العراق تايمز: الدكتور غانم يونس الشيخ
إستكمالاً لمقدمة هذا المقال والتي تضمنها الجزء الأول منه، نتقدم للقراء الأعزاء من متابعي الحدائق الغناء لموقع الكاردينيا بالجزء الثاني والذي يضم السِيَر المهنية لتسعة من أقدم أطباء البصرة وهم من مواليد العقدين الأول والثاني. وبدون شك فأنه من المؤكد وجود عدد آخر من الأطباء من مواليد هذين العقدين الأوليين لم تتوفر لدينا معلومات موثقة عنهم وسنقوم بنشرها حال نجاحنا بالحصول عليها. أما الجزء القادم والذي يعقب هذا الجزء، وهو الثالث في هذا المقال، فيضم الأطباء مواليد العقد الثالث (1921 – 1930) ومتضمنا السير المهنية لعدد أكبر من أشهر أطباء البصرة.
الأطباء من مواليد العقدين الأول والثاني من القرن العشرين (1901-1920 )
1. كان من أوائل الأطباء العراقيين في البصرة الدكتور توما جبرائيل هندو:
ولد الدكتور توما هندو في زاخو من أعمال ولاية الموصل العثمانية عام 1910 ودرس الأبتدائية وأنهى الدراسة المتوسطة في الموصل عام 1922 وأنتسب الى سلك التعليم وأصبح معلما بعد حصوله على شهادة دار المعلمين ولكن طموحاته لم تقف هناك فكافخ ودرس ليدخل امتحان الأعدادية كطالب خارجي ونجح بتفوق ليدخل الكلية الطبية ببغداد أثناء تبعيتها لجامعة أل البيت عام 1930 وقبل إالغائها ذلك العام بالذات ليتخرج بالدورة الثالثة عام 1935 واصبح بعد تخرجه اول طبيب مقيم في العراق حيث أقام لأكثر سنة بمستشفى العزل (الكرامة فيما بعد) اعتبارا من تموز 1935 وفي أواخر كانون الأول 1936 تعين طبيبا في السكك والموانئ العراقية في البصرة وكان من أوائل الأطباء العراقيين في البصرة واستمر بالعمل حتى حزيران 1939 ليعين في المستشفى الملكي بالبصرة ويستمر حتى حزيران 1948 حين أستقال من الوظيفة وتفرغ للعمل في عيادته الخاصة. وبعد قيام ثورة 14 تموز عاد الى الوظيفة في حزيران 1959 وعين طبيبا في صحة البصرة ومن ثم رئيسا لمركز الأمراض المتوطنة للمنطقة الجنوبية (البصرة والعمارة والناصرية) وكان أحد الأعضاء البارزين في فريق رئيس صحة لواء الصرة الدكتور شامر توفيق واستمر يقارع الملاريا حتى تاريخ تقاعده في تشرين الاول 1972. وتدرب أثناء ذلك متمتعا بزمالات من منظمة الصحة العالمية على استئصال الملاريا في مصر عام 1962 وفي فنزويلا ودول امريكا الوسطى عام 1965.
وكان الدكتور توما عضوا في الجمعية الطبية العراقية والجمعية الطبية البريطانية فرع الشرق الأوسط وجمعية الأعمال الخيرية في البصرة ورئيسا لجمعية سيدة النجاة الخيرية في البصرة وابلى بلاءا منقطع التظير ومشهودا له في ادارته لمشروع إبادة واستئصال الملاريا في المنطقة الجنوبية وطوّر اعمال المكافحة ودرب جيلا من علميا وعمليا حتى شاعت اعماله دوليا حيث كانت تقاريره الدورية التي كان يجررها وثائقا رسمية ودراسة حالة مرجعية دوليا بالمكافحة باسم العراق والقيت في المؤتمرات في ايران وليبيا ولبنان واجتماعات منظمة الصحة العالمية كما نشر مقالات عدة عن الالملاريا والهيضة والتدرن.
وكانت للدكتور توما هندو فلسفته الخاصة وهو الأب حيث كان ولده الدكتور جبرائيل (كابي) زميلنا في الأقامة بالبصرة الجمهوري حيث تحدث الدكتور توما عن فلسفته قائلا:العائلة للأنسان هي المدرسة والشارع هو الكلية والوطن هو الجامعة لأبنائه وكل الشذوذ الأخلافية هي ثمار التربية العائلية الفاسدة وكل الأنحرافات عن الوطنية الحقة سببها الشارع ورفقة السوء. ويقول ان اكثر ما يفرح الطبيب هو عندما يرى نجاحه في مساعدة المريض على الشفاء واكثر ما يحزنه عندما يرى زملاءه ينصرفون خلاف مُثلهم التي يؤمنون بها ولابد من الأقتناع بأننا كلنا نفنى ويبقى الوطن شامخا معافى الى منتهى العالم.
يقول الدكتور أديب الفكيكي واصفا الدكتور توما هندو: رجل نحيف الجسم تلاحظ عليه عرجة في مشيته، نشيط في حركته وسريع لم التق به يوما الا وغبار البراري قد غطى رأسه وعفر وجهه حتى كساه حلة القديسين الباحثين في البوادي عن الحقيقة التي تسعد الأنسان وتوصله للكمال. هو بسيط في قيافته متواضع في لقائه عجول في متابعته لواجبه اذا لم تكن تعرف توما هندو بين حشد من العاملين في المكافحة فلن تستطيع تمييزه كطبيب ومدير عن العاملين وفي جولة تفتيش لي بالبصرة اشاروا لي ليعرفوه الي قائلين هو ذاك د. توما ليمسح كفيه ليصافحني وتمتم بكلمات مجاملة لم يسمعها احد ثم لفه سكون التواضع وسمع مني ولم اسمع منه بل رأيت بعيني ما أنجزه وما كان على وشك الأنجاز ثم تركنا وانصرف الى عمله وكأنه نادم على بضع دقائق ضيعها في مجاملات لاموجب لها.
كان جبرائيل هندو والد الصبي توما يرغب له ان يصبح قسيسا ويدرس اللاهوت فصار قديسا لخدمة الأنسان صنيعة الله التي فضلها على كثير من خلقه حتى لكأنه مكلف بصيانة امانة مكلف برعايتها. ويوم كانت الألوف من الناس في الجنوب ويوم كانت البرداء تعصف بالمئات فيتركون مخازنهم ومصالحهم وأسواقهم متدثرين راجفين يتصبب منهم العرق البارد وتصبغ وجوههم صفرة الفقر الدموي وتوسع بطونهم تضخمات الطحول والكبود ويطمس اصواتهم الأعياء والخمول فشاء الله ان يرحم ابناء هذا الشعب المظلومين فمن عليهم من بين ابنائهم كي يتصدى لأسباب تعاستهم وينقذ الناس من ويلات اصابتهم فيدب النشاط بعد الأعياء والخمول ولتعلو حمرة الوجنات على شحوب الوجوه ولتعمر الأسواق من جديد فكان توما هندو ورفاقه في الجنوب وعبد القادر شالي ورفاقه في الشمال ومحمود ابراهيم وامجد نيازي ورفاقهم في الوسط وكانوا ملح الأرض الذي لايفسد وكانوا نور العالم هذا هو توما هندو قضى اواخر سنوات عمره في العقد التاسع مقعدا في الكويت ولازىل فخورا بما قدم لبني الأنسان في وطنه. رحمه الله رائدا فذا من جيل لايتكرر.
2.الدكتور جمال الدين أحمد الفحام.
ولد الدكتور الفحام في دمشق الشام في مطلع العقد الثاني وبالتحديد عام 1912 وتخرج سنة 1935 من كلية الطب في دمشق والتي تأسست عام 1919 وهي الوحيدة التي درَّست الطب ولازالت باللغة العربية.
وتدرب الدكتور الفحام بعد تخرجه في سورية وعمل بالتدريس في كلية الطب بدمشق وحين عُرضَ عليه العمل في العراق قدم الى البصرة سنة 1939 وأستقر فيها وساهم بتقديم الخدمة الصحية لأهل البصرة من خلال عيادته الخاصة وكانت تقع في البصرة القديمة قرب المحكمة حيث أستمر حتى وفاته في 18 مايس 1997 عن عمر ناهز ال85 سنة رحمه الله. كانت إبنته الدكتورة جمانة الفحام مقيمة معنا في مستشفى البصرة الجمهوري أواخر الستينات واوائل السبعينات. وكان للدكتور الفحام مراجعون كثر قدَّمَ لهم خدمات صحية جليلة طيلة السنوات الطويلة التي أمتدت لما يزيد على نصف قرن من الزمن في عيادته وكان يتبع أسلوب المعالجة والرعاية العائلية حيث كان غالبا ما يعود مرضاه في منازلهم وعلى وفق الممارسة الطبية ذلك الوقت بوصفه طبيباً للعائلة رحمه الله.
3.الدكتور يعقوب بنّي: ولد في مدينة العمارة عام 1913 وتخرج من كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1935 وهي من أقدم الجامعات بالمنطقة حيث أسست عام 1867.
وعملَ الدكتور بني بعد تخرجه اولاُ في مسقط رأسه في مدينة العمارة ومن ثم أنتقل للعمل في الصرة التي توفي فيها بتأريخ 28 نيسان 1983 رحمه الله. كان الدكتور يعقوب بمثابة الأب الحنون للفقراء والمعوزين الذين يراجعوه في عيادته فكان له اسلوباً متفرداً في تعامله مع مرضاه حيث لم يكن فقط يعفيهم من أجرة الفحص وإنما كان يعطي الفقراء منهم من جيبه الخاص ما يكفيهم لشراء الدواء ولشراء سكايرهم وكذلك دفع اجرة السيارة التي تقلهم راجعين الى قراهم وهم يأتون الى البصرة لمراجعته منذ الصباح وإن أطبق الليل عليهم كان يدخلهم الردهة الباطنية الثامنة في المينسفى الجمهوري للعلاج والمبيت وكان اكثرهم ينادونه ب: "يعكوب" دون لقب وبميانة ومودة. يصف الدكتور فلاح الجواهري أمسية يوم قضاه في عمله ويدور حول الردهة الباطنية الثامنة كما عايشها في الستينات وكنتُ وأنا أقرأ ذلك أشعر بالمشهد يعود عرضه وأجدُ نفسي في الوصف لأني عملتُ ثلاثة أشهر في تلك الردهة بعده بسنوات: يقول د فلاح: "اليوم هو الاربعاء.. ردهة الدكتور يعقوب بني للامراض الباطنية هي الخافرة. شحاذو البصرة وجياعها يتوافدون باعداد غير قليلة آملين عبر مظاهر الامراض المزمنة التي يعانونها عدا مرض جوعهم الازلي أن يسعفهم المرض وطبيب العيادة الخارجية الخافر في دخول ردهة النعيم الموقت ردهة الدكتور يعقوب بني. هولاء الجياع مرضى كانوا أم متمارضين يعرفون تمام المعرفة طيبة الدكتور يعقوب اللامتناهية هذا الانسان العظيم واسع العلم والنبل. عيادته متاحة مجاناً لفقراء البصرة وشحاذيها، وردهته تحظى برعاية لهم لا مثيل لها حتى عند الاطباء الاختصاصيين الآخرين البارعين في اختصاصاتهم ورعايتهم." ويكمل الدكتور فلاح وصفه المذهل الصادق: " سيحظى عبد عون الشحاذ المترهل المتوزم الذي اراه في مكانه الثابت من جسر سوق المغايز سيحظى ولأيام على الاقل بمكان للنوم غير رصيف الجسر الاسفلتي وبسرير مريح بأغطية نظيفة وإفطار بعد زوال الخطر عند الصباح: قطعة من الجبن ومربى المشمش وقطعة من الزبدة ورغيفا من الخبز وقدحا من الشاي بالحليب... يطلب عبد عون مزيداً فلا ترد ممرضة الردهة طلبه.. ينعم بابتسامة الدكتور يعقوب وكلمته الطيبة اثناء الفحص الصباحي ثم يأتي الغداء بصحن الشوربة ومرق ورز وخبز.. وفي المساء سينعم بوجبة عشاء دافئة" وأكمل لمقالة الدكتور فلاح الرائعة ما كنتُ أشهده بعد أربع سنوات من ذلك فأقول "يقوم الدكتور يعقوب بالتأشير على الطبلة بإخراج أحدهم بعد قضاء فترة "النقاهة" وأنا مغتاضٌ مما يجري وما أن تعدى ركب الدكتور بني سرير المريض حتى صاح المريض بنا: يعكوب...يعكوب..فألتفتُ اليه فلا يعيرني أهتمامَه لعلمه بأن الدكتور بني سيعود الى قرب سريره ويميل عليه ليسمع ماذا يريد فأسترق السمع إنه يبدو يطلب "كروة سيارة" لتأخذه الى قريته فيعطيه الدكتور بني من جيبه ويبتعد... ينظر المريض الى ما في يديه ويصيح مرة أخرى "يعكووووب ...أشو ماكو فلوس الجكاير هالمرة" فيعطيه ما طلب مرة أخرى ويراني مغتاضاً جداً فيقول لي بدون أن أتكلم: "غنومي...خطية منو يداريهم هذولي ومنو يعالج أمراضه وأشلون يروح لبيته؟" نعم حقوق الشحاذين والجياع والهومليس محفوظة لدى كل مقيمي الردهة 8 وبضمنه عدة أيام من جنة الشبع ونعيم الراحة والتعامل الانساني محفوظة لدى الدكتور العظيم يعقوب بني في ردهته.
كان الدكتور بني أنسانا إجتماعياً ومن أمهر الناس في حل الكلمات المتقاطعة وكنت أرافقه بين الباطنية 8 الى الجناح الخاص ومن ثم الى الأدارة في نهاية دوام كل يوم حيث كان يقف على طول الطريق ليلبي طلبات العديد من المنتسبين لحل كلمات متقاطعة إستعصى حلها على ممرضات ومرضى وكان يحل ما استعصى عليهم لأيام يحلها بثوانٍ معدودات. و إضافة الى خبرته الطويلة فإن الدكتور بني يمتلك فطنة مذهلة في التشخيص حيث كان أيام خفارة الردهة ينظر من شباك غرفته ويقول لنا إستعدوا أعتقد السدية تحمل مصاب بالجلطة وكان دائما على صواب. ويهتم أيضاً بأي جهد علمي فقد صادف وراجعنا أحد المرضى وقمت بمساعدة المقيم الأقدم وكان أسمه على ما أذكر "خزعل .....ولازال يعمل في العمارة" وعملنا له تحليلات معقدة غير روتينية لفحص مادة الكولاجين كنا قد بحثنا عنها في المجلات الطبية الموجودة في مكتبة كلية الطب الناشئة (وكان عمرها ثلاث سنوات) وذهبنا بأنفسنا الى المختبر لأجراء الفحص وتوصلنا الى تشخيص مرض "مارفان" النادر وعندما أطلعنا الدكتور بني على النتائج قام بإبلاغ الإدارة عن جهدنا وقدمنا كباحثين مفتخراً أيناء الأجتماع الأسبوعي الذي كان يعقد في قاعة داخل مبنى رئاسة الصحة الجديد الذي بني على يسار مدخل المستشفى الجمهوري ووصلنا كذلك شكر من مدير المستشفى الدكتور داود الثامري وقتها. ومن عظيم فرحي وأنا أعد هذه النبذة الموجزة أن أجد الآن عددا من الأطباء مجتمعين في تلك القاعة ذاتها (أو ربما مشابهة لها) في مستشفى البصرة العام كما يسمى الآن المستشفى الجمهوري (سابقا) وقد أصبحت القاعة تحمل أسم "قاعة الدكتور يعقوب بني"
كما قامت عمادة كلية الطب بالبصرة بتسمية قاعة ثانية بإسمه تثمينا لدوره في تدريس وتدريب طلبة الطلية وأتذكر أن المجموعة الأولى منهم كانت تتكون من أربع طالبات من الدورة الأولى تدربت في ردهة الدكتور بني عام 1970 ولابد من الإشادة بتسمية القاعتين فهذا عمل يشكر عليه كل من ساهم في المكانين بإنجاز هذه التسميتين تخليدا لذكرى هذا الرائد والراعي لصحة الفقراء والمحتاجين في البصرة رحمه الله.
4.المرحوم الدكتور محمد رشاد عبد الواحد وهو من مواليد البصرة عام 1913
وتخرج الدكتور محمد رشاد من جامعة ال البيت العراقية عام 1939 حيث كانت كلية الطب ببغداد تتبعها إداريا إضافة الى كلية الشريعة. وخدم في الطبابة العسكرية بالبصرة وبغداد وأصبح آمراً لمستشفى الرشيد العسكري عام 1955 وساهم مع الوحدات الطبية الميدانية في حرب فلسطين عام 1948 واخر رتبة وصل لها قبل التقاعد هي رتبة الزعيم الطبيب في الجيش العراقي عام 1962 واخر عيادة خاصة مارس فيها المهنة كانت في الكاظميه ولتخصص طب الاطفال. توفي في الثمانينات رحمه الله.
5.الدكتور شاكر توفيق السكافي. رئيس صحة لواء البصرة لعقد ونصف.
الدكتور شاكر توفيق: هذا طبيب يمكن ان نلقبه بالمناضل اذا جاز التعبير فهذه الصفة قد اقترنت في عصرنا الراهن بالذين يخوضون غمار السياسة. وشاكر توفيق قضى عمره مناضلا لا في صالونات السياسة بل في الأهوار والبوادي من اجل ان يخلق صحة في مناطق لم تعرف الصحة من قبل. واذا اردنا إنصاف الرجل شاكر توفيق نقول: ان فعاليات الصحة الموجودة في البصرة وما أحتوتها من أبنية وتأسيسات وهياكل تنظيمية في الريف وفي المدن تمت بجهود منه. أنه خدم البصرة أربعة عشرة سنة من عام 1955 وحتى عام 1969. وخلال السنين التي قضاها هناك عمل على توسيع مباني المستشفيات وردهاتها وانشأ بناية رئاسة الصحة وكانت داخل المستشفى الجمهوري وأسس مدرسة التمريض ومدرسة الممرضين وأنشأ دور للأطباء المقيمين على شكل خمس فلل منفصلة ومتجاورة تتكون كل منها من طابقين بست غرف وملقات ولي ولكل الأطباء المقيمين ذكريات عبقة فيها وعنها وقسما داخليا للمرضات وأنشأ العديد من المستوصفات الجديدة في النواحي والقرى وبناء مستشفى الأطفال في العشار وتوسيع مستشفى ابو الخصيب ومركز رعاية الأمومة والطفولة والولادة في الزبير وأستجدى الأموال, نعم قال أستجدي الأموال لبناء مستشفى الأمراض الصدرية في الزبير لإيواء أفواج المصابين بداء السل في الستينات وبذلك نجح في أن يجعل عددا من الكويتيين ممن تجمعهم صلات القرابة بأهل الزبير ان يتبرعوا لجمع بعض المال اللازم كما أنشأ مستوصف الأمراض الصدرية في العشار وشيد عشرات المستوصفات والمراكز الصحية في نواحي وقرى البصرة وعلى يديه نشأت وترعرت الصحة القروية المتنقلة في أهوار لواء البصرة وبراريها ودعمَ فعاليات السيطرة على الأمراض المتوطنة كالملاريا والبلهارزيا دعما علميا وعمليا مما ساعد العاملين بهذه الحقول على اكمال شخصيبهم العلمية المعنوية للأنطلاق نحو الأبداع وصارت تجاربهم نموذجا دوليا للإبداع وهو أول من أنشأ الفرق المتنقلة لطبابات الأسنان ووسع عمل وحدات الأشعة المتنقلة للتحري عن التدرن الرئوي وإنشاء فرق الإرشاد الصحي والسينما الصحية المتجولة وشارك في تخطيط مشروع إنشاء المستشفى التعليمي في الراضعية وتأسيس كلية طب الصرة حيث كان في مقدمة أعضاء اللجنة المكلفة بالتأسيس وفق أمر التأسيس عام 1966 وغيرعا الكثير من الأعمال ذات الأثر والتأثير الباقي حتى اليوم. والذي لم يلتق بالدكتور شاكر توفيق ويقرأ سيرته يتصوره رجلا ضخم الجثة عريض المنكبين مفتول العضلات ذا شاربين طويلين ومفتولين يدك الأرض اذا سار عليها ولكنه لم يكن رحمه الله غير جسم نحيف قصير متعب وتتأكد للفور أنه كتلة من إرهاق جسماني وفكري ومادي وهو الذي شفي من إصابته بالتدرن في مقتبل حياته ورفعت له نصف احدى رئتيه وفقد السمع واستعمل السماعة من مضاعفات العلاج فكان يشعر بالام كل مصاب ويعتبر مرضه بلواه هو ولذلك أفنى حياته قرب المرض والمرضى ساعيا الى إستئصاله وقد نجح ولذلك لم يكن يفكر لنفسه بأكثر من ضرورة توفير وجبة غداء كافية له ولأهله ولباس يستر أجسامهم وكفى وكانت عيادته المتواضعة في عمارة جلال سعيد نعوم بالعشار شاهدا على زهده وتفانيه للصالح العام.
ولد الدكتور شاكر توفيق في مدينة النجف يوم 9 شباط عام 1915 ودرس فيها الأبتدائية والمتوسطة والأعدادية وكان دائما من المتفوقين حيث دخل الكلية الطبية الملكية ليتخرج منها طبيبا في الدورة التاسعة عام 1941 مع زميله الدكتور محمد حسين السعدي. حصل على الأختصاص بالصحة العامة من الولايات المتحدة عام 1954 وشغل مناصب ادارية مختلفة قبل توجهه الى البصرة حيث كان رئيسا للصحة في لواء الديوانية ثم لواء كربلاء ولواء العمارة. وفي عام 1969 نقل الى بغداد ليشغل منصب مفتش وزارة الصحة وحتى إحالته على التقاعد بعد ذلك بسنوات. وعند وفاته أقترح بعض المعترفين بأفضاله على الصحة في البصرة وعلى وزارة الصحة أن يطلق أسمه على أحدى ردهات مستشفى البصرة التعليمي تخليدا لخدماته التي قدمها للبصرة خاصة وللعراق على وجه العموم. رحمه الله.
6.الدكتور بدرالدين عبد المجيد الحكيم من مواليد عام 1918
و تخرج الدكتور الحكيم من الكلية الطبية الملكية العراقية في الدورة الثانية عشرة عام 1944
وخدم طبيباً في طبابة الجيش العراقي منذ العام 1945 حيث عمل في البصرة وكان آمراً للوحدة الطبية العسكرية في البصرة عام 1952 ومن ثم آمراً للطبابة الميدانية الاولى من 1953 الى 1954 وبعد تقاعده من خدمة الجيش أشتغل في عيادته الخاصة في شارع الصيادلة بالبصرة وشارك عام 1960 في المؤتمرالطبي العربي الثامن والعشرين في بيروت وهو من رواد الطب العراقي الذين تم توثيقهم بكتاب الرواد للكاتب الشجيري وعمل بعد ذلك في عيادته في بغداد الجديدة ثم انتقل الى شارع الكفاح حتى عام 1989. توفي رحمه الله عام 2015.
7.الدكتور محمد حسين السعدي أشهر جراحي البصرة ورائد الجراحة العامة وجراحة الكبد في العراق. مواليد 1919.
يعتبر الدكتور محمد حسين السعدي رائدا للعديد من الإجراءات والتداخلات الجراحية كما وأدخل تعديلات على عدد من الأساليب الجراحية المتعارف عليها بما في ذلك استئصال البروستاتا من خلال منطقة العجان وعلاج الأكياس المائية في الكبد كما أنه كان أول جراح في الشرق الأوسط يفصل التوائم السيامية بنجاح وقد قام بتأسيس قسم الجراحة في البصرة كواحد من الأقسام الأكثر شهرة واحتراماً في الشرق الأوسط وجذب المرضى من جنوب العراق ودول الخليج والمملكة العربية السعودية. كما ساهم في كتابة العديد من الكتب الجراحية ونشر مجموعة من البحوث عن التشخيص الجراحي والعلاج.
يعتبر الدكتور السعدي من أقدم الأطباء في البصرة حيث وتخرج من الكلية الطبية الملكية ببغداد في الدورة التاسعة عام 1941 وقضى فترة تدريب في بغداد لمدة ثلاث سنوات قبل أن ينتقل إلى البصرة ويستقر فيها. كان عاقد العزم على تحديث قسم الجراحة في مستشفى البصرة الملكي وتقديم أفضل علاج ممكن للمجتمع المحلي وكان جهده بارزاً في تحويل قسم الجراحة خلال الخمسينات والستينات من قسم يشمل المرافق الأساسية والقليل من الرعاية التمريضية والعلاج المكثف وكان بالتالي جهدا بارزا في تغيير الواقع الصحي في البصرة والمنطقة حيث أعتبر أن ذلك واجبٌ عليه وعلى جيله من الرواد وكان بذلك الأولَ في البصرة في إدخال الممارسة السريرية الجيدة سواء على الردهات او في صالة العمليات وكذلك في تحسين الرعاية لما بعد العمليات الجراحية وهو ما يغيب دائما عن المؤسسات الطبية في الدول النامية. كان حلم الدكتور السعدي أن يصبح قوة رائدة في مجال تدريب وتعليم الأطباء الشباب في العراق، وأصبح دوره فعالاً في تأسيس كلية الطب في البصرة حيث كان أسمه على رأس قائمة بالمتخصصين في لجنة التأسيس عام 1967 وقام بتدريس وتدريب طلبتها وتحمل اليوم إحدى قاعات الكلية إسمه تخليدا لذكراه وعطائه للكلية. وكان الدكتور السعدي على الرغم من كل ذلك إنساناً متواضعاً، وكان أيضا رجلاً صريحاً جدا وخصوصا في تقييمه للمرافق الصحية وللقدرات البشرية وكان أحياناً يبدو بتصريحاته المثيرة للجدل سببا في خلق المشاكل له مع السلطات لكنه كان همه ومبتغاه دائما موجه إلى تثقيف وحماية مرضاه. وقد أعتبِرَت مهاراته الجراحية تفوقا لا يعلى عليه فأنهارت عليه العديد من الالقاب المهنية الفخرية من الكليات الملكية البريطانية والجمعيات الجراحية والجامعات وحصل على زمالة من قبل كلية الجراحين الدولية الشهيرة في عام 1974 كما حصل على الماستر بالجراحة وزمالة الكلية الملكية للجراحين.
كلية الجراحين الدولية في شيكاغو
كان الدكتور محمد حسين السعدي شغوفاً بالسيارات الأمريكية الفارهة حيث اشتهر بلوحة سيارته ذات الرقم "البصرة 1 ) وكان الناس في البصرة ولازالوا يسمون الشارع الذي تقع فيه مستشفاه وعيادته بأسم "شارع السعدي" وذلك المبنى لازال حتى اليوم يستخدم كمستشفى خاص. وقد هيمن السعدي على عالم الجراحة في مستشفى تذكار مود (مود ميموريال) والذي سمي بالمستشفى الملكي ومن ثم بالمستشفى الجمهوري ومؤخرا سمي بمستشفى البصرة العام واحتل جناح ردهة الجراحية رقم (1) لعقود من الزمن وكان كذلك يهوى السفر حيث سافر الى معظم أنحاء العالم إما لقضاء وقت الأجازات أو لمواكبة التطورات الجراحية. توفي رحمه الله في يوم الجمعة المصادف 28 كانون الثاني 2005 ونعته المجلة الطبية البريطانية بعددها 331 في 8 أيلول 2005 وأطلقت كلية طب البصرة أسمه علي قاعة المحاضرات فيها تخليدا لذكراه وتذكيرا بخدماته الجليلة للكلية. ويقول شاعر كلية طب البصرة وخريجها الدكتور ذر الشاوي بحق المرحوم الدكتور السعدي الذي درس وتدرب على يديه:
مهما أُشيدَ بعلمِهِ لا يُنصَفُ....عَلَمٌ بكل المكرماتِ يرفرفُ
8. الدكتور محمد سليمان فيضي. هو محمد سليمان الحاج داود ابن الشيخ سليمان القصاب ولقبه ال فيضي. ولد في قضاء الزبير في البصرة في 1/1/ 1919.
وكان جده لأبيه أماما في مسجد الأمام أبراهيم في في مدخل محلة الأمام أبراهيم بمدينة الموصل وهي من ازقة الموصل القديمة وكان المسجد يبعد عن بيتنا القديم بضعة أمتار وعن كتيسة الطاهرة اقل من مائة متر ولايزال قبر جده رحمه الله قائما في مقبرة المسجد. وكان والده سليمان فيضي المحامي من اوائل نواب مجلس المبعوثان عن ولاية البصرة لسنة 1914 وكان من وجهاء البصرة ونقيبا للمحامين فيها وأول من أصدر صحيفة باللغة العربية بعنوان (التحفة الإيقاظية) أضافة لإنشائه اول مدرسة تتكلم باللغة العربية في البصرة وكذلك أنشأ دارا للعجزة وقام بتأليف ونشر العديد من الكتب في القانون الدستوري والقوانين والأمثال والمواعظ ثم أنتخب نائبا في سنة 1935 في المجلس النيابي في عهد وزارة ياسين الهاشمي وكان آخر ما كتبه هو مذكراته السياسية وكانت بعنوان (في غمرة النضال). أنهى الدكتور محمد سليمان الدراسة الأبتدائية في مدرسة السيف الأبتدائية في البصرة عام 1929 والثانوية في ثانوية البصرة وتخرج من الكلية الطبية الملكية في الدورة الخامسة عشر عام 1947 وتخصص في الباطنية والصدرية وحصل على الدبلوم في الأمراض الصدرية من المملكة المتحدة عام 1956. والتحق فور تخرجه بطبابة الجيش العراقي وعمل طبيبا في في البلاط الملكي ثم شارك في حرب فلسطين 1948 وجرح فيها وكرّم بمنحه وسام الشجاعة وأحتسبت خدمته العسكرية مضاعفة وتعين بعد ذلك طبيبا في قضاء النعمانية بلواء الكوت ثم نقل الى بغداد طبيبا في مستشفى التويثة كما عمل كذلك في مستشفى العزل منذ انشائها ولحين تحولها الى مستشفى الكرامة ومارس التدريس كطبيب للأمراض الصدرية في معهد التدرن والأمراض الصدرية وأنتقل بعدها الى مستشفى السكك وحتى تقاعده في 1/7/1981. وبالرغم من أنه لم يخدم كطبيب في البصرة الا أن ذكريات طفولته وشبابه في البصرة تشغل فكره على الدوام حيث كان يجلس مع والده دائما كونه أكبر أخوته في الديوان الخاص بوالده وهو يستقبل السياسيين والأدباء وكان يحتفظ بذاكرته الكثير من أشعارهم وأعمالهم وكذلك كان لولعه بمكتبة والده الضخمة الأثر في ميله نحو الأدب والشعر والرسم والغناء وولعه بالآثار وجمع التحف القديمة والكتب القديمة وكان يكتب الشعر وله مقالات عديدة نشرها في الصحافة مثل صحيفة العراق وصحيفة الأهالي وله كتب مؤلفة وبحوث وساهم في أعمال نقابة الأطباء اول إنشائها وكان عدد أعضائها لايتجاوز أصابع اليد وكذلك ساهم بتأسيس جمعية التدرن وكانت مكتبة والده بالبصرة تضم خمسا وعشرين الفا من الكتب والصحف وقد أهديت لمكتبة المتحف العراقي عام 1963. أصيب الدكتور محمد سليمان فيضي بمرض نادر في النخاع الشوكي وظل يعاني لأشهر طويلة ولكن في مرضه تبين عمله الأنساني حيث كانت توجد لوحة على باب عيادته تقول (يوم الجمعة للفقراء مجانا) وشهدت الغرفة التي كان يرقد فيها في المستشفى كل يوم سيلاُ من الزائرين من مختلف الطبقات وقد توفاه الله يوم 29 آب سنة 1986 رحمه الله ولاتزال ذكراه وحب الناس له هو أسمى ماتركه.
9.الدكتور عبد الستار الملُّاك من رواد الطب في البصرة. ولد في البصرة عام 1919 ودخل الكلية الطبية الملكية في بغداد عام 1944 وتخرج منها في الدورة الثامنة عشر عام 1950
دخل الدكتور الملاّك الخدمة العسكرية ضابطاً طبيباً في الجيش العراقي ليعود بعدها الى البصرة ويقضي كل حياته فيها فعين في عام 1952 طبيباً ممارساً في الطب الباطني وطب الأطفال في مستشفى البصرة الملكي والذي سمي فيما بعد مستشفى البصرة الجمهوري بعد ثورة 14 تموز 1958 واستمر في الخدمة الوظيفية في البصرة حتى عام 1984 عندما أحيل على التقاعد وكان قد عين أثناء خدمته منذ الخمسينات وحتى سنة 1984 مديراً لمستوصف العشار الكائن في وسط سوق الخضارة/القشلة والذي كان يقدم الخدمات الصحية لألاف العوائل التي تسكن منطقة العشار والخندق والموفقية وما جاورها.
وكان كذلك مديرا للعيادات الشعبية في منطقة البصرة القديمة في السيمر ليخدم المنطقة والمناطق الشعبية المجاورة وكان انسانا" طيبا" خدم أهالي البصرة والألوية الجنوبية.
ويعتبر الدكتور عبد الستار الملَّاك من رواد الأطباء في تقديم الخدمات الصحية الأولية والرعاية الصحية الوقائية في البصرة حيث قام بالإضافة لعمله الوظيفي بالتطوع للعمل الخيري لمعالجة الأطفال في جمعية الهلال الأحمر العراقية وفي جمعية حماية الأطفال ومنذ عام 1952 مع الدكتور المرحوم عبد الجبار الشمخاني كما كان الطبيب الخاص لمعمل الببسي كولا الاهلي في البصرة ومعمل السينالكو والشركة العامة لطحن الحبوب الحكومية من السبعينات واستمر في تقديم خدماته من خلال عيادته الكائنة في العشار بشارع الصيادلة والمعروف حالياً بسوق الذهب خلف سوق حنا الشيخ والتي لاتزال الى اليوم تستخدم كعيادة طبية عمل فيها عدد من الأطباء بعد وفاته في يوم الأربعاء المصادف 16 نيسان 1986 رحمه الله. أنجب ولداً اسمه محمد وقد أستشهد في الحرب في الثمانينات رحمهما الله وله إبنة تعمل وتقيم خارج العراق.
للمقال تتمة بالجزء الثالث الذي يضم 24 طبيبا من مواليد العقد الثالث للقرن العشرين 1921-1930 ونتمنى من القراء إبداء الملاحظات والمعلومات والذكريات التي تخص الرواد الذين تمت تغطية بعضا من حياتهم المهنية وفاءاً لدورهم الرائد.