كتب مازن تاج الدين: الضيافة من خلق العرب الحميدة التي جاء الإسلام بإقرارها والتأكيد عليها وإذا كان الإسلام قد أقر مبدأ الضيافة وحث عليه فإنه لم يتركه هكذا مطلقا بل وضع له من الآداب ما يزيده بهاءا ورونقا فيكون سببا للألفة والمحبة إذا روعيت هذه الآداب وعُمل بها. وقد أولى العلماء أدب الضيافة عناية عظيمة لما فيها من الأثر الكبير في ترابط المجتمع وصفائه ونقائه، ومن آداب المضيف أيضا أن يحدثهم بما تميل إليه أنفسهم، ويبش عند قدومهم، ويتألم عند وداعهم، ويشيعهم إلى باب الدار وغيرها من الآداب التي تعتبر من السنة الشريفة. وقد ورد في الخبر حيث قال الإمام الباقر (ع): (إن المؤمن ليخرج إلى أخيه يزوره، فيوكل الله عز وجل به ملكا فيضع جناحا في الأرض وجناحا في السماء يظله ، فإذا دخل إلى منزله، ناداه الجبار تبارك وتعالى: أيها العبد المعظم لحقي، المتبع لآثار نبيي، حق علي إعظامك، سلني أعطك، أدعني أجبك ، أسكت أبتدئك. فإذا انصرف شيعه الملك يظله بجناحه حتى يدخل إلى منزله، ثم يناديه تبارك وتعالى: أيها العبد المعظم لحقي، حق علي إكرامك، قد أوجبت لك جنتي ، وشفعتك في عبادي). وقع في يدي كتاب تحت عنوان (الصدر الثاني الشاهد والشهيد) لمؤلفه الكاتب مختار الأسدي وقد لفت إنتباهي أمور كثيرة ذكرها الكاتب خصوصا ما أورده من تدوين لللقاءات الصوتية مع الشهيد الصدر. ففي ص 103 وتحت عنوان (عن السيد السيستاني مرة أخرى) ينقل المؤلف سؤال وجه للسيد الصدر عن طبيعة زيارته للسيد السيستاني فيجيب الصدر بألم وحسرة وزفرة! بأنه قد تكفل زمام المبادرة في زيارة السيستاني كون الأخير لا يخرج من بيته حتى لزيارة أمير المؤمنين (ع)! ولما دخل الصدر إلى براني السيستاني وجلس، ذهب محمد رضا النجل الأكبر للسيستاني وصعد إلى الطابق الثاني ليخبر أباه بمجيء الضيف! فجاء السيستاني وقام له الصدر متقدما عدة خطوات بإتجاه السيستاني تعبيرا عن الإحترام والتودد لكن السيستاني لم ينظر إلى الصدر! ولم يمد يده للمصافحة! وإستمر بالمشي إلى أن جلس في المكان المحدد! وكل ما في الموضوع أن السيستاني قال: (صبحكم الله بالخير) وبعد فترة بسيطة قال للصدر: (كيف أحوالكم) فأجابه الصدر على سؤاله وتطرق بالحديث عن أسباب عدم وصوله إلى السيستاني والأخير ساكت ولم يقل غير كلمة واحدة فقط (ما صار شي) ومن ثم إستأذن الصدر بالخروج بسبب إرتباطه وإلتزامه ولم يسمع من السيستاني سوى ثلاث كلمات فقط وفقط والتي ذكرتها بين قوسين، فنهض الصدر، ونهض السيستاني، ولم يتحرك خطوة واحدة! بمعنى خرج الصدر بدون أن يرافقه السيستاني للباب أو لبعض الخطوات!!!.
وبصراحة الموقف مذهل، غريب، عجيب ، صلف ، حقود، ولا يفعله كائنا من كان!!! في مقابل هذا الموقف تذكرت المقطع الفديوي الآتي حيث يتحدث فيه المالكي عن طبيعة العلاقة التي تربطه بالسيستاني وكيف إن السيد السيستاني يحبه ويحترمه ويصر عند خروجه منه أن يوصله إلى الباب ليُشعر الآخرين بمدى حبه وإحترامه له!.
http://www.youtube.com/watch?v=7f1vXinfYbE
وإذا كان الشهيد الصدر أو المالكي يكذبان على السيستاني فعليه أن يُيرئ ساحته من مزاعمهما. وبكل تأكيد عندما نقارن بين الموقفين نجد فرقا كبيرا واضحا بين تعامل السيستاني مع الصدر وبينه تعامله مع المالكي، وأكيدا كان الأولى والأجدر بالحفاوة هو الصدر لا المالكي كونه مرجعا وزميلا وإعتبارات كثيرة أخرى ولكن!. نحن نعلم إن السيستاني لا يعترف بمرجعية الصدر ولا بإجتهاده والعكس أيضا صحيح، بالإضافة إلى وجود إختلافات وربما خلافات بينهما، لكن كل ذلك لا يبرر موقف السيستاني تجاه الصدر لا من الناحية الشرعية ولا من الناحية العرفية فأين السيستاني من حديث الإمام الباقر؟! وأين السيستاني من التقاليد والأصول؟! ثم ما هو السبب من تصرف السيستاني سواء مع الصدر أو مع المالكي؟.
هل منافسة الصدر وتحديه للعلماء وتصريحاته الجريئة ضدهم وتمزيقه لكفن الترف والإستبداد والتسطيح وكشفه للمخططات كان وراء تصرف السيستاني مع الصدر؟!.
وهل سياسة ما بعد السقوط وتناغم السيستاني مع الأحزاب الشيعية الكبيرة وتأييده لهم وتقاسم المكاسب معهم ووو... كانت وراء تصرف السيستاني مع المالكي؟!.
ولنا أن نتسائل، ماذا جنى الشعب العراقي من المالكي وحكومته كي يحظى بإحترام وحب السيستاني؟ ألم يتصدر العراق قائمة الفساد المالي والإداري؟ ألم تفشل الحكومة بمعالجة كل المشاكل والعراقيل التي يعيشها المواطن العراقي بشكل يومي؟ ألم تتميز الحكومة بالطائفية والمحاصصة والعمل لمصالح خارجية؟ ألم يتورط المالكي وحزبه في القتل والقمع والتعذيب والترويع والسجون السرية والإختلاس والسرقة؟.
وهل يتصور السيستاني بغلق بابه وعدم إستقبال السياسيين حلا للأزمة؟ وإعفاءا له من المسؤولية؟ وتكفيرا عن أخطائه؟ وهل يتصور السيستاني أن حجم البلاء والدمار الذي لحق البلاد والعباد من قبل (القوائم الكبيرة التي أوصى بإنتخابها) لا يعالج بهكذا تصرف إنهزامي! هل يعتقد السيستاني بإن إعتزاله المزعوم سيصلح الحال؟ فإذا كان الجواب نعم فالواقع أثبت العكس و(زاد الطين بلّة) وإذا كان قدس بابه لا يعتقد فعلامَ الهروب والعزلة؟! أين أمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر؟ وأين شجاعة وصلابة أمير المؤمنين فيكم؟ لماذا لا تخرجون وتظهرون أمام الملأ وتصرحون ضد الفاسدين الظالمين؟ لماذا ديدنكم السكوت المطبق؟ لماذا لا تشجعون الناس على المطالبة بحقها؟ وماذا تنتظرون أن يحصل كي تتكرمون على العالم بتصريحاتكم! إذا كان السيستاني قائدا سياسيا فعليه أن يكون داخل الميدان لا خارجه ، وإذا كان السيستاني قد دعم البعض فلا بد أن يسيطر عليه ويتحمل مسؤولية ما يفعل وإلّا فليدع السياسة وشأنها ولا يورط نفسه والآخرين ثم يخفي رأسه كالنعامة، وبالتالي (لا أغنيك ولا أخليك إتكدي)!.