلت بالمتحدث باسم وزارة الداخلية وعمليات بغداد العميد سعد معن لأتبين حقيقة الأمر .. كان كريماً في سرعة الرد ومهذباً في مضمون الرد، وأدهشني نفيه واستغرابه لوجود أوامر كهذه، مؤكداً ان لا قرار بحظر تجوال السيارات، ووعد باستجلاء الأمر من قيادة عمليات بغداد والرد عليّ، وبالفعل وفى بوعده واتصل ليؤكد لي معلوماته السابقة. لكن على ارض الواقع كان الحظر مفروضاً بقوة وبقسوة.
تفاصيل الحكاية كثيرة وطويلة لم تنته حتى ببلوغ المطار في وقت متأخر، فرحلة الخطوط الجوية العراقية الى القاهرة تأخرت أربع ساعات كاملات. وتبيّن لي في المطار ان المئات من المسافرين عانوا في ذلك اليوم مثلي وان طواقم الطائرات العراقية أنفسهم احتجزوا في الطرق مثلي ساعات قبل ان يتمكنوا من الوصول الى المطار.
كيف يحدث هذا؟ ما مبرره؟ ما معنى أن يُفرض حظر تجوال غير معلن على العاصمة في يوم عاشوراء فتتحول المناسبة المقدسة الى مناسبة للتذمر وكراهية الحكومة والدولة والقوات العسكرية؟ لماذا كان حظر التجوال عاماً شاملاً وهو ما يحدث لأول مرة في التاريخ؟ .. ولماذا لم يعلن هذا على الملأ عبر محطات الاذاعة والتلفزيون؟ .. لماذا ليست للمواطن العراقي قيمة واعتبار لدى حكومته ودولته؟ لماذا كرامة العراقي مهدورة بهذه الصورة والى هذا الحد؟
هل من مجيب!؟
مقالات اخرى للكاتب