لازم أشتكي عليه، هذا جاي يسبّ ويشتم بينه، واني لازم اشتكي عليه، بس أخاف..
ظل بهلول يقوم ويقعد، يمشي ويقف، وهو يورث سيكارة من أختها ويردد هذه اللازمة دون أن يفصح أكثر، ولما سألته عمّا يقصد، أجاب:
ـ عمي أبو حيدر، أقصد البرلماني السابق الله يحفظه.
وبدأ بهلول يسلسل حديثه مثل حبات المسبحة، منوها أنه لا يريد مقاضاته لأنه دعا العراقيين إلى إتباع سياسة التقشف وتقليل الإنفاق بهدف مواجهة الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد، ولا لأنه اكد ضرورة ان يستغني العراقيون عن تناول الـ”نستلة”! ولا لأنه ذمّ التظاهرات ويرى أنها لا تجدي نفعاً، ولا لإعتقاده بأن الدعوة للإصلاح عبر التظاهر لا تمثل سوى محاولات بائسة لا تهدف لشيء غير العبث.
وأكد بهلول كذلك أن استياءه غير متأت من إشارة الرجل “الكريمة” الى ضرورة ان لا ينسى العراقيون وضعهم ايام الحصار الاقتصادي في تسعينات القرن الماضي، ولا من تأكيده المثير للسخرية بأن العراقي الذي يتسلم الآن راتباً شهرياً قدره مئة ألف دينار، يمكن له ان يعيش بـ30 ألف دينار شهرياً، ويدخر المتبقي من راتبه أي الـ 70 ألف دينار..
هنا نهرته بقولي: بهلول أفندي، احكيها عاد وريّحنا، ليش تريد تشتكي؟
فتوقف بهلول عن الحركة، وقال:
ـ لعد تقبل هذا النايب السابق الله يسامحه يسوّينا طليان، ويكول علينا كنا ناكل حشيش.. ها.. تقبل.؟
لم أجبه وأدرت دفة الكلام 180 درجة حين بادرته متسائلا:
ـ زين افتهمنا ليش تريد تشتكي، بس ما افتهمنا ليش انته خايف، ممكن نفتهم؟
لم يحر جوابا، قال:
ـ أخاف أشتكي لأن أخاف يطلع القاضي مثل ذاك الأسد.
ولما رأى بهلول حيرتي بادية، تناول كتابا قديما باليا كان جنبه، وبدأ يقرأ:
كان ياما كان، في قديم الزمان، اختلف ذئب مع حمار على لون العشب، فالحمار يقول ان لونه أسود فيما الذئب يؤكد أن لونه أخضر، ولما لم يقتنع أحدهما برأي الآخر، قرر الذئب أن يشتكي عند ملك الغابة.
بدأت المحاكمة، وأدلى كلّ منهما بدلوه وشهادته وحجّته، وعند اقتراب لحظة إصدار الحكم تلهف الجميع لسماع كلمة العدالة. وما هي إلا ثوان حتى زأر الأسد معلنا الحكم:
ـ حبس الذئب شهرا واحدا وبراءة الحمار.
استهجن الذئب الحُكم الجائر واستنكره، وسأل:
ـ سيدي الملك القاضي، أليس لون العشب أخضر؟
أجابه الأسد: بلى..
وعاد متسائلا: طيب، لماذا حكمت عليّ بالحبس؟، وأنا لم أخطيء الرأي..
أجابه الأسد موضحا: صحيح أنك لم تخطيء الرأي، لكنك أخطأت حينما جادلت الحمار وناقشته..
مقالات اخرى للكاتب