من يلج عالم اللغات ، ويتمعن في معاني كلماتها ، وتناقل هذه الكلمات بين مختلف الشعوب ، فأنه يُذهل حقاً !
وطالما أن الحديث في هذا الموضوع متشعب ، ويحتاج الى مساحات واسعة جداً ، فأنني سأختصر الكلام ، وأُركز على بعض الكلمات المتداولة الآن في المجتمعات الغربية ، وأصل هذه الكلمات هي اللغة العربية ! … كما لابد أن نذكر أن الكثير من الكلمات المتداولة عندنا نحن العرب هي غير عربية . لكن الفرق بيننا وبين الغرب ، أننا في معظم الأحيان لا نكتب كلماتهم التي نتداولها ، فيما نراهم يكتبون كلماتنا ، بل وتمتلئ بها قواميسهم !
– أول ما نذكره أن كلمة (أنفلونزا) الزكام – هي كلمة عربية 100 بالمئة حيث أستخدمها العرب هكذا :(أنف العنزة) لأن أنف العنزة دأب على النضوح دائماً . فجاء الغربيون وأخذوا هذه الكلمة بعد أن وحدّوها وصارت عندهم ، (وعندنا ) (أنفلونزا).
– وإذا تصفحنا القاموس الغربي خاصة ذلك المنتمي الى عائلة اللغتين اللاتينية (مثل الفرنسية) ، والانكلوساكسونية (مثل الانكليزية) ، نجده يعج بعشرات الكلمات العربية مثل : مسجد ، أمام ، سورة ، غزال ، منارة ، موسيقى ، أرض ، شريف ، جرة ، أسطبل ، قاض ، ديوان ، قبطان ، عفريت ، قهوة ، سكر ، بق ، قانون ، قطن وغيرها ..
لكننا سوف لا نقف عند هذا الحد ، بل نتعداه الى أن نجد أسماء لامعة في التاريخ العربي ، وعلماء عظام في شتى المجالات ، لم يكتف الغربيون بالاستفادة مما في جعبتهم من علوم وفنون ، ولكن هؤلاء الغربيين قد أطلقوا أسماءهم على العلم الذي أختص به العالم العربي هذا : مَن منا لم يدرس مادة (الجبر) في المرحلة المتوسطة ؟ وكم واحداً منا يعلم أن كلمة (جبر) أتت من أسم العالم العربي (جابر بن حيان).
– لنأت الآن الى كلمات مثل : فدائيين ، إنتفاضة ، مناورات ، العربية ، وغيرها الكثير ، سنجدها في القاموس الغربي … كذلك سنجد أن فعل:(كَسَرَ) بالعربية هو نفسه موجود في اللغة الفرنسية Casser وفعل (أشترى) كذلك بالفرنسية.acheter
– أما الاسبانية (المنتمية الى اللاتينية أيضاً) ، فيعج قاموسهم بمئات الكلمات العربية نتيجة الوجود العربي في أسبانيا الذي دام أكثر من ثمانية قرون ، ويكفي أن نقول أن مضيق جبل طارق بين أسبانيا والمغرب قد أطلق عليه الأسبان مضيق (جبللتار). ولابد من الاشارة الى أن أحد الاصدقاء في أسبانيا ، أخبرني قبل فترة أنه بصدد تأليف كتاب عن الكلمات العراقية – نعم العراقية – الموجودة في القاموس الأسباني !!
– أما نحن العراقيين ، فمعروف كم من الكلمات التي نستخدمها يومياً وهي لا تمت بصلة للغة العربية . لكننا دأبنا على عدم كتابتها ، بل نقولها فقط مثل : أفندي ، أغاتي ، تلفون ، تلفزيون ، راديو ، موبايل … وأجزاء ماكنة السيارة كلها : إبتداءً بـ (البدي) و(الجامولوغ) ومروراً بـ (الباك لايت) وإنتهاء بـ(الراديتر) و(الباتري) و (الدشبول)!
– لكن الذي يثير الإنتباه حقاً هو : كيف أن تعبيراً مثل ( شمندفر)-القطار- يدخل العراق ، وهو تعبير فرنسي 100 بالمئة (Chemindefer)/ طريق الحديد أو سكة الحديد ؟ فالمعروف أن الاستعمار والتجار هم الذين يعملون على نقل العبارات والكلمات الى الاماكن التي يؤمونها . ونحن العراقيين لم يكن إستعمارنا فرنسياً ، ولم يكن الفرنسيون بين التجار الذين تعامل معهم العراقيون ، فكيف وصل هذا التعبير الى العراق حتى أصبحت الأغاني القديمة –خصوصاً في الجنوب- تعج بالشمندفر الذي يأخذ المحبوب بعيداً عن الحبيب ؟!!
– كما أن كلمة (تمن) –رز- هي كلمة لا يتداولها غير العراقيين ، وهي كلمة انكليزية هذه قصتها : أثناء الاستعمار البريطاني للعراق ، كان البريطانيون يكتبون Ten men أي عشرة رجال على كل كيس (گونية ) يحتوي على الرز ، أي أنه يكفي عشرة رجال ، فجاء العراقيون وأطلقوا على حبوب الرز نفسها هذه الكلمة التي حُرفت الى (تمن)!!
– أما كلمة (طويريج) القضاء العراقي المعروف ، فهي جاءت أيضاً من الانكليز الذين كانوا يطلقون على هذه المدينة two way rich أي وصول طريقين .
– وأما كلمة (درنفيس) – مِفل البراغي- فهي فرنسية Tournevis والترجمة الحرفية لها : تدوير الوجه، ولا أعلم ماالذي جاء بهذه الكلمة الى العراق من بلاد السين!!
– وتبقى كلمة (أستكان) تثير الدهشة فعلاً ، فهذه الكلمة هي انكليزية بحتة: east tea can أي علبة الشاي الشرقي ، فلو علمنا أن العراقيين يستخدمونها ، فأن هناك تبريراً لذلك ، لكن أن تكون مستخدمة في روسيا (ذات اللغة السلافية)، وتدخل القاموس الروسي دون غيره ، فهذا ما يجعلنا محقين حين نقول (تثير الدهشة؟)!!
– وطالما نحن نخوض موضوعاً عن اللغات ، لابد أن نذكر ما يتعلق باللفظ والنطق أيضاً ، ونقول أن الفرنسيين دأبوا على لفظ حرف (جيم) ياء .. مثلاً : جان يان .. جانيت يانيت .. أليس نجد في بعض مناطق العراق من يلفظ (جاج) ، ياي(!) ، و(جاء زيد) ، (جي زيد) : يي زيد ؟؟!!
وهذه ملاحظة أخيرة حول اللفظ : فقد دأب العراقيون على عدم لفظ حرف (v) لأنه غير موجود في اللغة العربية أصلاً . ويغيرون نطقه بتشديده الى ((f (ف): فيكتور ، فالنتاين ، ايفان ، لكن ما يثير الدهشة أيضاً أن كلمة (إيفل) يلفظها العراقيونEvel بتخفيف حرف (f ) في الوقت الذي نرى الفرنسيين أنفسهم يلفظونها إيفل بتشديد الفاء بل حتى حين كتابتهم لهذه الكلمة نجدهم يضاعفون حرف الفاء فيها فيصبح برج أيفل:
La tour Eiffel
أخيراً قلت في بداية الموضوع أنه طويل ومتشعب ويحتاج الى مساحات واسعة لكني أتمنى من الذين لديهم المزيد من تلك المعلومات أن يتحفوننا بها ! والله من وراء القصد .
مقالات اخرى للكاتب