الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة العراقية بطبع عملة نقدية من فئة الخمسين ألف دينار هل هي خطوة صحيحة ستساهم في معالجة الوضع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه البلد؟
للإجابة على هذا التساؤل يجب أن نوضح بأن هناك حالتين لاثالث لهما عند طبع عملة نقدية بفئة جديدة سواء كانت كبيرة أم صغيرة, الأولى وهي الحالة السليمة بأن تقوم الحكومة بطبع الفئة الجديدة دون زيادة في طرح المقدار الشهري المخصص من الكتلة النقدية المتداولة في السوق أي الحفاظ على حجم (المبلغ الأصلي من الكتلة النقدية) دون زيادة لكن يكون التغيير في أنواع الفئات وفي هذه الحالة يكون الإجراء سليم ولايخلق أي تضخم بل سيحقق خطوات في عملية الإصلاح النقدي ويدعم الاقتصاد لأن التعامل في السوق العراقي يعتمد بشكل أساس على الكتلة النقدية تقابله نسبة قليلة تعتمد على الصكوك والبطاقات والدفع الالكتروني وسيعتبر هذا الإجراء ليس تدخلاً بالسياسة النقدية للبلد بل يعتبر جزءَ من إدارة نظام المدفـــوعات, وهنا سيساهم هذا الإجراء في زيادة الطلب على العملة الوطنية وبالتالي ازدياد قيمتها بالنسبة للعملة الأجنبية وبالنتيجة سيقلل من تأثير الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالاقتصاد العراقي.
أما الحالة الثانية فهي عندما تقوم الحكومة بطبع الفئة الجديدة من العملة والقيام بضخها الى السوق كدفعات جديدة مضافة الى حجم (المبلغ الأصلي من الكتلة النقدية المتداولة) فهنا يكون الإجراء خاطئاً وله تأثيرات سلبية على الإقتصاد من جميع النواحي لأن هذا يعني ان البنك المركزي سيقوم بإقراض الحكومة لتعزيز النقص الحاصل في الموازنة وبالتالي سيرفع من معدلات التضخم في الأسعار وخلق تضخم ركودي أو ما يسمى (بتمويل الموازنة بالتضخم)، وهذا سينقل الإفلاس من الدولة الى المجتمع، بالإضافة الى انه سيخلق تفاوت كبير بين فئات المجتمع حيث ستكون طبقات من الاثرياء وطبقات من المسحوقين, وهذا الخيار يعتبر سيئاً من جميع النواحي لأنه سيساهم في خلق حركة اقتصادية آجلة ويضيف تراكمات كبيرة على الاقتصاد منها تدهور سعر صرف الدينار مقابل الدولار وخلق سوء توزيع عالي للعملات النقدية في السوق وكل هذه العوامل قد تؤدي بوصول الاقتصاد العراقي الى أخطر أنواع التضخم المعروف بالتضخم الجامح والذي له تأثيرات سلبية كبيرة على جميع مفاصل الاقتصاد وسيزيد من الأزمة الاقتصادية بدلاً من حلّها, ناهيك عن فتح الباب أمام عمليات التزوير التي تجد في هذه الفئة النقدية الكبيرة عامل إغراء لهم للقيام بعمليات التزوير وضخ مبالغ مزورة الى السوق العراقي في ظل الظروف الأمنية المتردية التي يعيشها البلد نتيجة انشغاله في الحرب الكبيرة ضد الإرهاب وفي ظل الفساد المستشري في جميع مؤسسات الدولة والأمنية منها على وجه الخصوص.
طرحنا في ماتقدم الجانبين السلبي والإيجابي لعملية طبع عملة نقدية من فئة كبيرة في ظل النظريات الإقتصادية المعروفة عالمياً وتبقى الإجابة على تساؤلنا الأول مبهمة لأن الكرة في ملعب الحكومة العراقية ولانعرف مافي نيّة من اتخذ هذا القرار هل هو اعتمد على الحالة الأولى السليمة والتي ستؤدي الى تقليل تأثير الأزمة الاقتصادية والمالية التي نمرّ بها أم انه اعتمد على الحالة الثانية السلبية والتي ستزيد من الطين بلّة وستزيد وضع الاقتصاد العراقي سوءً, وهذا ماستجيبه علينا الشهور القادمة والتي ستضع الإجابة لتساؤلنا التي ننتظرها بفارغ الصبر.
مقالات اخرى للكاتب