لعلها ساعات في غاية الدقة, ولعل الأيام التالية تكون فارقة, فارقة في كل شيء, فارقة في الاتجاه للحرب أو للسلام.. الى مستنقع طائفي برائحة الدم أو الى فسحة مشاركة عامرة بهواء التفاهمات. وعليه فإن أي كلمة اليوم هي في غاية الحساسية، وأي فكرة تطرح ينبغي أن تتحلى بالقدر الأعلى من المسؤولية.
ما حدث في الحويجة نقطة فارقة وهي لحظة حاسمة ومكان لوقفة جادّة, فلعبة الاقتراب من الحافة ثم التراجع قليلاً لا يمكن أن تستمر الى مالا نهاية وأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه والتصعيد إلى أعلى المستويات لا يمكن أن يمر في كل مرة بتراشق كلامي دون أن يصل الى الوقوع في المحذور.
واذا كان هناك رأي ورأي آخر وهناك قول وضدّه بخصوص (المعتصمين) في الحويجة وهل هاجموا نقطة الجيش وهل قتلوا ضابطاً واستولوا على أسلحة وهل لاذ المهاجمون بالفرار ليندسوا بين المحتجين وهل هناك قاعدة وبعثيون ومسلحون بين المحتجين؟ كل هذه الأسئلة وأجوبتها والنقاش حولها لا يمكن أن تجعلنا ومهما كانت الإجابة نمتنع من طرح التساؤلات الأهم: من أمر بهجوم الحويجة؟ من لم يتمالك أعصابه ولم يعط فرصة اخرى لايجاد حلول؟ من تسرّع؟
لا يمكن تصوّر أن الجيش قام بكل ذلك دون أوامر مباشرة من رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة. هذه الأوامر تأتي في ظروف غاية في الدقة وموقف غاية في الحساسية وإنني لأعجب كيف يصبر من يمتلك ملفات وأدلة على أرهابيين في قلب العملية السياسية ونافذين فيها, يستقرون في لبابة العاصمة ويتجولون في منطقتها الخضراء (بحسب ما صرح به السيد رئيس الوزراء) يصبر على هؤلاء بدوافع قيل ان من أهمها الحرص على العملية السياسية, ولا يصبر على وجود ارهابيين مفترضين بلا أدلة دامغة ولا ملفات بعيدون عن بغداد بمئات الكيلومترات يستقرون في خيام في العراء تطوقها القوات الأمنية؟ أوليس الصبر والأناة والحلم والحكمة هنا أجدى؟ لماذا هذا القرار الآن؟ أهو رصيد مضاف من القوة والجرأة أضافته نتائج الانتخابات المتسربة؟
ثم ان علينا أن نتساءل هل تم التشاور مع بقية مكونات التحالف الوطني أو بعضها (تشاورا سياسيا) لأن الخطوة لها تبعاتها وتأتي في ظروف دقيقة؟
ودعونا نتساءل أيضا ترى هل مرر السيد القائد العام رسالة ما الى الاميركان باحتمالات الموقف في الحويجة فقابلوها بردود من اللامبالاة تشبه لا مبالاتهم التوريطية في صيف عام 1990 عندما ذهبت (أبريل جلاسبي) لتستمتع باجازتها الاعتيادية مغادرة العراق بعد لقائها القائد الضرورة ليقفز بعد ذلك اللقاء الى الهاوية الكويتية؟
كيف قرأ المالكي الموقف ليدخل هذا المدخل؟ ونحن إلى أين؟
ولأن الموضوعية ظل لا مناص من الاستظلال به فلا يمكن إضفاء الايجابية بالكامل على التظاهرات ومنظميها وقياداتها وشعاراتها, لا يمكن اغماض العين عن نزعة التحدي والتصعيد والبحث عن احتكاك لدى كثير من الأصوات التي أفرزتها هذه الاحتجاجات واستيلاء الأطراف الأكثر تطرّفاً على مقاليد الأمور فيها.
لا يمكن أن ننظر الى السياسيين الممثلين لمناطق التظاهرات دون أن نلمح بوضوح الانتهازية والنزوع الى أسلوب: كن أكثر تشدداً لتكون أكثر قرباً من المزاج (التظاهراتي).
لابد من واقعية في هذه اللحظة شديدة التأزّم. على الجميع أن يقرر بوضوح إلى أين يريد الاتجاه, أخرجوا من التيه, وحددوا أهدافكم. هناك استفتاءات مطلوبة مسكوت عنها. على جميع المكوّنات أن تُستفتى وأن توضع أمام أسئلة واضحة:
- هل تريدون عراقاً موحّداً أم انفصالا؟
- هل تريدون وحدة بأقاليم أم بدونها؟
لست من دعاة التقسيم ولكن ما المقدّس؟ أهو شكل العراق بهذه الخارطة وهذه الحدود؟ أم الانسان العراقي الذي يسفك دمه ويدمّر وجوده تحت شعارات الطائفة والعرق المغلفة بغلاف الوطنية؟ الوطنية العراقية غير المعرّفة وغير واضحة المعالم والثوابت والمشتركات.
مقالات اخرى للكاتب